عندما تُشيد إسرائيل بالسيسي
إعداد د. عدنان أبو عامر
كان لافتا أن يحيي السفير المصري في إسرائيل خالد عزمي اليوم الوطني لمصر في منزله بتل أبيب، وسط حضور إسرائيلي وأجنبي زاد عن 150 مدعواً من مختلف التوجهات السياسية والإعلامية.
وقد تداولت الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية التي حضرت الاحتفال ما قالت إنها إشادة علنية قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحق عبد الفتاح السيسي، كاشفا النقاب عن طبيعة العلاقة الودية والعميقة التي تربطه به.
لم يعد سراً أن الصداقة بين نتنياهو والسيسي تطورت بشكل لافت منذ استيلاء الأخير على الحكم في مصر قبل ست سنوات، بدليل أن الإسرائيليين لم يستمعوا في عهده كلمة نقد واحدة، وهذه ليست مناورة ومجاملة، إنما أقوال صادقة.
أكثر من ذلك، فقد دأب نتنياهو على وصف السيسي بأنه “صديقي الطيب”، وهذا تعبير شخصي ومشحون، ويشهد على علاقات تتجاوز شؤون العمل، “وكلاهما يتحدثان هاتفيا على نحو ثابت، ويمكن الافتراض بأنهما التقيا أكثر مما نشر عن ذلك، وهذه منظومة علاقات استثنائية تستند إلى الشخصية الخاصة لكليهما.
يتحدث الإسرائيليون علانية أن هناك جملة من الصفات المشتركة بين نتنياهو والسيسي كفيلة بأن تربطهما معاً، من أهمها أن كليهما يعيشان إحساسا بالتهديد الوجودي، ويواجهان المجموعات المسلحة، وينتميان إلى الجانب المحافظ من الخريطة السياسية، أضف إلى ذلك أن من صفاتهما المشتركة أن وسائل الإعلام تعد مصدر إزعاج لهما، ولديهما حساسية لما يقال عنهما علنا.
رغم كل هذه الإشادات الإسرائيلية بالسيسي، لكنها لم تلقَ صدى في الصحافة المصرية، فالرقابة الأمنية المصرية أبعدت الحدث عن الجمهور، حتى لا يعرف كيف يفكر نتنياهو تجاه السيسي، حتى أن أحد الإسرائيليين أضاف قائلا: نحن أيضا لا نعرف بالضبط ما يفكر فيه السيسي تجاه نتنياهو، وأي مكان تحتله إسرائيل في قلبه، وهل هي صديقة حقيقية، أم مجرد شريكة تجارية.
مع العلم أن العلاقات التي نسجت بين نتنياهو والسيسي تعتبر تطورا جيدا من وجهة النظر الإسرائيلية طالما شكلت وسيلة لتعزيز الاتصال بينهما، ولم تصبح هدفا بحد ذاته.
تزامن إحياء السفارة المصرية لليوم الوطني في تل أبيب مع مرور أربعين عاما على اتفاق كامب ديفيد، الذي شكل حدثا يلفت الأنظار في إسرائيل، أحيت ذكراه السنوية بحلقات النقاش والمحاضرات والمؤتمرات واللقاءات، نظرا لأهميته مع مصر، حيث انشغلت هذه الفعاليات في التعرف على إيجابيات الاتفاق وسلبياته، وماذا حصل خلف الكواليس في المفاوضات المصرية الإسرائيلية، وكيف وصلنا لحظة التوقيع التاريخية.
يعتبر كامب ديفيد الاتفاق الأهم بين مصر وإسرائيل، فقد أحيت الدولتان اليوم أربعين عاما من السلام، مقابل ثلاثين عاما من الحروب والعداء، تخللتها خمس حروب، مما منح الاتفاق قوة واضحة، وتحوله إلى كنز استراتيجي لهما، ولذلك فهما تحافظان عليه، لأنه استطاع الصمود أمام هزات إقليمية، وثورات وانقلابات عاشتها مصر.
