علوم الاضطرار لكل مسلم ليستقيم إسلامه (1-2)
بقلم هدى عبد الرحمن النمر
في “مجموع الفتاوى” لابن تيمية، ذكر المصنّف في فصل “ضرورة الشرع بالنسبة لحياة الإنسان”: “الْإِنْسَان مُضْطَرٌّ إلَى الشَّرْعِ؛ فَإِنَّهُ بَيْنَ حَرَكَتَيْنِ: حَرَكَة يَجْلِبُ بِهَا مَا يَنْفَعُهُ، وَحَرَكَة يَدْفَعُ بِهَا مَا يَضُرُّهُ…” اهــ.
استوقفتني طويلاً عبارة “الإنسان مضطرٌ للشرع”. وتأملت في دقة تخيّر لفظة “الاضطرار” في ذلك الموضع، وكم أنها تبرر انتشار التوهان والحيرة بين أجيال المسلمين اليوم؛ لافتقارهم لتلبية ذلك الاحتياج الاضطراري كما تُلبّى الاحتياجات الأخرى على مدى سنوات النشأة، فإذا بالأجساد تكبر، والأعمار تتقدم، فيستقيم للصغير شأنه حين يكبر في حاجات الدنيا والحِسّ، وتظل حركته متخبطة طفولية في شؤون الوجود ونهج الحياة ككل، والمقصود بصحة حركة المسلم في الحياة ليس صحة الأفعال الظاهرة فحسب، بل تصوراته ومفاهيمه وموازينه، التي أفعاله القلبية والجارحية تابعة لها، والذين ينادون بفقه الواقع القائم، والاشتغال بعلومه المعاصرة، فاتهم أسبقية فقه الأصول التي نقيس عليها ونحاكم إليها الواقع، فنوافق أو نعدّل أو نغير، فصار فقه الواقع والتعامل معه عند مسلم اليوم قاصراً ومختلاً ومعجونًا بأخلاط ثقافات أخرى.
المقصود بصحة حركة المسلم في الحياة ليس صحة الأفعال الظاهرة فحسب، بل تصوراته ومفاهيمه وموازينه، التي أفعاله القلبية والجارحية تابعة لها
فما هي العلوم التي كل مسلم مضطر إليها؛ لتصح حركته في هذا الوجود على أساس الإسلام بما ينفعه في دنياه وآخرته؟ كثرت التصانيف وتفريعات خرائط العلوم في جواب هذا السؤال، فكان الهدف المقترح الآتي:
1. مراعاة الاضطرارية: المعارف المختارة ومستوياتها المطلوبة استنقاذ المرء لنفسه ودينه استنقاذًا عاجلًا، يعوض من فاتهم شطر كبير من النشأة الطبيعية والتربية الصحيحة عليها من البداية.
2. الأساس الموجز: فليست المعارف المذكورة تاليًا حصرًا ولا قصرًا، وإنما أجدها أركان ضبط بوصلة المسلم التائه؛ لتستقيم له الوجهة مبدئيًا، ثم لمن شاء الاستزادة بالتوسع في معارف أخرى، أو التعمق فيها نفسها.
3. فورية ويُسر المباشرة: أي إمكان البدء بالعمل بالمقترح في الحال دون مزيد تسويف، وبالتعلّم الذاتي في غالبه دون مماطلة انتظار معلّم حاضر.
4. البناء على تجربة عملية: فهذا المقترح وليد تجربتي مع مختلف تصانيف العلوم الأساسية للمسلم، وانتفع به من أشير عليه ممن عاملت من فئة الشباب خاصة، التي تعاني من طرفي إفراط وتفريط في التعامل مع علوم الديانة: النهم العلمي الذي يدفع للتشتت في كل وجهة دون منهج، وعلى حساب الأولويات الأساسية غالبًا، أو الرهبة من كمّ المطلوبات والتقاعس عن كل العلوم جملة، ظنّاً أن العلم لأهل الهمة، فلا بأس في تركه لمن لا يجد نفسه أهلاً له!
وألفت الانتباه لمسارين أساسين في التعلم بحسب كل متعلم واختياره: (التعلم بالتوالي، أو التوازي).
• فالتوالي أن تنهي مجالاً (كالفقه) قبل الانتقال لغيره (كالتراجم)، أو تنهي مرجعًا واحدًا في المجال (ككتاب تفسير كامل) قبل الانتقال لمرجع آخر (كتاب تفسير آخر) في نفس المجال.
• أما التوازي فهو الدمج، إما بين المجالات (كالمستوى الأول من الفقه مع تعلم التجويد مثلاً)، أو بين مراجع المجال الواحد (كمطالعة تفسير مجموعة آيات في عدد من التفاسير) في نفس الوقت.
