أصدر علماء الامة المجتمعين في جامع الفاتح اسطنبول بياناً صحافياً قالوا فيه: إن الانقلاب (الفاشل) الذي شهدته تركيا ومحاولة الانقضاض على إرادة الشعب التركي حرام شرعاً، إذ إن فرض الاستبداد على الشعوب بقوة السلاح محرّم وفقاً للنصوص الآتية في القرآن الكريم والسنة النبوية.
وإليكم نص بيان علماء الأمة حول محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا:
الحمد لله ربّ العالمين، القائل في كتابه: “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” والصلاة والسلامة على الرحمة المهداة، محمد بن عبد الله القائل: “الْمُؤْمِنُونَ تَتكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ” ورضي الله تعالى عن الصحب الكرام أجمعين ومن جاء بعدهم من التابعين، وبعد:
فقد تابع علماء الأمة – وما يزالون – مع جماهير الأمة ما يجري في تركيا الشقيقة الحبيبة من محاولات الكيد والمكر بها، من اللحظة الأولى التي تحركت فيها قوى الشرّ لتنفيذ المؤامرة الكبرى على تركيا والأمة الإسلامية، ولقد بلغت القلوب الحناجر وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً ولكنَّ الله سلّم وردّ المجرمين ومن خلفهم بغيظهم لم ينالوا خيراً.
وإنَّ علماء الأمة الإسلامية على اختلاف بلدانهم ومؤسساتهم إذ يتوجهون إلى الله تعالى أولاً وآخر بالحمد الجزيل على منّه وفضله، ويضرعون له بتمام النعمة وحفظ تركيا وردّ الكيد عنها وعن جميع بلاد المسلمين فإنهم يؤكدون على الآتي:
أولاً: يتوجه العلماء إلى الشعب التركي والأحزاب التركية على اختلاف مواقفها وتوجهاتها والقيادة رئاسةً وحكومةً وإلى الأمة الإسلامية جمعاء بأسمى آيات التهنئة والتبريك بهذا النصر الإلهي على هذه المؤامرة الكبيرة الخطيرة، وندعو جميع الإخوة في تركيا في القيادة والشعب بل والأمة جميعاً إلى ردّ الفضل إلى الله تعالى والتزام بابه ودوام الشكر له على هذه النعمة العظيمة فهو الناصر وهو القائل: “وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ” والقائل “لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ”
ثانياً: يؤكد العلماء على أنّ الانقلاب على اختيار الشعوب وحريتها وفرض الاستبداد عليها بقوّة السلاح أمرٌ محرّمٌ شرعاً، وكما رفض العلماء الانقلاب الإجرامي على حرية الشعب المصري وغيرها من الانقلابات في مختلف أنحاء العالم الإسلامي فإنهم أيضاً يرفضون أيّة محاولة انقلابية على اختيار الشعب التركي وحريته ويستنكرونها ويعدونها مرفوضةً في الشرع، كما هي مرفوضة في القوانين والأعراف الدولية.
ثالثاً: يثمّن العلماء الدور الكبير الذي قام به الشعب التركي في كسر هذا الانقلاب كما يثمنون موقف الأحزاب التركية إذ قدّمت مصلحة تركيا على مصالحها الحزبية واستعلت على الخلافات مقدمةً المصلحة العامة، كما يثمن العلماء رباطة جأش القيادة التركية حكومةً ورئيساً وسرعة تدخلها التي كان لها الأثر في إفشال هذه المؤامرة.
رابعاً: يدعو العلماء الشباب خصوصاً والشعب التركي على العموم أن يرفض الفكر الذي يدعو إلى الانقلاب على الشرعية والذي يقبل التحالف مع الأعداء ضدَّ أبناء الأمة والوطن ويؤكدون على أن هذا الفكر لا يأتي بخير ولو لبس ثوب الإسلام وتبنى خطابه فإن الإسلام يحرّم مظاهرة غير المسلمين على المسلمين ويرفض التآمر على الأمّة تحت أيّة ذريعة كانت، كما يرفض التطرّف والغلوّ الذي تُسفك به الدماء باسم الإسلامي زوراً وبهتاناً.
خامساً: يؤكد العلماء على رفضهم أيَّ تدخل من أية دولة أو جهة في الشأن الداخلي التركي وهنا فإنهم يستنكرون ويرفضون ما يرشح من أخبار تفيد مساندة بعض الأنظمة والدول والجهات المحاولة الانقلابية الفاشلة ويدعون هؤلاء إلى كفّ أذاهم عن الأمة وتجاربها الحيّة وقواها الخيّرة، ونبشرهم أن الله تعالى سيجعل أموالهم وجهودهم التي ينفقونها خدمة للباطل وأهله حسرةً عليهم في الدنيا ووبالاً في الآخرة، يقول تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ”.
