علة احتقار العالم لقيادات العرب ونخبهم وسبب ضياعهم
بقلم أبو يعرب المرزوقي
تكلمت على كذبة الدهاء الإيراني. لكن كذب إيران لا يعنيني كثيرا. ما يعنيني هو غباء القيادات العربية بل وخياناتها وما أدى إليه من احتقار شعوبنا بسببهم. فأما الغباء فتكفي للدلالة عليه النتائج التي تزعم غاية أفعالهم التي يفاخرون بها ناهيك عن نتائج انفعالهم بما يترتب على عدم الفعل حيث يجب الفعل. وأما الخيانة فهي أنهم سبب وضعية الأمة.
ويكفي الكلام على ما حدث بسبب سايكس بيكو الأولى ووعد بلفور وما هو بصدد الحدوث بسبب الاعداد لسايكس بيكو الثانية المتممة للأولى -الشرق الأوسط الكبير- ووعد ترومب المتمم لوعد بلفور أعني بعد إضاعة نصف فلسطين إضاعتها كلها ومعها الجولان وسيادة كل من حول فلسطين من محميات عربية.
لكن لا بد أن أبدأ فأبين كذبة الدهاء الإيراني للدلالة على أن قياداتها لا تقل حمقا حتى عن جل القيادات العربية لأن هؤلاء على الأقل كانوا يطلبون الحماية على علم بضعفهم-مع الجهل بأسبابه-في حين أن أؤلئك توهموا أنهم أقوياء وأن ما حصلوا عليه لم يكن هدايا مسمومة مؤقته مقابل تخريبهم للإقليم.
ذلك أنهم لو كانوا عقلاء وأذكياء وخاصة دهاة كما يتوهمون أو كما يوهمون الحمقى من المحللين العرب الذين يصدقون الأقوال والعنتريات إما عن سذاجة أو لخيانة ومقابل الارتزاق لعلموا أن الغرب لا يتصدق على أحد وأنه لا يمكن أن يكون قد فتح العراق لأجلهم أو ساعدهم في سوريا عشقا لامبراطوريتهم.
وقمة السذاجة توهمهم أن قوتهم بلغت درجة إخافة الغرب عامة وأمريكا خاصة وهي بطم طميمها دخلها القومي الخام دون نصف ميزانية جيش الولايات المتحدة. وإسرائيل وحدها تملك مآت القنابل النووية المتقدمة بحيث لا تخيفها قنيبلة بدائية لم تصنع بعد وصواريخ متخلفة تهددها بهما تهديدا لا يصدقه إلا دروايش ما يسمى مقاومة عربية لإسرائيل سواء في فلسطين أو خارجها وخاصة من يصدقون كذبة فيلق القدس.
من يسمع كلامي هذا يعتقد أني أعتقد أن قوة الغرب وإسرائيل لا تقهر وأني بهذا المعنى أثبت الهمم وخاصة بتعريضي بـالمقاومة أعطي الحق إلى الذين ارتموا في أحضان أـمريكا وإسرائيل. ولجلاء الأمر أكتب هذه المحاولة. فمعرفة قوة العدو لا تعني التسليم بأنها فوق مشروع استراتيجي صبور وطويل النفس لهزيمته إذا كانت لنا الشروط وهي قائمة. فللأمم قوتان:
1-مادية ولا أعتقد أن أحدا يشك في أن سنة الأقليم لديها من الإمكانات المادية ما لا طاقة لأي عدو به.
2-وروحية ولا أعتقد أن أحدا يشك في أنه توجد قوة روحية يمكن أن تنافس الإسلام الذي لم يكتف بالصمود رغم الانحطاط بل هو تنام لا يتوقف وهو وإن بالقوة القوة الوحيدة التي عجز دونها الغرب منذ 14 قرنا.
وما سميته غباء القيادات العربية هو جهل هذين القوتين أو تجاهلهما وبدلا من استراتيجية لاستعمالهما بترو وطول نفس نجدهم يوظفونهما ضد هدف الاعتماد على الذات للتحرر والتحول إلى قطب عالمي مع قوى الأقليم التي تنتسب إلى نفس المشروع بمقتضى التاريخ والحضارة. وهذا الجهل والتجاهل هو علة الخيانة المقصودة.
