علماء ومشايخ تحت الطلب عند مشغليهم
بقلم محمود عبد العزيز العايد
لا شك أن للعلماء مكانة عظيمة في الدين الإسلامي الحنيف حتى أن الله عزوجل أنزل العلماء بمنزلة الأنبياء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أحد الأحاديث النبوية الشريفة بأن العلماء ورثة الأنبياء، لكن وعلى ما يبدو أنه حدث عند عامة الأمة التباس كبير للتفريق بين العلماء والعملاء حتى أصبح كل من يطلق العنان للحيته، ويتصدر القنوات والفضائيات، ويجلس في قصور السلاطين، ويفتي بحرمة الخروج على ولي الأمر هو العالم الرباني في أوساط الناس الذي يجب احترامه وطاعته وسماع كلامه، والأخذ بفتواه دون مناقشتها أو الاعتراض عليها أو التعديل عليها أو حتى ردها، واعتباره ملاكًا من السماء لا يجانب الصواب في كلامه حتى أصبح هؤلاء العلماء ليسوا من فصيلة الإنسان بل آلهة من السماء ولحومهم مسمومة، ولا يجوز الخروج عليهم.
لكنهم نسوا وتناسوا أن العالم الرباني هو الذي يتبع ما جاء به الله عزوجل وما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، ويدافع عن العقيدة الإسلامية الصحيحة السمحة، ولا يتم توجيههم بريموت كنترول حسب الطلب من قبل مشغليهم، فالناظر اليوم في حال العلماء والمشايخ والدعاة الذين يتصدرون المشهد يجد أن أغلبهم لم يقرؤوا بضعة كتب، ولم يحفظوا كتاب الله تعالى، والأحاديث الصحاح، ولم يتفقهوا في الدين كي يتبوؤا هذه المكانة التي هم فيها، لكنهم عندما نافقوا السلطة وداهنوها وأثنوا على جرائمها وجمّلوا وجهها القبيح وسلوكياتها الإجرامية، وأفتوا بحرمة الخروج على ولاة أمرها رضيت عنهم السلطة، وسهلت لهم تصدر القنوات والشاشات، وأشادت بهم وأغدقت عليهم من الأموال وسلّطت عليهم السلطة الأضواء فجعلتهم علماء قديسين وهم في الحقيقة مجرد مخبرين برتب عسكرية في الفرع الديني التابع للأجهزة الأمنية، وهم أصلًا ليسوا علماء بل عملاء لصالح حكوماتهم المستبدة وأنظمتهم العميلة على حساب تعاليم الدين الحنيف.
فتجدهم يحرفون الكلم عن مواضعه، ويلوون عنق النصوص، ويُجيِّرون الدين ويطوعونه على مقاس السلطة وبما يخدم مصالحها، فلماذا تُصرُّ السلطات والأنظمة على تقديم هؤلاء كعلماء وتمهد لهم الطريق وتفسح لهم المجال، وتدعهم يخوضون في كل مجريات الأحداث، بينما في المقابل تجد العلماء الربانيون الذين قالوا كلمة الحق دون مواربةٍ لسلطةٍ أو مداهنةٍ لحاكمٍ مكبلون في السجون، ويسامون سوء العذاب، أو منفيون في الأرض بسبب مواقفهم الثابتة التي لم تتزعزع بفعل الدولار، أو على أقل تقدير غير مرحبٍ بهم في قنواتهم وقصورهم ومنبوذين من قلبهم، فلماذا هذا الصنف من العلماء يطاردون، ويتهمون بالإرهاب وأنهم خوارج ومنحرفين وكل هذه التهم ألصقت بهم وأكثر لأنهم لم يُحابوا السلطة ولم يُداهنوها، واعترضوا على بعض مواقفها، بينما الصنف الآخر يرغدون بنعيم العيش، ويسكنون القصور ويتم الترويج لهم بأنهم علماء معتدلين ووسطيين بينما هم في الحقيقة عملاء وخانوا الله ورسوله عندما تزلفوا للسلطة فباعوا دينهم بدنيا غيرهم.
مؤسف أن تجد علماء ذات يوم عندما طلبت منهم سلطات بلادهم بأن يُصدروا فتوى تحرم الاستعانة بالكفار فما كان منهم إلا أصدروا الفتوى بتحريم ذلك، ثم بعد حقبةٍ زمنية طلبت منهم سلطات بلادهم بإصدار فتوى تجيز الاستعانة بالكفار فأصدروا فتوى تجيز الاستعانة بالكفار، يُفصِّلون الفتاوى على مقاس السلطة، وحسب الطلب دون أدنى حياءٍ أو وجلٍ من الله تعالى أو من عباده المؤمنين، هؤلاء الذين يُسمون أنفسهم بهتانًا وزورًا يتلاعبون بالدين حتى يخدم مصالح أسيادهم ومشغلوهم من الغرب، ومتى ما أدركت الأمة أن هؤلاء ليسوا علماء بل عملاء وقتها ستشاهدون سماحة الإسلام العظيم، وسترون كيف ستعود لهذه الأمة عزها ومجدها، وكيف أن النصوص التي شوهوها سيكشف الستار عنها ليفهم المقصود منها.
مصيبة هذة الأمة في حكامها وأنظمتها التي نهبت بلدانهم، وجوعت شعوبها وأذلتها ويا ليتها عند هذا الحد وقف بها الأمر، بل تعد الأمر أكثر من ذلك عندما جندت رجال أمن ومخبرين باسم الدين يعملون لصالحها وجعلت منهم علماء ومصلحين، حتى دين الله عزوجل لم يسلم منها فشوهته وحرفته عن مواضعه يوم أن جندت هؤلاء لصالحها، عندما أقف مع ذاتي وأحاورها وأحاول إقناعها بأني مخطئ وأن هؤلاء علماء فضلاء أجلاء وليسوا كما تسول نفسي بأنهم عملاء، لكني سرعان ما أخسر الحوار مع ذاتي من أول سؤالٍ توجهه لي أنظر إلى أفعالهم وأقوالهم وتناقضاتهم وكيف يحرمون الشيء ثم بعد فترةٍ من الزمن ينقلبون على فتواهم.
العالم الرباني يا سادة ليس من يتحرك بناء على أوامر تأتيه من فوق، وإنما هو الذي يتحرك إذا انتهكت محارم الله، وديست كرامة الإنسان وقيدت حريته، العالم الرباني يدافع عن الحق ولا تغريه الشبهات والشهوات ولا يخشى السياط وكل همه أن يُبلغ دين الله كما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، يا سادة عليكم أن تفرقوا بين العلماء والعملاء من خلال نصرهم للحق، ودفاعهم عنه، وليس من خلال الخطب والشعارات وغيرها.
(المصدر: مدونات الجزيرة)