عقيدة الهندوتفا .. عداءٌ يصل إلى درجة استئصال المسلمين في الهند
(خاص بالمنتدى)، وشارك في التقرير الباحث الهندي المسلم أ. برهان أحمد الصديقي
عقيدة الـ”هندوتفا”، وهي عقيدة دينية هندية قومية متطرِّفة هي المحرك الأساسي لأعمال مليشيات “آر إس إس”، وتجمع هذه العقيدة بين التطرف الديني الهندوسي والغلو القومي الهندي، منتجة أعمالاً عنصريَّة دموية ترقى حسب باحثين إلى مرتبة الإرهاب.
الفرق بين الهندوس والهندوتفا:
“الهندوسية” هي ديانة يتبعها غالبية الهنود، والهندوتفا(Hindutva) هي أيديلوجية للتعبئة السياسية بين أغلبية سكان البلاد. وتقود الهندوتفا منظمات مختلفة بوظائف عديدة لتحقيق أهدافها ولجعل أيديولوجياتها فعالةً وشائعةً بين الناس ومنها منظمة المتطوعين القومية الهندوسية “راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS)، وحزب فيشفا هندو باريشاد (VHP)، وحزب بهاراتيا جاناتا (BJP)” ومنظمات أخرى كما تُسمّى مجموعتها “عائلة السانغ” (Sangh Parivar). و” إن مصطلح الهندوتفا اخترعه وي دي ساوركر في هذا المعني في عام ١٩٢٣واختاره حزب “بهاراتيا جاناتا(BJP) كأيدولوجيا له في عام ١٩٨٩. وكان معظم كبار السياسيين الهندوس قد رفضوها إبان الاستقلال. وما زال يعارضها وينتقدها عدد كبير من المثقفين الهندوس لأن جميع الهندوس لا يؤيدون هذه الأيديولوجيات ولا يرغبون في أن يكونوا من أنصارها.
عقيدة دموية ومليشيات إرهابية
تعود أصول الشقاق بين مكونات الأمة الهنديَّة إلى فترة الاحتلال البريطاني للبلاد، بل ورجع باحثون أوليات العنف الدموي بين أتباع الديانتين إلى السياسات الطائفية التي انتهجها ذلك الاحتلال وفق استراتيجية “فرِّق تسد”. بالتزامن مع تلك الحقبة نتجت عقيدة الـ”هندوتفا” بوصفها آيديولوجية قومية مقاومة للاستعمار، على يد منظِّرها فيناياك دامودار سافاركار.
هدف سافاركار كان هو التأسيس لنظام شمولي قائم على نمط الحياة الهندوسي وتمجيد الانتماء الهندي حدَّ الغلو. في نظره “الهندوس ليسوا فقط أمة جمعت بينها الثقافة والتاريخ والجغرافيا وروابط الدم”، فيما “المسلمون والمسيحيون هم ذُريَّة هذه الأمة الهندوسية قبل أن يتحولوا إلى ديانات أخرى”، وبالتالي “عليهم أن يعتنقوا الثقافة الهندوسية، وألا ينظروا إلى الهند باعتباره وطناً فقط، بل أرض مقدَّسة” يكتب في كتابه “هندوتفا: مَن الهندوسي؟”.
أسست نظريات سافاركار توجهاً سياسياً وعسكرياً مقاوماً ضد الاستعمار، ومعادياً كذلك لتوجه المقاومة السلمية التي دافع عنها غاندي. واستمر حضور تلك النظريات إلى يومنا هذا متجسدة في مليشيات “آر إس إس” التي أسست 1925 لتنفيذ ما خطه منظِّرها، بما فيها العنصريَّة ضد غير الهندوس، وعلى وجه أخص المسلمين الذين يعتبرونهم أجساماً دخيلة على الجسد الهندي.
ومنذ تأسيسها دأبت عناصر الـ”آر إس إس” على استفزاز الأقلية المسلمة تزامناً مع كل احتفال ديني هندوسي قبل أن يعيثوا في المسلمين تعنيفاً وتقتيلاً. وسنة 1992 عمد الآلاف من مليشيات “آر إس إس” إضافة إلى جماعات هندوسية متطرِّفة أخرى إلى الهجوم على “مسجد بابري” التاريخي بولاية أرت بارديش المقدسة لدى الهندوس، وهدموه بدعوى أنه بني على أنقاض معبد للإله رام، مطلقين العنان لأعمال عنف دامت عدّة أشهر متسبّبةً في مقتل ما لا يقل عن 2000 شخص.