يعتقد الإسرائيليون أن اتفاق كامب ديفيد وضع الأسس المهمة لتطبيع علاقات مصر وإسرائيل في جميع المجالات، ويمكن اعتباره نموذجا يحتذى لاتفاقات مستقبلية مع دول عربية أخرى في المنطقة، مع العلم أن معظم بنود الاتفاق لم تجد طريقها للتنفيذ على الأرض، وهو نقطة إحباط إسرائيلية.
فالعلاقات التجارية المصرية الإسرائيلية لم تصل إلى ما فيه الكفاية، والعلاقات الثقافية والفنية تقريبا غير قائمة، وحركة السياح في الجانبين متواضعة جدا، وتشكو إسرائيل أن لإعلام المصري ما زال معاديا لها، وليس هناك تعاون أكاديمي بين جامعاتهما، والكتب الدراسية تواصل تصوير إسرائيل بدلالات سلبية.
مع العلم أن هناك جوانب إيجابية يبنى عليها في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، فالاتفاق التجاري الثلاثي “الكويز” الموقع عام 2009 بين الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر، يمكن المصانع المصرية من التصدير للولايات المتحدة دون ضرائب، ويفتح أبواب التجارة بصورة جزئية مع إسرائيل، ويتيح الاتفاق لآلاف العمال المصريين، وقرابة 680 مصنع مصري للمشاركة فيه، ويحقق مدخولات مالية للخزينة المصرية بملايين الدولارات.
ورغم أن الإسرائيليين يعتقدون أن المصالح الاقتصادية بين مصر وإسرائيل ربما لا تقل أهمية عن الاعتبارات السياسية، كما تم التوقيع على اتفاق لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر لمدة عشر سنوات، لكن العلاقات الأمنية بين تل أبيب والقاهرة لم تصل في تاريخها لهذا المستوى من العمق والتنسيق وتبادل المعلومات.
وربما شاهدنا في السنوات الأخيرة كيف أن الملحق العسكري لاتفاق كامب ديفيد حصل عليه تغيير بموافقة إسرائيل، بموجبه يدخل عشرون ألف جندي مصري إلى سيناء قرب الحدود الإسرائيلية لمحاربة الجماعات المسلحة، وهو ما يشير إلى أن العلاقات العسكرية والاستخبارية بين مصر وإسرائيل لم تشهد هذا الانفتاح من قبل، حتى منذ توقيع اتفاق السلام بينهما قبل أربعة عقود.
في الوقت ذاته، يعول الإسرائيليون كثيرا على المسارات التي يعمل فيها السيسي لمعالجة الملف الفلسطيني الإسرائيلي، أولها المصالحة الفلسطينية الداخلية، فالسيسي يريد رؤية السلطة الفلسطينية تعود لقطاع غزة، ليس محبة في إسرائيل، وإنما لأنه لا يريد بقاء القطاع بيد سلطة حماس، باعتبارها تابعة للإخوان المسلمين، الأكثر كراهية بالنسبة له.
المسار الثاني هو التهدئة ووقف إطلاق النار والترتيبات السياسية بين إسرائيل وغزة، ما يجعل السيسي أكثر انتباها لمحاربة الجماعات المسلحة في سيناء.
أما المسار الثالث، فبعد أن ينتهي السيسي من هذين المسارين يتحول فورا لإيجاد حل جذري للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سواء من خلال حل الدولتين للشعبين، أو في الانخراط بصفقة القرن الأمريكية، في ظل السياسة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه السيسي بعكس سياسة سلفه باراك أوباما، من خلال تجاهله لانتهاكات حقوق الإنسان التي تشهدها مصر لصالح تجنيدها ضمن السياسة الأمريكية في المنطقة.
