علماء السلاطين والانفجار من الداخل
بقلم د. محمود حجازي
لم أود الكتابة عن رهف القنون, الفتاة السعودية ذات الثمانية عشر ربيعا فكان في نظري أن هناك بعض الأحداث يكون الخير في عدم تسليط الضوء عليها مثل جرائم التحرش مثلا أو إلحاد البعض حتى لا يشعر ضعاف النفوس بأن العالم صار مكانا سيئا فيسهل على أنفسهم الإقتداء بالأمثلة السيئة وهو شر سنكون شركاء فيه إن قمنا بنشره كالذي يضع صورة غير لائقة على الإنترنت ويحصد الكثير من السيئات بمشاهدة الآخرين لها وهذا أبسط مثال, ولكن عندما وجدت أنه تم تداول اسم رهف بشكل كبير في كافة المواقع العربية والإنجليزية، مما جعلها الأكثر رواجا بين قوائم البحث، وأيضا على موقع التدوينات القصيرة تويتر فقد احتلت الفتاة السعودية الهاربة من أسرتها صدارة قوائم البحث على محرك جوجل باللغتين العربية والإنجليزية وخصوصا بعد لجوئها إلى كندا كما ظهرت السيرة الذاتية كاملة لرهف القنون باللغات المختلفة وفي مقدمتها العربية والإنجليزية والروسية وحتى الفرنسية والفارسية والهندية والهولندية وذلك على موقع ويكيبيديا التابع لمؤشر البحث جوجل, فقد شعرت بضرورة توضيح أمر هام وخطير…
كلنا نعلم القصة فهي فتاة كما ذكرت كل المصادر بأنها لاذت بالفرار نظرا لتعرضها للعنف الجسدي والنفسي من عائلتها السعودية، والأمر الذي دفعها للهروب إلى الكويت ثم إلى تايلاند وهناك طلبت اللجوء وكانت هناك محاولة غبية من السلطات السعودية لأعادتها عن طريق سحب جواز سفرها ولكنها تحصنت في غرفة الفندق وأرسلت استغاثات لمؤسسات دولية طلبا للجوء في دولة أستراليا، والغريب أنه على الفور أرسلت دولة كندا تذكرة طيران لها للسفر للحصول على الجنسية الكندية وفى مطار تورنتو بكندا استقبلتها وزيرة الخارجية الكندية بنفسها, وكلنا نعى تماما المشكلات السياسية بين كندا والسعودية إثر مطالبة كندا بإطلاق سراح الحقوقيين وناشطين حقوق الإنسان المحبوسين فى السعودية وربما ردة فعل كندا تبدو كنكاية سخيفة في الإدارة السعودية…
وبدأت الشابة السعودية رهف محمد القنون الاستمتاع بحياتها الجديدة في الغرب كمواطنة كندية، ونشرت صور لنفسها وهى تتذوق لحم الخنزير لأول مرة في حياتها وتظهر مكشوفة الساقين، في إطار انطلاقها نحو الحرية التي كانت تبحث عنها, وعلق والد رهف على استقبال وزيرة الخارجية الكندية لها في المطار بحسب ما ذكرته صحيفة “الوطن”، أن ما أقدمت عليه ابنته هو نتيجة لبحثها عن بيئة خصبة تحتضن فكرها المختلف عن تقاليدهم. وأضاف والد رهف أنه يجهل ما إذا كانت ابنته قد وقعت ضحية لأجندة خارجية تستهدف تسييس قضيتها. ووفقاً لما ذكرته الصحيفة فإن الفتاة لم تكن تعاني من تعنيف أو إيذاء من قبل أسرتها لكنها تحمل أفكارا لا تتناسب مع عادات وتقاليد المجتمع، موضحة أن أسرة الفتاة محافظة ويسودها الترابط ولا يوجد أي عنف موجه ضد الفتاة سابقا من قبل أفراد أسرتها…
