علماء يشمتون بعلماء
بقلم محمد أكرم الندوي
لقد أمر الله تعالى الأنبياء عليهم السلام أن يصدق بعضهم بعضا وأن يكونوا متناصرين متعاضدين، وإن العلماء ورثة الأنبياء، فهم أولى الناس باتباعهم في هذا التناصر والتعاضد، وأمر المؤمنين أن يتقوا الله ويتعاونوا على البر والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، والعلماء رؤوس المؤمنين، فهم أحق بأن يتوجه هذا الأمر إليهم فيتقوا الله ويتعاونوا على البر والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان.
ولكن يا لسوء حظنا! شقينا بعلماء نبذوا أوامر ربهم وراء ظهورهم، ينكر بعضهم بعضا، متخاذلين ومتخلين عن التناصر والتعاضد، وعلماء يخالفون سبيل التقوى، يتعاونون على الإثم والعدوان، ولا يتعاونون على البر والتقوى، قلَّ منهم من يصدع بالحق ويقيم العدل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وندر منهم من يصدِّق هذا القيِّم بالحق والعدل، مؤازرا إياه مساندا، وامتلأت النوادي بمن يطعن فيه مفسقا إياه أو مكفرا.
أيها المسلمون! بلغني وبلغكم أنباء علماء وشيوخ شتتوا شملكم، ومزقوا جمعكم، وفرقوكم فرقا، وقسموكم شراذم وأحزابا، يستثيرون بينكم أحقادا وضغائن، ويضرمون في منازلكم ومساجدكم ومدارسكم وأسواقكم وتجمعاتكم نيران العداوات والحزازات، يخطبون شرا ويكتبون شرا.
وقد حطت الدناءة ببعض العلماء والشيوخ إلى حضيض ما دونه حضيض، ينتقمون من إخوانهم شر انتقام، متوسلين إلى ذلك بكل سبب حقود لئيم، وكل طريق خبيث زنيم، يتوددون إلى أعداء الله ورسوله يغرونهم بغيرهم من العلماء والشيوخ ويؤلبونهم عليهم أسوأ تأليب، ذلوا حتى أماتهم الذل، وهانوا حتى كرههم الهوان.
أهؤلاء علماء لهذا الدين وشيوخ لأهله؟ ماتت فيهم الغيرة الإيمانية، وبادت فيهم الأخوة الإسلامية، ضمائر نجسة، أرواح قذرة، وأحاسيس متبلدة.
لا أعلم نكبة نزلت بالعالم الإسلامي بلدا بلدا كانت أفحش أثرا وأشأم عاقبة من هذا الموقف المخزي الذي تشمت فيه فرقة من المسلمين بفرقة تعاديها، وينهض فيه الشيوخ المعممون فيكيدون إنزال الشر على أمثالهم من الشيوخ المعممين، ويستعينون لذلك بالكفار والمشركين، هل نسوا أن أولئك الكفار والمشركين ليسوا لهم بأولياء؟ فإنهم إن تألبوا على إخوانهم بتحريض منهم فإنما فعلوا ذلك لمكاسب لهم، فإذا تبدلت المصالح انقلبوا عليهم ثائرين مستعينين بآخرين، يا ويح عقول الخائنين الغدارين المستعصمين بحبل الذل! في أي منشب نشبت؟ وفي أي هاوية هوت؟
أيها المؤمنون! دخل عليكم أعداؤكم من أنفسكم ومن غير أنفسكم، جاعلين بأسكم بينكم شديدا، وأنتم فتتابعون في الخطأ بعد الخطأ، وتزلون زلة بعد زلة، ما لكم لا تنتبهون إلى موجات تطغى على بلدانكم ومجتمعاتكم، بل وعلى حياتكم الفكرية والشعورية طغيانا يزداد كل يوم قوة وصرامة؟
يا إخواني! آمنوا بالله واليوم الآخر، واتقوا يوما لا تغني فئة عن فئة شيئا، يوم يقوم الناس لرب العالمين، فيحاسبهم بالعدل والقسط، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، وما ذلك اليوم ببعيد.
المصدر: رابطة العلماء السوريين