علماء السلطان.. أدوات الشيطان
بقلم تولين طالب
طلب من سيد قطب – رحمه اللٰه – من قبل محقق أن يكتب كلمةً يعتذر فيها ويستعطف معالي رئيس الدولة، فقال: إن السبابة التي ترتفع لهامات السماء موحدةً بالله – عز وجل – لتأبى أن تكتب برقية تأييد لطاغية ولنظام مخالف لمنهج اللٰه الذي شرعه لعباده، فأعدم!
كم من السنوات مرت على موته – رحمه اللٰه – لكن إخلاصه الذي تجلى في عمله، والذي ختم به أعماله الدنيوية، جعله يذكر هو وقصته ويستشهد بها وتكون درسًا ويكون هو قدوة، فقد مات مطمئنا بأن من سيلقاه راض عنه، ولأنه لم يطمع بعدة سنوات أخرى يعيشها مرفهًا عند حاكم جائر، فالحاكم مات ظالمًا، وسيد قطب مات مظلومًا، ولا ظلم عند اللٰه.
ما أسهل الكلام علينـا نحن – أصحاب الألسنة – و ما أصعب الفعل عندنا! كلمة الحق تائهة في هذه الأيام، فبيْن زحام المصالح الشخصية، والخوْف من الظالم، والطمع بمزيد من الماديات والترفيعات، وحتى المجاملات بين الناس، ولا ننسى طرب الأذن ولذة سماع الإطراءات من الآخرين، لمْ يعد لها مكان هنا، إلا فـي السجن ربما.
فكأنما اليوم أصبحت تخير بين قول الحقيقة ومخافة اللٰه، وبيْن قول ما يخالف الحقيقة وضمان مصلحتك ورضا الحاكم، فما بالك حينما تقع الفتنة على ورثة الأنبياء (العلماء)؟ الذين هـم صمام أمان الأمة، إن صلحوا صلحت الأمة، وإن فسدوا فسدت الأمـة، أليس بالعلم تنهض الأمم؟
لـم تأت كلمة (الحق) في القرآن الكريم، إلا وتصف أمرًا عظيمًا، فمثلًا يقول اللٰه تعالى في سورة الحج: ذٰلك بأن الله هو الْحق واصفًا نفسه تعالى بأنه حق، وأيضًا قال في سورة التوبة: هو الذي أرْسل رسوله بالْهدىٰ ودين الْحق ليظْهره على الدين كله واصفًا دينه (دين الإسلام) بأنه حق، وأتت كلمة (الحق) بمعنى العدل في قوله تعالى في سورة صٓ: فاحْكم بيْننا بالْحق.. وعلى غرار صعوبة قوْل الحق، فمن السهل أن تلقن غيرك محذرًا إياهم من التهاون في الكذب وتلقي في ذلك المحاضرات وتنشر الكتب.. وحين يقف الأمر عندك تتـراجع وتنسى ما علمت وما علمت به غيرك، حينما ينسيك خوفك من الناس البصير السميع، فاعلمْ أنك لم تذق من الإيمان إلا قطرةً ولا أزيد من ذلك؛ لأن النفاق قد استوطن قلبك، فجعله مظلمًا، يخاف هيبة المخلوق لا الخلق.
عن أبي سعيد الخدري – رضي اللٰه عنه – عن النبي – صلى اللٰه عليه وسلم – قال: إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، فهو جهاد باللسـان، بعد أن يمتحن اللٰه صبرك؛ ليميز اللٰه الخبيث مـن الطيب، والمتاجر بعلمه المحرف عمدًا يظن أن المتاجرة بكلمة الحق هرب من الموت إلى الحياة، وهرب من الفقر إلى الغنى، وهرب من استحقار الناس إلى العلو في المكانة والمناصب، وهذا خطأ؛ لأن اللٰه لا يبارك في عمر ولا مال ولا منصب ما دام الباطل فيه، فيشقيك في حياتك، ولا يطرح البركة في رزقك، ويجعلك مذمومًا في أعين الناس من حوْلك.
وهناك أمران يلاحقان قائل الحق، هما: الصبر أولًا، وثانيًا التوكل الدائم على اللٰه وحسن الظن به، فتتيقن أن لا سعادةً مرجوةً في نعيم زائل نلته لترضي بشرًا، وأنه مهما نلت من الشقاء، ففرج اللٰه آت، ليحق الحق، ويبطل الباطل، فهذا وعد إلهي، ومن أصدق من اللٰه قيلًا.
كلمة صادقة تثبت عليها، خير من ألف كلمة تتقطع بين الحين والآخر بين ما تقره الثوابت الدينية وما يريد حاكمك، خصوصًا في زمن تعقدت فيه الشدائد، واشتدت فيه الفتن، فتخلخلت النفوس ومالت إلى ملذات الحياة ومغرياتها، جاء في صحيح مسلم أن سفيان بن عبدالله الثقفي – رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا، لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: قل: آمنت بالله، فاستقم؛ لأن الاستقامة دليل على صحة الإيمان وخلوه من النفاق.
وإن ما ذهلنا مؤخرًا، أن يكون صاحب كتاب (لا تحزن) – الذي أعجبت كلماته ملايينًا ممن قرأوه، متضمنًا مواضيع مثل: الأمل باللٰه، والثقة به، والصبر – من الأشخاص الذين يأمرون الناس بالمعروف وينهون عن المنكر، ولا يأمر نفسه بما أمر غيره وينهاها عن أمور نهى غيره منها! كتابه مكون من 479 صفحة ممتلئ بالآيات القرآنية، فالسؤال: ألمْ يعلم كاتبه أن القرآن الكريم كلام اللٰه، وليس كتابًا تقتبس منه ما تحب وتأخذ ما تشاء منه؟ بل إن بهذا تشبه نفسك ببني إسرائيل، حيث قال اللٰه تعالى عنهم في سورة البقرة: أفتؤْمنون ببعْض الْكتاب وتكْفرون ببعْض، أين منك آية آل عمران: الذين قال لهم الناس إن الناس قدْ جمعوا لكمْ فاخْشوْهمْ فزادهمْ إيمانًا وقالوا حسْبنا الله ونعْم الْوكيل يصف اللٰه فيها المؤمنين حقًا؟
وقد سئل أحد الصالحين: متى يعلم المرء أنه فتن؟ فقال: إن كان ما يراه بالأمس حرامًا أصبح اليوم حلالًا فيعلم أنه فتن!
وكما بدأنا بسيد قطب، نختم به، فقد قال: وكم من عالم دين رأيناه يعلم حقيقة دين الله، ثم يزيغ عنها، ويعلن غيرها، ويستخدم علمه في التحريفات المقصودة، والفتاوى المطلوبة لسلطان الأرض الزائل، يحاول أن يثبت بها هذا السلطان المعتدي على سلطان اللٰه وحرماته في الأرض جميعًا.
(المصدر: ساسة بوست)