أبرز أصحاب نظرية الهندوتفا:
من أبرز أصحاب نظرية الهندوتفا هم ثلاثة أشخاص:
- ونايك دامودر ساوركر (المتوفي: عام ١٩٦٦):
هو أول من اخترع فِكرة الهندوتفا ووضّح أفكاره في كتابه Essentials of Hindutva في عام ١٩٢٣ ووصف فيه مواصفات لشخص هندوسي من الناحية العِرقية والثقافية والسياسية وأعاد نشره الجديد في عام ١٩٢٨ تحت عنوان Hindutva: Who is a Hindu? فيعتبر هذا الكتاب النص التأسيسي للعقيدة القومية الهندوسية.
وله كتاب آخر باسمSix Glorious Epochs of Indian History يفضل هذا الكتاب وجهة النظر لدارسة تاريخ الهند مختلفا عن المؤرخين الذين يركزون على فهم المجتمع الهندي من حيث استمراريته وخصائصه المشتركة بل نجد عند ساوركر وعند مؤرخي الهندوتفا كأن الماضي، يتعلق فقط بالتاريخ الهندوسي في الفترة المبكرة وواجه الهندوس إيذاء في ظل الحكم الاستبدادي للمسلم. لا شك فيه بأنه ومن يتبعه يتجاهل عن حقيقة ” بأن الثقافة الهندوسية ازدهرت جنبًا إلى جنب مع الثقافات الأخرى في حكم المسلمين بعيدًا عن أن تكون ضحية. فاعترف ها المحلل السياسي الشهير يبين جندرا قائلا: ” حكم المسلمين لم يقوّض سلامة الثقافة الهندوسية قط”.
- مادهوراو غولوالكر (المتوفي: عام ١٩٧٣):
قاد غولوالكر حركة “آر ايس ايس” لمدة ثلاثة عقود (١٩٤٠-١٩٧٣) كرئيسها وهو الذي يمثّل أيديولوجيات هندوتفا على أساس الفلسفة الهندوسية القديمة والأفكار الروحية الدينية التي جعلت كتاباته شائعة ومقبولة بين الشعب الهندوسي ومهدت الطريق أمام الهندوتفا أن تثبت أقدامها في المجتمع الهندي.
وأكد في كتبه بأن ساوركر هو أول منظرٍ للقومية الهندوسية ولا سيما في كتابه عام ١٩٣٩We or Our Nationhood Defined وفي مختارات كتاباته وخطبه Bunch of Thoughts
لقد أوضح في كتاباته أن الهند كانت الأرض المقدسة للهندوس. يكتب: “الهند هي أرض الأمة الهندوسية وحدها تزدهر فيها.
- دين ديال ابادهيائ (المتوفي عام ١٩٦٨):
هو صاحب نظرية حزب بهارتيا جاناتا (BJP) ومن مؤسسه البارز. حزب بهارتيا جاناتا يمثل هندوتفا سياسيا ويشارك في الانتخابات.
لقد وضّح وجهات نظره عن حزبه في محاضراته الأربع التي ألقاها في مومباي عام ١٩٦٥ وأعطاه عنوان “فكرة إنسانية متكاملة”. فتقبلها حزب بهاراتيا جاناتا كفكرته السياسية وأضافها في دستوره ويجب على جميع أعضاءه أن يقررها.
أفكار الهندوتفا الأساسية:
ولو يزعم زعماءهم ومفكروهم بأن فكرتهم ترّحب بعقائد مختلفة وأفكار متنوعة في رحابها وتتعايش مع غيرها من عقائد ومناهج في الأمن والسلم ولكن سياساتهم اليومية ترفض ادعاءاتهم تماما فنحاسب أفكارهم الأساسية حتى نطلع على حقائقها لكيلا يكذب علينا كاذب ولا يبالغ أمامنا قادح
وفيما يأتي وقفات عند أفكار الهندوتفا الأساسية:
وحدة الوجود:
هذه نظرية قديمة أصله من كتب الهندوس المقدسة، وليست من نظرية روحانية فحسبُ بل تؤثر على المجتمع، والثقافة، والسياسة والقانون. كما يُقال في باب هذه النظرية-وحدة الوجود- بأن أصل الكون واحدٌ وهو “برهما” اسم إلههم الأعظم، فروح الإنسان مكتسب منه وجميع أعضاء الكون من أجزاء وجوده.
