عناية الملوك المسلمين في الهند بالأعمال الخيرية
ترتفع الأصوات من حين لآخر من بعض الجهات المتطرفة في البلاد بأن الملوك المسلمين في الهند كان أكبر همهم التغلب على السلطة، ونهب ثروات البلاد وخيراتها وتسخيرها لإشباع أهوائهم. وأما الأعمال الخيرية فكانوا أبعد شيء منها. وهذه المزاعم منقوضة الأساس، بعيدة كل البعد عن الحقائق؛ فإن نظرةً عابرةً على تاريخ الهند في عهد الملوك المسلمين تكشف لنا- بجلاء- اهتمامهم وعنايتهم بالأعمال الخيرية من إنشاء خانات ورباطات للمسافرين، ومارستانات للمجانين، ومستشفيات للمرضى، و ملاجئ للعاجزين، ومدارس للطلبة أنارت العقول، وفتحت للحق أبوابًا؛ وترعًا وأنهارًا وآبارًا سقت الأراضي القاحلة، وسنَّوا سنن الخير في الحكم وأساليبه وطرقه.
وكانت الخانقاهات تحل محل الرباطات والخانات في المدن، فأقام الملك «فيرزشاه» في «دهلي» و «فيروزآباد» مئة منها، تكفل الحكومة نفقاتها، وتنصب لها من يتولى أمرها. وكان للمسافر النازل بها أن يتنقل بعد كل ثلاثة أيام– التي هي مدة الضيافة الشرعية- منها إلى أخرى فيقضي نحو عام كامل في هذه الرباطات. و قس عليه غيره من الملوك المسلمين الذين اعتنوا بإقامة المطابخ العمومية المستقلة والطارئة.
وأقام الملك «محمود الخلجي» كثيرًا من المطابخ العمومية التي تقوم بتوزيع الأطعمة الجاهزة و الحبوب على الفقراء والمساكين. وأقام الملك «جهانكير» في «أحمد آباد» و «إله آباد» و«لاهور» و «آكره» و«دهلي» وغيرها من المدن الهندية الكثيرة عددًا كبيرًا من مخازن الحبوب الخيرية التي كانت تزود الفقراء والمساكين بالحبوب والأطعمة من غير مقابل.
وأقام الملك «فيروزشاه تغلق» مصلحة تُعنى بتزويج بنات الفقراء والمساكين الذين لايجدون ما ينفقون على تزويجهن، فكان أولياؤهن يراجعون هذه المصلحةَ، ويسجلون أسماءهم عند السلطات المسؤولة عنها، فيتحققون من فقرهم وعوزهم بكل أمانة، ثم يصرفون لهم ما يعينهم على تزويج بناتهم.
وشهد عهد الملك «فيروز شاه» إجراء الرواتب للحوامل من النساء، يدخرنها حتى يبلغ أولادهن النكاح فينفقنها على الزواج. وهو الذي أنشأ مصلحة خاصة تسمى بـ«ديوان الخيرات»، تقوم بإجراء الجرايات للضعفاء والمحتاجين والأيامى والأيتام والمقعدين، وتكفل حاجات هذه الشريحة المنكوبة من المجتمع.
وأنشأ الملك «محمود شاه البهمني» كثيرًا من المدارس الخاصة للأيتام في كل من «بركه» و «بيدر» و«قندهار» و«دولت آباد» وغيرها من المدن الشهيرة، وكان يجري الجرايات على العميان. و أعد الملك «سكندر اللودهي» قائمة للفقراء والمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة، وكان يراجع الملك هذه القائمة بعد كل ستة أشهر، فينظر في حالة كل واحد وحاجته، ويساعده على نفقات هذه المدة.
وخلف إبراهيم اللودهي والدَه: «سكندر اللودهي» في الحكم فسار سيرة أبيه، في توفير التسهيلات اللازمة لذوي الحاجات والمنكوبين. وجعل السلطان «محمود خان الثاني»- حاكم «غوجرات» – توفير الوحدات السكنية الجديدة لذوي الدخل الأدنى على أعلى السلم في أولوياته، وكان يتعهد الفقراء والمساكين، ويطعمهم مما يأكل. وكان الملك «أورانك زيب» كثير العناية بالمرافق العامة وتوفير التسهيلات للشعب الهندي بِغضِّ النظر عن انتمائه الديني والعرقي، فكان يقدم كثيرًا من المساعدات العينية والمالية إلى البراهمة المعتزلين في مدينة «هاري دوفار» من أهم الأماكن المقدسة لدى الهندوس.
الهند أرض زراعية، وتشكل الترع والأنهار عمودها الفقري، وأول من عُني بهذا الجانب من المرافق العامة الملك «فيرز شاه تغلق»، فشق كثيرًا من الأنهار، و في كثير من المناطق الخاضعة لسلطته. وشهد العهد المغولي شق الأنهار على الطراز الإيراني، وأنفق الملك «شاه جهان» مئات الآلاف من الروبيات على شق الأنهار إلى البلاد الميتة، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، وتحولت واحة خضراء.
(المصدر: مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند)