بقلم عصام تليمة
هناك صورة معينة يحرص دائما الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق على أن يصدرها للناس، ويحرص كذلك تلامذته عليها، وهي صورة العالم المتمكن القوي؛ المتمرس للعلم، وبخاصة في الفقه والأصول، وهي صورة اعتمدت على التهويل والتضخيم، وهو أمر مقصود، ولكن المتأمل لكتب علي جمعة يجد فيها مواضيع تدل على الجهل الكبير بالعلم وأصوله، وأكتفي في هذا المقال بأحد إصدارات علي جمعة العلمية، وهو كتاب (الفروق) للإمام القرافي، بتحقيق علي جمعة، ومحمد أحمد سراج، طبعة دار السلام بالقاهرة، ويباهي علي جمعة وتلامذته بتحقيقه للكتاب، وأرجو من تلامذته ومن يقتنعون بعلمه أن يقفوا وقفة إنصاف علمية محايدة، فيما سأذكره في المقال هنا وأترك لهم الحكم، ولكل صاحب علم، وقد اعتمدت في جل ما ذكرته هنا على مقدمة محقق كتاب (الفروق) للأستاذ العالم عمر فاروق القيام، وفيها تفاصيل أكثر مما سأذكر هنا، وإليكم بعض هذه الطوام العلمية التي لا تصدر عمن حصل على شهادة الابتدائية الأزهرية!!
1ـ ففي الفرق (46) (2/411) ذكر الإمام القرافي جملة أبيات للشاعر أمية بن أبي الصلت، فعقب العلامة علي جمعة بهذا التعريف بالشاعر: هو أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني العلامة الفيلسوف، الطبيب الشاعر المجود، صاحب الكتب، ولد سنة ستين وأربعمائة، وتنقل وسكن الإسكندرية، ثم رد إلى المغرب، وكان رأسا في النجوم والوقت والموسيقى، مات بالمهدية في آخر سنة 528هـ. بينما أمية بن أبي الصلت عاصر النبي صلى الله عليه وسلم، وورد أكثر من نص نبوي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمية، وكان أمية طامحا في أن يكون نبيا، وقال عنه صلى الله عليه وسلم: آمن شعره وكفر قلبه. فتأمل الفرق بين الشخصيتين، ودلالة ذلك على علم علي جمعة.
2ـ في الفرق (200) (3/1078) قال العلامة علي جمعة في تخريج حديث: “من أسلم فليسلم إلى أجل معلوم” فقال: أخرجه الألباني في (إرواء الغليل) (5/218) وأبي حاتم في العلل المتناهية رقم (1158). وفي كلامه هنا عدة طوام علمية، أولها: أنه ينقل عن الألباني، وهو في نظر علي جمعة رأس من رؤوس الوهابية، التي يعلن الحرب عليها ليل نهار، بحق أو بباطل، ومع ذلك ينقل نقلا غير علمي، فهذه ليست أصول تخريج الأحاديث، فكتب الألباني ليست من أصول كتب الحديث التي يعزو إليها الباحث عند التخريج، ثم الطامة الثالثة، أنه ينسب كتاب العلل المتناهية لأبي حاتم، بل هو كتاب مشهور جدا لابن الجوزي، فهل هذه طريقة تخريج للحديث يا تلامذة علي جمعة، ممن اشتغلوا بعلم الحديث؟!!!
3ـ وفي الفرق (273) (4/1427) قام العلامة الجهبيذ علي جمعة بتخريج حديث الاستخارة الثابت في صحيح الإمام البخاري برقم (1162)، فماذا قال علي جمعة في تخريج الحديث؟ لقد خرجه من كتاب (الكامل في الضعفاء) لابن عدي، وهو من دواوين الأحاديث الضعيفة، ولا يقدم على خطوة كهذه مبتدئ في علم الحديث، فضلا عمن يدعي علمه به.
4ـ ومن أعجب ما قام به علي جمعة وزميله من ترجمة ابن رشد الجد، وهو أشهر من أن يخطئ أحد في ترجمته، فقال نور الدين علي جمعة (كما يحلو له كتابة اسمه على بعض كتبه): صاحب البيان: هو الإمام العلامة قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر الفارابي أبو حنيفة الأتقاني، قدم دمشق سنة 747هـ ثم انتقل إلى مصر، ودرس بها بجامع المارداني، كان رأسا في الحنفية بارعا في الفقه واللغة. بينما قصد الإمام القرافي بقوله: (صاحب البيان) أي البيان والتحصيل لابن رشد الجد، أحد أشهر فقهاء المالكية، بينما علي جمعة راح يترجم له بشخص آخر، ولد بعده بمئات السنين، ثم هل يعقل أن يستشهد الإمام القرافي بعالم سيولد بعد وفاته بعشرات السنين؟ ربما يكون هذا في باب الإلهام على مذهب العلامة النوراني الكبير علي جمعة؟!!
هذا قليل من كثير، أضعه بين يدي أهل العلم، وبخاصة من يرفعون من شأن علي جمعة علميا بأنه علامة أصولي، وأنه وأنه، ومن أراد المزيد فليرجع لكتاب الفروق بتحقيق الأستاذ عمر القيام سيجد نماذج فجة علميا تنم عن جهل مطبق يتسم به بجدارة علي جمعة، ولو رحت أحصي طوام علمية أخرى لعلي جمعة في كتب أخرى، لكتبت سلسلة مقالات عن ذلك، ولكني اكتفيت بهذه النماذج فقط عملا بقول الأعرابي القديم: البعرة تدل على البعير.
وربما تعلل بعض المتعصبين لعلي جمعة، بأن تحقيق الكتاب ليس لعلي جمعة، بل استأجر له من عمل في الكتاب، ووضع اسمه فقط عليه، فمعنى ذلك أن علي جمعة يدور بين أمرين كلاهما يذكرا في باب مساوئ العلم: إما الجهل العلمي، أو السرقة العلمية!!
(عربي 21)