في الوقت ذاته، ورغم وصول مئات الضيوف الإسرائيليين لمنزل السفير المصري، بمن فيهم رئيس الدولة رؤوفين ريفلين ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لكن رغم هذه الأجواء الإيجابية، هناك دعوات إسرائيلية متزايدة في الدوائر الدبلوماسية لوقف ما تعتبره حالة الإهمال الجارية لاتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، بزعم أن الأخيرة لا تنفذ ما عليها من التزامات واردة في اتفاق كامب ديفيد لعام 1979، نصا وروحا.
هناك جملة من الأسباب لهذه التحفظات الإسرائيلية على السلوك المصري تجاه كامب ديفيد، تبدأ بسياسة الرئيس السابق حسني مبارك الذي أراد العودة للحضن العربي بعد طرد بلاده من الجامعة العربية بسبب اتفاق السلام مع إسرائيل، والرغبة المصرية بإبداء التضامن مع الأطراف العربية التي تعيش حالة حرب مع إسرائيل.
مع العلم أن ذلك لا يتسبب بإثارة الانتقادات بين القاهرة وتل أبيب، لأنه الوضع السائد منذ أربعين عاما، رغم أن هذا الوضع بحاجة لإصلاح ومراجعة، مع أن العلاقات العسكرية والأمنية القائمة بينهما أقوى من أي وقت مضى، فالدولتان لهما مصلحة بمحاربة الجماعات الإسلامية المسلحة، وإسرائيل معنية بأن تستفيد من علاقات مصر في الساحة الفلسطينية لتحقيق تسوية أو تهدئة مع حماس في غزة بالذات، وهذه فوائد أساسية في علاقات الدولتين على الصعيد الخارجي.
في الوقت ذاته، فإن انعكاس اتفاق السلام على علاقات الدولتين غير قائمة تقريباً، فمنذ أن اضطر السفير الإسرائيلية لمغادرة مبنى السفارة بالقاهرة قبل 8 سنوات في أوائل ثورة يناير 2011، فلا يوجد لإسرائيل مقر دائم في مصر، وفي نهاية شهر يوليو الجاري ينهي السفير ديفيد غوبرين مهمته، ويعود لإسرائيل، دون أن تقر الحكومة الإسرائيلية سفيرا جديدا لها، في حين أن العلاقات التجارية والثقافية والاقتصادية ليست موجودة أساسا بعكس ما ينص عليه اتفاق السلام.
ورغم ذلك، فقد سمحت إسرائيل لمصر بأن تدخل للحدود في سيناء عددا من الكتائب العسكرية المسلحة، أكثر من عشرين ألف جندي وضابط كما أعلن ذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهذا خرق لاتفاق السلام المصري الإسرائيلي، لكنه كان بموافقة إسرائيل.
لا يكتفي الإسرائيليون بما حصدوه من فوائد وإنجازات لاتفاق كامب ديفيد مع مصر، بل إنهم يزعمون عدم وجود توازن في علاقات الجانبين، مصر وإسرائيل، ففي حين أن مصر تحظى بفوائد اتفاق السلام، في حين أن إسرائيل تحظى بنسبة أقل، رغم أنها ترى، وعن حق، في سلامها مع مصر كنزا استراتيجيا مستقرا، ويبدو الطرفان معنيان به، لذلك آن الأوان لأن يعملان على تقوية هذا الاتفاق، وصولا إلى تنفيذ كافة بنوده.
رغم هذا العتب الإسرائيلي على النظام المصري، لكنهم على ثقة بأن السيسي لن يترك إسرائيل تعود غير مستفيدة من هذا الاتفاق، من خلال الطلب من المصريين تشكيل طواقم مشتركة لفحص تطبيق اتفاق السلام من جديد، والعمل على ضخ المزيد من الدماء فيه، في ظل التقلبات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والرغبة الإسرائيلية بأن تبقى محتفظة بحليفها الأوثق في القاهرة!
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
(المصدر: المعهد المصري للدراسات)