بقلم د. حسن فوزي الصعيدي
كلمات معدودات.. يقولها فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي على عجل، فإذا بكلماته تنتشر كأشعة الشمس عندما تشرق، فلا تدع موضعا إلا نفذت إليه، أو قلبا نقيا إلا واستقرت في سويدائه، وكالنار في الهشيم، لا تذر شبهة من شبهات الكائدين إلا أتت عليها، أو غرسا من غراس الأفاكين إلا اقتلعته من جذوره.
هذا هو القرضاوي عندما يتكلم.. يقول الكلمة، فتتسابق كبريات الوكالات الإخبارية والصحف العالمية لالتقاطها، وتتنافس في الإحاطة بها، ثم تتسابق في نشرها.
إذا تكلم استشرف الناس: ماذا قال؟ وماذا ينوي أن يقول؟ وإذا سكت تساءلوا: لماذا سكت، وماذا يقصد بصمته؟!
ولا يحفل الناس بأحد هكذا إلا إذا كان موصولا بالله.. إنه سر بين العبد وربه، إنها ثمرة من وضع الدنيا في يده لا قلبه، فطوال عمره لم تمتد يده لعطاء وإن عظم، ولا استشرفت عينه لنوال وإن جل، وهذا ما جعله واقفا رافع الرأس، لا منة لأحد عليه، مشرق الوجه، ليس عنده ما يستحيي منه، ناصع الجبين، ليس لديهما يخشى مواجهته، حتى صار يزن أمة.
يقف أمام كتائب المرتزقة وعلماء الدرهم والدينار ثابت العزم لا يخور، قوي الحجة لا ينقطع؛ لذلك لا يتحدث إلا عندما يريد هو، وبما يعتقد، دون أن تؤزه الأجهزة الأمنية أزا، أوتدفعه الأذرع المخابراتية دفعا.
ومع هذا.. فالحملة عليه مستعرة، والهجمات ضارية، لا تكاد تطلع على موقع إلكتروني حاقد، ولا صحيفة مشبوهة، إلا والتطاول عليه مادتهم التي يقتاتون منها، فأذكر ما أورده الطبري في التاريخ، وابن الأثير في الكامل، وغيرهما: أن طلحة النمري جاء مسيلمة الكذاب فسأله عن أمره، ثم قال: أشهد أنك كذاب، وأن محمدا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر!!
هذا هو الأمر إذن.. كذب المتاجرين بالدين أحب إلى هؤلاء من صدق الصادعين بالحق.. بهتان المتكسبين بالإسلام أقرب إليهم من حق المتمسكين بعروته الوثقى .. هؤلاء النفعيون يمكن شراء ذممهم وضمائرهم.. أما القرضاوي فلا!!
اعتاد الشيخ سماع النقيق والنعيق، كما اعتاد نباح من (إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) من حملة المباخر، وسدنة العساكر، وأبواق السلاطين، ممن باع نفسه وعلمه وضميره، وارتمى في أحضان الانقلابيين.. من أصحاب المواقف المتلونة، والتاريخ الأسود، من المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما عافه السبع.. من هذه الكائنات التي تطفو على السطح، ولكننا نؤمن بقوله تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)
أبحث عن كلمة قالها في حق الوطن، أو إساءة لشرفائه، تتطلب هذه المعارك الطاحنة، التي تشعل الصحف والبرامج؛ بل والمحاكم، فلا أجد إلا كذبا مركبا على كذب، فأتذكر الفيلم الوثائقي الذي أنتجته إحدى القنوات الفضائية، بعنوان صناعة الكذب، على ألسنة الإعلاميين المصريين!!
كثيرون يتحدثون.. فلا تجد إلا مواء قطط ونقيق ضفادع!
كثيرون تتطاول أعناقهم للحديث.. فلا ينظر الناس إليهم!
كثيرون يرفعون أصواتهم بنبرات شاذة.. فلا يؤبه لهم!
أما الشيخ فلن ينحدر إلى حضيضهم، ولن يرفع من شأنهم للدخول في سجال معهم، ولن يلقمهم الحجر تلو الحجر، خشية أن يصبح الصخر مثقالا بدينار!
المصدر: موقع القرضاوي.