سادساً: يدين العلماء الازدواجية الوقحة والمقززة التي تتعامل بها دول الغرب مع ما جرى في تركيا إذ غضت الطرف عن جرائم الانقلابيين ثمَّ ملأت الدنيا صراخاً واستنكاراً لما تقوم به تركيا من حقها الطبيعي في ملاحقة المجرمين وتطهير البلاد منهم، ويؤكد العلماء على أنَّ من قتل الملايين في بلدان العالم دون أن ترجف له عين واعتقل الآلاف في مناطق شتى دون محاكمة ومن صرّح أن عنده استعداد لقتل أكثر من مئة ألف فقط من أجل الردع ويسيّر طائرات من دون طيار لتقتل الناس في مختلف أنحاء الأرض دون محاكمة لا يحق لهم أن ينبسوا ببنت شفة تجاه ما تفعله تركيا من حقها الطبيعي والقانوني من أجل الحفاظ على كيانها وأمنها وخيار شعبها الحرّ.
سابعاً: يدعو العلماء أبناء الأمة الإسلامية على اختلاف شرائحهم إلى مساندة تركيا شعباً وقيادة في مواجهة الانقلاب وما يحيق بها من مكر وكيدٍ ويعدون ذلك من أعظم واجبات الوقت الشرعية إذ إنَّ المستهدف مما يعد لتركيا ليس تركيا وحدها بل الأمة كلّها وقواها الحية التي تمثل تركيا اليوم رأس حربتها ورائدة مشروعها، ويهيب العلماء بقوى الأمة الحية من إعلاميين ومثقفين وكتاب ومراكز قرار أن تتضافر جهودهم لبذل كل ما يستطيعون من أجل دعم تركيا امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً”.
ثامناً: يحذر العلماء بعض الجهات المغرضة التي تضخم أرقام الاعتقالات التي تقوم بها الحكومة التركية ويحاولون تسييس الإجراءات الاحترازية التي يقوم بها القضاء التركي ضد الانقلابيين، ونحن على يقين أن الحكومة التركية حريصة على الحفاظ على حقوق جميع أبناء الشعب التركي وحذره من الانزلاق في ردة الفعل التي قد تسبب الظلم للأبرياء.
تاسعاً: وإنَّ ما جرى في تركيا يثبت أن الحقوق تنتزع ولا تعطى وأن على شعوب العالم الإسلامي أن تنتفع من هذه التجربة بأن الشعوب الحية قادرة على الحفاظ على حقوقها والتصدّي للظالمين بشرط تكاتفهم وثباتهم وتوكلهم على الله تعالى.
عاشراً: يتوجه العلماء بالتحية والتقدير إلى جهاز الأمن والمخابرات التركي الذي كان متيقظاً وحريصاً على حماية البلاد من أي خطر محق بها وحريصاً على الشعب من المساس بحريته وكرامته لا كحال أجهزةٍ أمنية في بلاد إسلامية شتى همها قمع الحريّات ومطاردة العلماء والدعاة والتضييق عليهم.
حادي عشر: مما لا بدَّ من التوقف عنه دور المساجد الذي كان بارزاً جداً في مواجهة الانقلاب الإجرامي، وهنا لا بدّ من التحية البالغة إلى رئاسة الشؤون الدينية على جهودها في إعادة المكانة والريادة للمساجد في الأزمات، إذ كانت المساجد محاطات شحنٍ إيمانية ونفسية للشعب في مواجهة الإجرام.
ثاني عشر: يؤكد العلماء على أن تركيا كانت – وما زالت – رافداً مهماً لقضايا الأمة المختلفة وداعماً للمظلومين في مختلف أنحاء الأرض دعماً مادياً وسياسياً ومعنوياً وإنَّ هذا البذل والعطاء ما كان ليضيع سدى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صنائع المعروف تقي مصارع السوء” وما كان الله ليضيع هذه البلدة الطيبة التي مدّت يد النصر والعون إلى كلّ من احتاجها من شعوب الأمة والعالم.
حمى الله تركيا، وردّ عنها كيد الكائدين ومكر الماكرين، وجلَّلها بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام وسائر بلاد المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.