وسأتكلم في موضوعين هما قوة العرب خاصة وقوة الأقليم بهذا المعنى عامة-واستثني منه إيران بسبب ما ذكرت من كونهم يبحثون عن فرصة الانتقام من العرب والإسلام بمحاولة تخريبه منذ مقتل الفاروق إلى اليوم. إنهم لا ينتسبون إلى الإقليم إلا جغرافيا. فهم تاريخيا متحالفون مع كل أعدائه في كل غزو خارجي.
استغلوا سذاجة العرب في الفتنة الكبرى وسعوا مع بعض الحمقى لتهديم الدولة الأموية وكونوا كل الباطنيات ودولتهم في تونس ومصر ثم تحالفوا مع الصليبيين (الحشاشين والباطنية) ثم مع مغول الشرق ثم مع الاسترداديين ضد الخلافة العثمانية فعطلوا الفتح وخدموا البرتغاليين ضدها وانتهوا في الأخير إلى احتلال العراق وسوريا واليمن مع مغول الغرب.
وطبعا لست أشك في أني سأسمع للكثير من مرتزقة الاعلام والتحليل الاسترايتيجي يزعم أني متناقض فامريكا وإسرائيل لا يحاربـان أحدا في الأقليم غير إيران وأنت تزعم أنها حليفتهم. وطبعا كذلك فهذا أيضا من نتائج الغباء والخيانة. ومن يريد أن يعلم الحقيقة فليسأل عن سلوك الأنظمة العربية إزاء شروط الاستئناف وخاصة إزاء ثورة شعوبهم واستعادة تركيا لذاتها بعودتها لفضاء حضارتها. ودلالة هذا السلوك مضاعفة:
1-فالأنظمة التي تحارب ما تسميه الإسلام السياسي في الربيع وفي تركيا كانوا يتصورون أن أذرع إيران يمكن أن تساعدهم في ضرب أصحابه لأنهم يتصورون انهم أخطر على أنظمتهم من ايران بحجة الفارق العقدي وله درجتان: الاعتماد على إيران والعراق وسوريا وعلى اسرائيل في آن.
2-وقد تبين أن ما يصح على أنظمة الثورة المضادة في الخليج يصح كذلك على أنظمة الهلال كذلك أي العراق وسوريا ولبنان وحتى في فلسطين. فما يحدث في سوريا مثلا تبين الآن أنه لصالح إيران وإسرائيل في آن وأن بقاء نظام العلويين والمسيحيين الذين من جنس حزب طرطور لبنان من شروط اضعاف سنة الإقليم ومنع الوصل بين تركيا والعرب فيه.
وإذن فرغم ما يبدو من تنافس بين إيران وإسرائيل على الفريسة العربية فإن الاستراتيجية إزاء قوة سنة الأقيم بقومياتها الخمسة -العرب والأتراك والاكراد والأمازيغ وسودان افريقيا-وشروط عودة الإسلام إلى التاريخ في الأقليم وفي العالم واحدة بين النظامين- بل وأكثر من ذلك فكلاهما يطبقان سياسة التغيير الديموغرافي واحتلال الأرض-وأن إيران تعلم أنها تعمل في إطار هذا النظام وتتذاكى متوهمة أنها يمكن أن تستعمل مستعمليها. لكني لست ممن ينخدع بالعنتريات وفيلق القدس الذي حول القضية إلى ورقة في مفاوضات النظام الإيراني.
وقد كتبت منذ كنت في ماليزيا مقالا بينت فيه أن الغرب استعمل الخميني بنفس الطريقة التي استعمل بها ابن لادن. كلاهما كان أداة لإيقاف الاتحاد السوفيتي في مسعاه للوصول إلى البحار الدافئة من نفس الممر الإيراني الافغاني. فأخرجوه منهما بعد تعويض الشاه لإيقاف ثورة اليسار في إيران وثورة الأفغان.
وحتى أعود إلى بداية التاريخ فإني لا أصدق أن الحروب الأهلية الأربعة التي خاضتها الأمة بعد الفتنة الكبرى-حرب الجمل وحرب علي ومعاوية وحرب ابنيهما وحرب ابن الزبير وعبد الملك-كانت كما يخرف من يفسرها بحرب الأخيار ضد الاشرار بل هي استغلال لسذاجة العرب ليعيدهم إلى الجاهلية كما نراهم الآن فصار من حافظوا على دولة الأمة وفتحوا العالم مدنسين بدعوى الدفاع عن الحقيقة التي هي في الحقيقة حرب الباطنية الفارسية على الإسلام.
والدليل القاطع على هذا التحليل-فضلا عن المعلومات التي قدمها ابن خلدون لتفسير الفتنة الكبرى ذاتها-هو الكيفية التي أنهى بها حلفاء الحمقى من العباسيين دولة بني أمية. فالكل يعلم من هم. والكل يعلم أن محاولات هارون الرشيد لتخليص الخلافة منهم باءت بالفشل. ولولا السلاجقة لانتهت السنة ولتم تشييع الإسلام كما يحاولون الآن بالاعتماد على أي قوة في أي عصر تحارب الأمة.
وهذا ما أعنيه بالخيانة عند كلامي على حكام العرب الحاليين وبطانتهم من النخب بصنفيها التقليدية والتحديثية. فهم يعتمدون على كل من يكيد للإسلام وللأمة للحفاظ على أنظمة تابعة هم فيها غفراء لا أمراء لأنها محميات دون حتى جاهليتهم لما كانوا إما على الهامش أو عبيد فارس أو عبيد بيزنطة. فالنخب العربية هي أفسد نخب في العالم ولا يمكن أن تكون من حفدة الفاتحين.
لن يخدعني تنافس إيران وإسرائيل على الفريسة العربية فاصدق أنهما عدوان. كل ما في الأمر هو أن الإيرانيين يعتقدون أن فرصة تحقيق حلمهم في استعادة الامبراطورية قد جاءت فينسون أنهم أداة بيد من هو أخبث منهم وأقوى ملاييين المرات بحيث إنهم الآن يضربون على أصابهم تذكيرا لهم بعدم تجاوز دورهم كأداة التخريب الداخلي لقوى الأمة بتحريف الإسلام الذي فرسوه بخرافة آل البيت ليس بيت النبي بل بيت آل شروان أعني الوساطة الروحية والوصاية السياسية على البشر وهما نفي مطلق لرؤية القرآن الكريم.
ولو لم يكن الامريكان وإسرائيل محتاجين إليها في المستقبل لأجهزوا عليها. هم يحتاجونها لإتمام مهمة أكبر من حماية إسرائيل. حاجتهم إليها وإلى إسرائيل وإلى الخونة من العرب ومن العلمانيين في الأقليم من جـميع اثنياته -عربا وأكرادا وأتراكا وأمازيغ-لحربهم على الإسلام ليس كعبادات بل كطموح قد يفسد مشروعهم.
فما مشروعهم؟ كيف يمكن لأمريكا بالذات ومعها إسرائيل أو بصورة أدق كيف يمكن للصهيونية والمسيحية الصهيونية ضمان بقائهم مسيطرين على العالم بالتصدي للمنافس الجدي لهم عليها وهو ليس نحن بل الشرق الاقصى وخاصة الصين. والضمان الوحيد هو احتلال قلب العالم حاجزا بينه وبين الغرب ومستعمراته.
وهذا الحاجز جغرافي سياسي واقتصادي طاقي وحضاري. فكل ممرات العالم وكل بحاره الدائفة توجد في دار الإسلام والقدر الأكبر من طاقاته الحالية والمقبلة فيه وكل التراث الإنساني الروحي ومعالمه فيه بما في ذلك الأديان الطبيعية فضلا عن كونه في آن في تنام ديموغرافي وشبابي مرعب لشعوب عقيم.
