مقالاتمقالات مختارة

علماء السلاطين.. فتاوى تحت الطلب

علماء السلاطين.. فتاوى تحت الطلب

بقلم عمار العربي

يزعمون أنهم علماء، وما عرفوا لمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قدره، فظلموا بصعودهم له، ونافقوا وقلبوا حقائق الأمور، وعملوا على تبادل المنافع السرية بينهم وبين الأنظمة الظالمة، فهم ورقة رابحة للحاكم يخرجها متى أراد. لذا باتوا يقرأون خطبهم المنبرية من أوراق معدة مسبقاً لكيلا يقعوا فيما لا يرضيه، أما خطبهم فلا تعرف التوحيد ولا حتى مقاومة الظالم بل فقط الابتسامة والنظافة والتعايش، لذا من السهل أن ينعت أحدهم ولي أمره بأوصاف تترفع به عن الإنسانية نحو الملائكة.

هؤلاء الدعاة موسوعيون يفقهون في كل شيء، في الشؤون الزوجية والنسائية أو ما اصطلح عليه بفقه الحيض، والشؤون السياسية لإرضاء أولياء نعمتهم، وبيع الكلام إرضاء لسدنة الأنظمة وآخرين عليهم من الله ما يستحقوا، أما سقوف الوعي والحرية لديهم فتتم صناعتها تحت مسمى لا تنازعوا الأمر أهله، وهي كلمات حق أرادوا بها باطلاً، وإن تحدثوا في خطبهم الرنّانة عن ظاهرة ومدى انتشارها بين قطاعات الناس، فإنهم يطلبون من ولي الأمر اتخاذ أشد العقوبات حيال من يثبت أن له علاقة بنشرها، ويخدّرون وعي الناس طالبين منهم القيام بواجبات تشريفية شكلية لاتسمن ولا تغني من جوع وإيهامهم بوجود هامش من المعارضة ينسب الفضل فيه لأولياء أمرهم، المهم أن يواصل القطيع الثغاء موهماً نفسه بأنه هو الآمر الناهي، في الوقت الذي تؤكد فيه التسريبات أن مقربين من الحكومات والوزراء لهم علاقة بالفساد بامتداد وطننا العربي المظلوم، وبناء عليه أصبح نفاق أئمة السلاطين بمثابة شهادة زور لا معنى لها.

حتى الأدعية هي الأخرى التي يفترض أن تكون لفقراء المسلمين، تضاف إلى سلسلة السرقات حين يسرق منهم أعمارهم ليوفروا ثمن الحج أو العمرة، ثم يسرق أموالهم وفي نهاية المطاف يسرق أدعيتهم لصالح ولي أمره الحاكم بأمر الله، ملقين بالمسؤولية على القاعدة الشعبية لا على رأس الهرم متناسين أن الأمر بيده، فقضايا الفساد كلها ترتبط بالحكومات، والتي هي كبش فداء وواق صدمات وأداة تفريغ، فيتطوعون بصناعة مكابح التهدئة للجماهير، ويلجمون مشاعر الناس لصالح الأنظمة حين يجمّلون القبيح ويبررون أفعال السلطة، ويرون أن أمريكا تقود العالم نحو شواطئ الأمان.

مزاودون منافقون مراؤون يلوون أعناق الحقائق يبيعون دينهم بعرض زائل، وإن زعم حاكمهم أنن شرب الماء محرم يكونوا أوائل المحرّمين، يعملون ليل نهار على تجميل وجهه القبيح فسبحان الله يهللون للأنظمة، ويتناسون رؤية صحيفة شارلي أبيدو يوم أن أرادت الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم إلا أن تطوعوا لتهدئة الناس بدلاً من إيقاظهم ضد الظلم فهم ساكتون عن الحق وشياطين خرساء، لذا عندما كانت الجاليات في بلاد المهجر بأمس الحاجة لهم أضحوا سكوتاً كأن على رؤوسهم الطير، لا يلتفتون إلا لصغائر الأمور، تاركين ثوابت الدين تنتهك، يؤمركون الإسلام كيفما شاءوا، ويمارسون التضليل ويلفّقون الخطب الرنانة، يركبون موجة التدجين ويؤلّهون الحاكم، وشعارهم فتوى تحت الطلب، يلوون ألسنتهم بأكاذيب الظالمين لصناعة غطاء من الشرعية على الغلاء والضرائب والجوع.

هذا فقههم المحايد ليس فقهاً للواقع بل التخاذل بعينه، يقفون مع حكومات الغرب في منعها للحجاب، بقولهم ذاك أمر داخلي خاص بدول المهجر لا شأن لنا به. وإن انتهكت حرمات الله ناموا، فهم كالتيس المستعار، والثائر عندهم خائن إن طالب بالحرية والعدالة، يسبونه لأنه يتوق للخلاص، يتشدقون بالكلام المنمق، ويربطون المناسبات الدينية بالحكّام، وكأن الدين فضيلة تكرّموا بها على العباد لتنسب إليهم، الدين عندهم بمثابة حكايات وقصص، يصنعون من أنفسهم أبواقاً وشاهدي زور، متفنّنين في كتمان العلم وشرعنة الباطل، والقبول بالاستبداد السياسي الوجه الآخر لاستبدادهم.

ترى هل أصابهم العمى حين لا ينكرون على الدولة البوليسية ولا يرون أدواتها الشيطانية، ويتبنون رؤى أصحاب الازدواجية في كل المعايير. قال عبد الله بن المبارك: “وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها” فتراهم مدلّسين كاذبين، يرتدون أثواب علماء سوء على أبواب السلاطين. رأيناهم يوم احتلت بلاد العروبة يصنّفون المحتل تحت أبواب الإنسانية بفقههم المسالم المخذّل، فساذج من يظن الخير بهم وإلا لما شرّعت لهم المنابر في زمن الرويبضة، وما علموا أن ظهر الأرض خير من بطنها، يسبون الأحرار ويخرجونهم من الملة، ويكتمون العلم ويسكتون عن الظلم ويرضون بالباطل.

يذرفون دموع التماسيح قائلين: اصبروا يا مساكين وإن جلدتم وضربت ظهوركم وأخذت أموالكم، فمن الواجب المسارعة في الولاء لولي أمرنا، يسقطون الأحداث السياسية إسقاطاً تاريخياً على السيرة النبوية كحادثة القنصلية وفيما قبلها، فلا يفوّتون أية مناسبة لكيل المديح للسلطة، ويعلّق أحدهم على إحضار صديقهم ترامب المجاهر بعداءه للمسلمين، بأن إحضاره لبلاد العروبة يهدف لزيادة مساحة التعايش بين الشعوب ورغبة في ترقيق قلبه للإسلام، يبرّرون الانقلاب على رفاقهم واصفينهم بالخلايا المخابراتية والفئات الضالة، سحقاً لكم ظهرتم على حقيقتكم وعرفكم القاصي والداني، فإلى صفحات التاريخ السوداء أيها المتاجرون بدين الله والله منكم براء.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى