بقلم د. خالد رُوشه
يشكو بعض الطيبين كونه لايستطيع الانتظام في عمل الخير إلا وهو في صحبة خير صالحة ، فهم الذين تحلو الصحبة معهم ، فيأمرونه بالمعروف ويذكرونه بالله ، ويشجعونه على الصالحات .
لكنه يقول إنه في كثير من الأحيان ينكر نفسه إذا بعد عنهم ، حتى تثقل عليه تلك الأعمال التي تسهل عليه معهم .
وتلكم شكوى متكررة للكثيرين ، حتى إنه ليرتبط بصحبته في كثير من أعماله ، فإن كان معهم انخرط معهم فيها وإلا فتثقل عليه .
وسبب هذه الشكوى بالأساس خطأ في الأداء التربوي لتلك الصحبة وهذا المحضن التربوي ، الذي عودهم ألا تتم تلك الأعمال إلا في صحبة .
وعلى الرغم من الأثر الطيب للصحبة في مثل تلك الأعمال ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حفز المؤمنين على تعويد النفوس على أدائها في حالة الوحدة أكثر مما عودهم على أدائها في حالة الصحبة ، بحثا عن الإخلاص والتجرد ..
بل إن العلاج الذي نصفه لهذه الشكوى , شكوى الغفلة بعيدا عن صحبة الصلاح , هو تعويد النفس على خبيئة العمل الصالح , نعم , يعني أن تجعل لنفسك عملا صالحا تخبؤه بينك وبين ربك , لا يطلع عليه أحد ..
أن هذا العمل هو داعمك في سرك , ولعل الله أن يحفظ وحدتك وسرك كما حفظت عملك الصالح مختبئا بإخلاصه بعيدا عن رؤية الناس , فلم ترج منه إلا رضا الله سبحانه مخلصا له
يقول الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: “اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ ” , إنه رضي الله عنه هنا ينبهنا إلى أمر نغفل عنه وهو المعادلة بين الأفعال رجاء المغفرة؛ فلكل إنسان عمل سيئ يفعله في السر, فأولى له أن يكون له عمل صالح يفعله في السر أيضًا لعله أن يغفر له الآخر.
وقال أيوب السختياني : لأن يستر الرجل الزهد خير له من أن يظهره وقال : والله ما صدق عبد إلا سرَّه ألا يُشعر بمكانه
إن سبب الغفلة في الوحدة أمران , أولهما ضعف النفس أمام هواها والشيطان , والثاني عدم المعونة على الطاعة , والسببان يبعدان بالعمل في الخفاء .
فمن عود نفسه إخفاء العمل لم يجد الشيطان لقلبه طريقا , ومن تعوده لم يفتقد الصحبة فيه إذ إنه قد تعوده وسكنت نفسه إليه , فسواء عليه أدعاه الناس أم نسوه وسواء عليه أن يكون بين الجموع أو يكون مع نفسه , فهو طائع على كل حال , بل إنه لينشط أكثر إذا كان وحدة إذ إن هناك عبادات كثيرة لن يقوم بها إلا في وحدته بعيدا عن عيون الناس ..
قال الحارث المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه, ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله , وقال بشر بن الحارث: لا أعلم رجلاً أحب أن يُعرف إلا ذهب دينه وافتضح
إنها إذن ميزة أخرى لخبيئة العمل نغفل عنها , ألا وهي طرد حب الشهرة والمعرفة بين الناس , ولاشك أن حب الشهرة مفسد لقلوب الصالحين , وخصوصا إذا كانوا دعاة أو علماء , قال بشر: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس.
وقال مغيرة: كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة, لا يدري الناس ما يصنع فيه ، وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: ما رأيت أحدًا ارتفع مثل مالك, ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له سريرة.
المصدر: موقع المسلم.