(بقلم فيصل عنفار – مدونات الجزيرة)
بتحليل دقيق للمشهد، يمكن أن يخرج المرء بنتيجة موضوعية مثيرة، ففي مواجهة القائلين بتهديد «الأصولية الإسلامية» للديمقراطيات والحريات الغربية و العربية و تجيش قوافل الاعلام العربي والغربي و العساكر والتحالفات لكسر شوكة أي توجه إسلامي أكان معتدلا أو متطرفا، فالأكيد اليوم نشهد أن الأصولية العلمانية تقود إلى نفس المشهد، ولو بطريق آخر، عبر تعزيز العنصرية ضد الآخر وضد الفكرة المعارضة، وتعميق افكار النزعة العرقية، وتوسيع الشروخ الثقافية بين الحضارات، والمذهبية الجديدة، مما يجعل من الأديان والتدين في نهاية المشهد عوائق تحول دون التقدم البشري تدعو للانسلاخ عنها، عوضا عن أن تكون جسورًا للتواصل والتعارف بين الأمم والشعوب.
قد تكون الأصولية العلمانية هي اعتداء على الحرية الشخصية التي تعتبر أهم ركائز الفكر العلماني، فالأصولي العلماني صاحب رؤية أحادية نسبية، يريد لها أن تنطبق على الجميع، حتى ولو كان العالم متعدد الأقطاب والمشارب وليس أحادي اللون، ورغم أن الأصولية العلمانية لا علاقة لها بالنصوص المقدسة ولا تقرأها بعين التشدد والتعصب كالأصولية الدينية، فإنها تقع في الفخ نفسه، عندما تتعاطى مع تراث التنوير الإنساني على أنه قوالب مقدسة وما عداها لا يعتد به.
إذن قبل الحديث عن محاربة التطرف الديني فالأولى هو مواجهة أي تطرف حتى العلماني، الذي أصبح اليوم كوصفة ناجعة لمواجهة التطرف الديني في منظور البعض، والذي شخص معضلات هذا العالم في كلمة واحدة وهي التطرف الديني وبالضبط الإسلامي، متغافلين عن قصد أو دون قصد، إن مشكلات العالم أبدا لم تكن مشكلة قيم دينية، بل هي مشكلة هيمنة واحتلال وسيطرة ونهب.
و الأكيد أن عالمنا العربي اليوم في أمس الحاجة لتحالف جميع التيارات لبناء حضارة جديدة، لا سيادة فيها لا للعلماني ولا الديني، دولة تسع الجميع في قطرها، كما على التيارات الإسلامية أن تعي أنه رغم ما تدين بيه الأرض والإنسان والمعتقدات والتاريخ لوجودهم، وأحقيتهم في الحكم، فلا يمكن بأي حال من الأحوال، بناء وطن بدون حضور باقي التيارات المختلفة بشكل جذري عن أيديولوجياتها .
عليك أخي العلماني، ومهما حاولت ومهما تحكمت في دواليب القرار، أن تعي أن الأرض، والتاريخ، والإنسان لا يمكن أن ينسلخ عن هويته الإسلامية مهما جرت به السنين، وأن بناء وطن متقدم ومتحضر لن يتم إلا بحضور التيار الآخر .