والحصيلة هي أن المشروع الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي لا يستهدفنا بوصفنا الهدف المقصود لذاته بل بوصفنا الهدف الاداتي لعدو أكبر واخطر ينافسهم على العالم وعلينا باعتبارنا بما أشرت نمثل شرطا من سروط السلطان عليه لا يمكن الاستغناء عنه. فمن يسيطر على دار الإسلام يسيطر على العالم كله.
والمشكل أن غباء القيادات العربية ليس جديدا. فهو بدأ منذ الفتنة الكبرى. وهي بدأت بانقلاب اغتالوا خلاله الخليفة الشرعي. ومن تلاه في الخلافة لم يكن شرعيا وإلا لما نقل علي عاصمة الخلافة من المدينة إلى الكوفة وحصل ما حصل في مدة حكمه القصيرة من عدم استقرار يثبت عجزه عن المحافظة على وحدة الأمة لا سلما ولاحربا.
ثم تلا ذلك نقل معاوية العاصمة إلى دمشق. ومن ثم فالدولة الإسلامية انتقلت إلى الأرض التي كانت مستعمرة فارسية ثم إلى الأرض التي كانت مستعمرة بيزنطية ولم يعد العرب -الذين انشأوا دولة الإسلام-يعملون بدستورها وقيمها بل صار الدستور إما فارسيا أو بيزنطيا أو على الأقل قانون طواريء في حرب أهلية. ولولا عبد الملك بن مروان لصارت العربية مجرد لغة عبادات مثل اللاتينية في أوروبا ولما تحقق شيء من حضارة الإسلام.
ثم خرج العرب نهائيا من تاريخ الإسلام بعد سقوط الدولة الأموية في الشرق لأن ما حصل حتى في اختها في الغرب صار العرب حكاما شكليا مثل غفراء المحميات العربية الحالية وليس لهم علاقة بالإسلام إلا من حيث هو عبادات وليس كفلسفة سياسية حررت الإنسان من الوساطة الروحية والوصاية السياسية.
وسأختم بإشارتين:
1-فالإشارة الأولى هي استراتيجية حسنين هيكل هي أسخف فهي ما ينصح العرب باعتمادة وتتمثل في الخيار بين السوفيات والأمريكان وهو خيار انحط فصار خيارا بين ذراعيهما إيران وإسرائيل. وإذن فلا وجود في فكرهم لمشروع مستقل هدفه استرجاع سلطة الإسلام في الاقليم بكل شعوبه التي بنته باستثناء إيران التي استثنت نفسها من تاريخه لتكون حليفة كل أعدائه.
2-والاشارة الثانية هي أن العرب يعللون ما بينهم من حروب أهلية بالدفاع عن السيادة الوطنية. ومعنى ذلك أن العربي لا يتنازل عى شعرة مما يسميه سيادة وطنية عندما يتعلق الأمر بعلاقته بغيره من العرب لكنه لم يبق شيئا منها بل تنازل عنها كلها لحماته كما هو بين. فهم إما توابع لإسرائيل أو لإيران أو لهما معا.
فلست أدري ما مقدار السيادة الوطنية التي يحافظ عليها بشار؟ والسيسي؟ وصاحب المنشار؟ والذي غادر اليمن كالفار؟ وكل من له قاعدة في أرضه يمول احتلاله؟ وهذا يصح عليهم جميعا من المغرب إلى العراق؟ وأي سيادة لمن يدين لمحتله بإعالته وحمايته؟ وكيف يمكن أن تفهم معاادة من ينبغي أن يكون حليفا ومصادقة من هو بالجوهر عدو؟
ذلك هو قصدي بغباء حكام العرب ونخبهم. ما لا يساوي بلدية في بلد محترم يسمى نفسه دولة وهو أقل من بلدية. ولأن ذلك لا يمكن أن يكون دولة فلا بد له من دولة بحق تحميه. وهذا يصح حتى على إيران. فرغم كل عنترياتها تمكن شباب العراق السني بعد غزوه الإيراني الأمريكي ثم شباب سوريا السني بعد غزوها الإيراني الروسي من هزيمتهم فاحتاجوا لطيران أمريكا وروسيا وتمويل الخونة من غفراء العرب الذين يسمون أنفسهم أمراء.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)