علم المقاصد قبس من نور الوحي
بقلم د. محمد عوام
علم المقاصد علم قائم الذات، رفيع العماد، كاشف عن أسرار الشريعة، مبين لحِكَمها وغاياتها وأسرارها، وأنى يفهم الشريعة، أو يتذوق الفقه من فقد هذا العلم، وهل يحسب على الفقهاء من استنكف عن هذا العلم الشريف، أو يعد من علماء الشريعة من تنكب طريقه.
فمن أراد أن يكون فقيها راسخا، ومفسرا نحريرا، ومتكلما متفوها، ومحدثا متعمقا ومرموقا،…فعليه أن يضع قدميه على مركب المقاصد، فإنها روح العلوم والفهوم، ومن ضيعها تاه في بيداء الجهل، وضيع وقته فيما لا طائل من ورائه، واضطربت بين يديه القضايا والمسائل، وعسر عليه فكها، أو فهمها.
ولا يغرنكم إعمال المقاصد من قوم لا يحسنون فهم الشريعة، أو يتربصون بها باسم المقاصد، فإن سوء الإعمال لا يقدح في شرف العلم، ومثله مثل من فحصه الطبيب، فوصف له الدواء، لكنه المسكين بجهله أساء استعمال الدواء على المقدار الموصوف، والكيفية المتبعة، فهل يعقل أن يلام الطبيب الحاذق لسوء استعمال المريض الجاهل، فهذا عند أولي الألباب أقبح في الشناعة والنكير. فكذلك مع علم المقاصد فسوء إعمالها، لا يطعن في شرفها وقيمتها.
وكيف يقدم عاقل على ذلك، مع العلم أن مشكاة المقاصد نابعة من مشاة النبوة، وقبس من نور وهدي الصحابة، الذين اهتدوا بهديه صلى الله عليه وسلم في إعمال المقاصد، ثم زادها فحول العلم بسطة في التحرير والتدقيق، والبناء والتشييد، حتى أصبحت ضاربة بشموخها عنان السماء، لا تزحزحها العواصف الهوجاء.
أبعد هذا يأتي من ينكر علم المقاصد؟
ومن يك ذا فم مر مريض…..يجد مرا به الماء الزلالا
وصدق الله العظيم: “أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين”.
وقال عز وجل: “أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم”.
فكل من تنكر لمقاصد الشريعة، فقد تنكر لقبلة الاجتهاد وفهم الشريعة، فهو يمشي على غير هدى من الله، مقلوب القامة، منكوس الهامة، فما أسوأها من حال، كالذي يتخبطه الشيطان من المس، ولا أقبح من مس الجهل.
ونعوذ بالله من الخذلان والله المستعان
(المصدر: هوية بريس)