وأنا هنا أريد أن أذكر نقطة واحدة من نقاط عديدة يطول الحديث عنها وهى أن رهف ليست الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة وذلك بسبب علماء الدين فى بلادنا والذين باعوا أنفسهم وأصواتهم للحكام فأحلوا ما حرمه الله إرضاء وتقربا لحكام فاسدين وحرموا ما أحله الله كحرية الرأي لنفس السبب فقد غلب عليهم الحرص على تحصيل الدنيا بكل وسيلة وعلى جمعها بكل سبب، وأصبح كل منهم لا يهمه إلا نفسه وما يتعلق ببلاده، وإن ذهب في ذلك دينه أو أكثره. هذا هو حال الأكثرية وهذا هو الغالب على الدول المنتسبة للإسلام اليوم، وهذا هو الجهل بالله وبدينه وبالحقائق التي يجب التمسك والأخذ بها وتعليم الشباب جيدا أن دينهم دين عدل ولكن العلماء الذين طوعوا ديننا لخدمة السلاطين جعلوه مشوها منفرا يهرب منه الشباب ويرى فيه كبتا للحريات وما ذلك إلا ظلم مبين فباتت قلوب الشباب خاوية وعقولهم مشوشة, وكل رب أسرة ظالم في أسرته عليه مسئولية فكم من أب أحل للذكور الكثير وحرم على الإناث ما هو أكثر وتناسى أن عدل الله لا يفرق بين ذكر وأنثى, وأحد الذين يهاجمون الدين هجوما شرسا في الغرب على سبيل الذكر هي سيدة عاشت في شبابها في الصومال والسعودية مع والدها المسلم فقد أراد أن يرغمها والدها على الزواج من شخص لم تراه أبدا فهربت في شبابها إلى هولندا وهناك حصلت على التعليم ثم الدرجات العلمية وأتت إلى أمريكا لتعمل أستاذه جامعية وكل حياتها منصبة على زرع الكراهية في نفوس الناس نحو الدين وذات مرة سألتها ماذا لو كان أبيها مسلما حقا يعرف حق الفتاة في اختيار الزوج هل كانت ستصبح كذلك وطلبت منها أن لا تأخذ أمثال أبيها حجة على هذا الدين فأمثال أبيها هم العار بعينه , وربما سيكون مسلك رهف مثل تلك الفتاة مستقبلا إلا إذا رحم ربى…
والشاب من هؤلاء في بلادنا العربية خاصة وفى حداثة سنه يرى المنافقين على القنوات ليل نهار بل يصاب بالدهشة وهو يرى خيرة العلماء والحقوقيين والمفكرين في السجون وأما من يستمتع بالحياة فهم من ينافقون الحكام ويحلون الشيء في موضع ويحرمون نفس الشيء في موضع أخر والله لا يرضى بذلك أبدا, عندما يرى الشباب في السعودية خطيب الحرم المكي بنفسه يدعو للحاكم ويصفه بالملهم وهو قاتل وتابع فكيف سيفكر الشباب؟, وعندما تجد مثلا شيخا سعوديا يصفوه بالعالم وتجده يطالب الشعب بدعم الحاكم ومبايعته وإن زنى على الهواء نصف ساعة على حد قوله فماذا تنتظر من الشباب؟ ماذا تنتظر من الفتيات بعد أن حرموها حقوق لسنوات طويلة فجأة يقولون لها الدين يحل ذلك , طالما الحاكم أمر بهذا فهو حلال, فلماذا حرمتموه في الماضي إن كان حلال ولماذا تحلوه الآن وفى هذا التوقيت؟ والسخيف أن ذلك الحاكم لا يبيح ذلك من تلقاء نفسه بل بناء على أوامر خارجية ينفذها كطفل صغير والكثير من الشباب يعى ذلك وهذا ما يزيد الطين بلا…
الخلاصة: أسأل الله أن يعود علماء الدين فى أمتنا الى الصواب ونجد رجلا كالعز بن عبد السلام, ولكن حتى إن كان هناك العز بن عبد السلام فنحن نعلم جيدا بأن مصيره سيكون الموت أو ظلمات السجون, ولذلك هناك دول ستنهار من الداخل بسبب الظلم والجهل المتعمد وانعدام الثقة والبعد عن الحق وتمييز الذكور على الإناث وإلصاق ذلك بالدين وهو افتراء عظيم وسيكون انفجارا ينشر الحزن والضعف, وعلى كل رب أسره أن يشرح لأطفاله ما يحدث من انحطاط أخلاقي في بلادنا بسبب فساد المناخ السياسي ليقي أطفاله الأفكار الغريبة كالإلحاد والشك والريبة في الآخرة وليبين لهم بأن هناك من يريد لشعوبنا أن تظل جاهلة لتستمر في استعبادها ,ولله الأمر…
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)