على بوابة الثمانين عاماً يقف الشيخ عكرمة صبري شامخاً عزيزاً أمام كهنوت وطغيان الاحتلال الصهيوني، رافضاَ لكل أشكال الهيمنة والتدخل في شؤون المسجد الأقصى وحصانة الحرم القدسي.
عُرف الشيخ عكرمة صبري بمواقفه الصارمة دوماً في مواجهة الانتهاكات الصهيونية ومشاريع التهويد التي يقوم عليها الاحتلال، فضلاً عن أنه فُصل من عمله الحكومي بسبب عدم مجاملته للنظام واختلافه معه في الكثير من القضايا المتعلقة بالقدس والأقصى والتنسيق مع الاحتلال الصهيوني.
ظل الشيخ عكرمة صبري مفتياً للقدس والديار الفلسطينية منذ أكتوبر 1994 حتى تم إحالته على التقاعد في 2006 لمواقفة الصارمة وغير الموالية للسلطة الفلسطينية، وانتقاده لاتفاقية أوسلو التي أعتبرها إحدى نكبات الشعب الفلسطيني، وبسبب مواقفه من تلك الاتفاقية تعرض للاعتقال أكثر من مرة من سلطات الاحتلال الصهيوني.
عندما قرر الاحتلال الصهيوني إغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين في ال14 من يوليو 2017 كان الشيخ عكرمة أول المتصدرين للمشهد في الأقصى، ووقف مع صفوف المقدسيين الرافضة لكل الاجراءات الصهيونية من وضع بوابات إلكترونية أمام أبواب المسجد، وسياجات حديدية لمنع المصلين من دخول الأقصى وكاميرات.
وسط موجات المقدسيين الرافضين لإغلاق الأقصى، كان الشيخ الثمانيني عكرمة صبري مشاركاً للانتفاضة، واصيب برصاصة مطاطية بعد أن هاجمت قوات الاحتلال آلافاً ممن أدوا صلاة العشاء في منطقة باب الأسباط بالقدس المحتلة.
أفتى الشيخ عكرمة بأن أجر الصلاة على الحواجز الصهيونية المؤدية إلى الأقصى هو بذات الأجر داخل الأقصى نظراً لوجود مانع سببه الاحتلال، وأعتبر أن البوابات الإلكترونية مثلت جس نبض لمعرفة ما إذا كان اليهود قادرين على إدارة المسجد الأقصى ويتحكمون بالداخل والخارج، ويكون لهم سلطة قرار الإغلاق والفتح، مناشداً الفلسطينيين من البحر إلى النهر أن يشدوا الرحال إلى المسجد الأقصى ويصلوا حيث يمنعون، وقال: “نحن لا نتعامل مع بوابات الاحتلال، ولا يجوز الوصول إلى الأقصى من خلالها”.
وبالعودة إلى مسيرة الشيخ عكرمة فإنه من مواليد عام 1936 في مدينة قلقيلية لعائلة معروفة بالتدين وحب العلم، حيث كان والده قاضياً شرعياً لبيت المقدس وعضو محكمة الاستئناف الشرعية، كما كان عضواً مؤسساً للهيئة الإسلامية العليا في القدس وخطيباً للمسجد الأقصى المبارك.
تخرج من جامعة بغداد عام 1963 من قسم الدين واللغة العربية، ثم واصل دراسته ليحصل على شهادة الماجستير في الشريعة من جامعة النجاح الوطنية في نابلس عام 1989، ليواصل مسيرته العلمية حتى حصل على شهادة الدكتوراه العالمية في الفقه العام من كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر بمصر عام 2001.
في بدايات مسيرة الشيخ عكرمة عمل مدرساً في ثانوية الأقصى الشرعية بالقدس، وتولى إدارتها عام 1967، ثم انتقل إلى مجالات تربوية وعلمية عديدة، أبرزها عمله مديراً للوعظ والإرشاد في الضفة الغربية ومديراً لكلية العلوم الإسلامية في أبو ديس، ومفتياً عاماً للقدس وضواحيها والديار الفلسطينية حتى عام 2006.
خاض الشيخ عكرمة تجارب عديدة في عدة مجالات، فقد أسس ورأس هيئة العلماء والدعاة في فلسطين عام 1992، ثم عمل رئيساً لمجلس الفتوى الأعلى في فلسطين، وعضواً مؤسساً برابطة مؤتمر المساجد الإسلامي العالمي في مكة المكرمة، وعضو المجمع الفقهي الإسلامي الدولي بجدة، وتم انتخابه رئيساً للهيئة الإسلامية العليا في القدس الشريف عام 1997.
شارك الشيخ عكرمة في العديد من المؤتمرات والندوات، وعرف بمشاركته في الكثير من النشاطات والفعاليات المناهضة لتهويد القدس، وقد تعرض مرارا للنقد والمضايقة والاستجواب والاعتقال من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني.
أصبح الشيخ عكرمة صبري رمزاً من رموز فلسطين، والمسجد الأقصى، ولا يحضر ذكر المسجد الأقصى والانتفاضة وتهويد القدس، والمرابطين في الأقصى، حتى يحضر اسم الشيخ عكرمة، نظراً لمواقفه الحاضرة في قضية الأقصى منذ بداية حياته حتى بلوغه هذا العمر الطويل.
(المصدر: مجلة البيان)