1. القرآن الكريم:
وفيه مستويات اضطرار ثلاثة:
-التجويد: والاضطرار فيه إتقان تلاوة كلام ربّك على وجهه، سواء كان ذلك بتلقي التلاوة تقليدًا لمعلّم دون العلم بنصّ القواعد وحفظها، أو بطريق حفظ قواعد التجويد (ومنظوماته) ثم تطبيقها، المصحف المعلّم للحصري أو المنشاوي من المعينات في هذا المستوى.
-التفسير: والاضطرار فيه تمام فهم المعاني اللغوية لما يشكل من ألفاظ القرآن، والشروح الأساسية للمقصود بمتن الآيات. لذلك ينبغي للمبتدئ المضطر العناية بالتفاسير الأساسية المباشرة، قبل التوسع في التفاسير القائمة على الخواطر والرؤى.
ومن التفاسير النافعة للمستوى: زبدة التفسير للأشقر، والتفسير الميسر (مجمع الملك فهد)، وعمدة التفسير لأحمد شاكر، ويستحسن لهذه الشروح مراعاة تقسيم مطالعتها في أوراد، والتركيز وتكرار النظر فيها؛ لأن الغرض انطباع شروح الآيات في القلب، فيستحضرها التالي لكلام الله، لكن المطالعة السطحية لن تغني شيئًا كثيرًا ولو تعددت التفاسير.
-الحفظ: لا بد لكل مسلم من قدر من كلام ربه راسخ في جوفه، يستحضره ويستأنس به حين لا يحضره ورق المصحف. وفي الحديث: (إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ) [سنن الترمذي]. ما هو ذلك المقدار؟ وكيف تكون منهجية الحفظ؟ من المؤلفات النافعة والموجزة لتوضيح ذلك: “مفاتح تدبر القرآن” لخالد اللاحم.
وينصح في البداية بالعناية بسور المفصّل (من الحجرات أو ق) حفظًا وتفسيرًا، وفهمًا وعملًا، هذه السور هي الموصوفة بسور “المُحكَم” من القرآن، ومن أوائله نزولًا، فلها من الأثر في تثبيت قلب المؤمن على حقائق الوجود والإيمان، وتزكية عمله بدوام استحضاره لها.
2. السُّنَّة:
وهذا الأصل من أكثر الأصول غَبْنًا في حياة الفرد المسلم، فالمسلمون إمّا هاجرون لحديث نبيهم، ظنّاً منهم أن السنة تعني فقه مصطلح الحديث وتخريج الأحكام، أو سمَّاعون للأحاديث سماعًا أبتر عن سياقها، وفي معرض تذكرة عامة بلغة عاميّة، والحق أن الاتصال بكتب الحديث ومطالعة النصوص مباشرة كما وردت على لسان المصطفى عليه الصلاة والسلام، ولسان أزواجه وأصحابه، هذه المطالعة بذاتها قبل أي تفسير وشرح، تُنبِت في حِس المسلم بذورًا نورانية، وتنشئ فيه شعورًا حقيقيًا بالاتصال بالنبي عليه السلام بوصفه قدوة حقيقية لا كلامية، وكذلك صحابته وأهل بيته الكرام، عليهم جميعاً السلام.
إن الاتصال بكتب الحديث ومطالعة النصوص مباشرة كما وردت على لسان المصطفى عليه الصلاة والسلام، ولسان أزواجه وأصحابه، هذه المطالعة بذاتها قبل أي تفسير وشرح، تُنبِت في حِس المسلم بذورًا نورانية، وتنشئ فيه شعورًا حقيقيًا بالاتصال بالنبي عليه السلام بوصفه قدوة حقيقية لا كلامية
ومن الكتب النافعة جدًا في رسم منهج عملي وواضح لفهم السنّة والاقتداء بهدي رسولنا عليه الصلاة والسلام، كتاب “مفاتح تدبر السنة” لخالد اللاحم. وأما متون الحديث الأساسية لكل مسلم، فالأربعون النووية بشرح النووي، أو ابن رجب الحنبلي، ورياض الصالحين.
ويتفرع عن السنّة والقرآن: الدعاء والأذكار والأوراد، وهذه مراجع أساسية فيها:
• حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة–القحطاني.
• الدعاء من الكتاب والسنة–القحطاني.
• جوامع الدعاء–الجريسي.
• الرقية الشرعية من الكتاب والسنة–القحطاني.
• جبال من الحسنات في دقائق معدودات-محمد يونس.
• ميثاق العهد–فريد الأنصاري.
(المصدر: موقع بصائر)