في مقابلة مع الصحفي المسلم جيلاني ردّ غولوالكر رئيس آر ايس ايس قائلا: ” هذه فكرة ليست للهندوس ولا للمسلم بل للجميع وهي بأن الوجود واحد، وهو الحق وهو الخالق وهو الرب وهو قادر على تدمير كل شيء، وجميع الأفكار التي توجد بيننا في الإله هي تصل إلى هذا الوجود الواحد وأصله الأساسي يوحّدنا جميعا ولا يحصر نفسه لدين واحد فإن الدين منهج للعبادة”.
مفكرون من الهندوتفا يركضون إلى هذه الفِكرة لكي يوحّدوا أديانا مختلفة وفِرقا متنوعة من الهندوس ويجمعوهم تحت لواءهم وهم يدركون حق الإدراك بأن المسلم لا يثق بهذه العقيدة في أي حال ومن الأحوال لأنها مناقضة للعقائد الإسلامية تماما فيستخدمونها ضد المسلمين وينتقدون الأديان السامية-النصارى والاسلام- في ظل هذه الفكرة. ويستغلونها لتحقيق أهدافهم السياسية بين الأغلبية.
القومية:
جميع مثقفي الهندوتفا يؤمن في القومية المتشددة. والقومية هي فكرة أوروبية حديثة تشتمل على الشعب والعِرق والسيادة الوطنية والدولة وما إلى ذلك. فاختارت الهندوتفا فكرتها القومية مع إضافة الفلسفة القديمة الهندوسية من كتبهم الدينية-الويدا-.
ويُعتبر “ساوركر” أول مفكر الهندوتفا من وضّح فكرة القومية المركبة بالفلسفة الدينية القديمة مع الفلسفة الغربية الحديثة. اسم الهندو لديه اسم لقوم يرتبط رجاله مع الآخر في وحدة الثقافة، وشراك العرقية، ووحدة الجغرافيا معاً. ومن اعتنق الإسلام أو النصرانية فهو يعدهم من قوم مختلف غير قومهم.
الهند الأم:
في نصوص الديانات الهندوسية القديمة لا يوجد إله “بهارات ماتا” (الهند الأم) ولم يكن لها صنم، ولم يوجد بهذا الاسم صنم يُعبد في تاريخها القديم. والذي خلق هذا الصنم هو الروائي “بانيكم” ورفع الوطنية إلى منزلة الدين في روايته الشهيرة “أناندامات”. وبدأت عبادة الخريطة الهندية مع صورة إله “كالي ديوي”. وتمت تسميتها ب “بهارت ماتا” يعني “الهند الأم”. فعندما يهتفون باسمها فلا يهتفون البلاد بل ذلك الصنم المختلق. والأمر الآخر الذي يجدر الانتباه إليه هو أن الهندوتفا “الهند الأم” هي شعار رمزي لـ “دولة هندوسية.”
ولذا يرفض المسلمون هتافها حتى يجبرهم أحد وتنتقدهم الهندوتفا على رفضهم وتطعنهم في محبتهم للوطن وتقدّم هذا الشعار أمام الجميع كعلامة الحب للوطن فقال الكاتب الهندوسي الشهير بروهت ناقدا عليهم: “عندما يخبرنا النشطاء من حزب بهاراتيا جاناتا أنه من المناهض القومية “فلا تهتم بهم، لأنهم لا يحملون الولاء للقومية الهندية بل للقومية الهندوسية وللهندوتفا”.
من هو قوم هندي عند الهندوتفا:
“من هو هندي” ؟ اختلف ساوركر في ردّ هذا السؤال من المثقفين الهنود وباحثيهم وكتب كتابات مختلفة فيه. لديه “كلمة هندو” ليس لمتبع ديانة خاصة بل من يمتلك ثلاث مواصفات-أولها من وُلد في الهند ووُلد في الجِنس الهندي ومن يعتنق ثقافة هندية- فهو “هندو” لديه. فإن المسلم الهندي يمتلك الإثنين منها ولكن المشكلة في الثالثة فإن الثقافة لها تعريفات عديدة، فإذ قلنا الثقافة هو سلوك اجتماعي من اللغة، والملابس والمأكولات والفن والموسيقى وغيرها فيشارك المسلم مع الآخر من مواطن الهند ولكن يضاعف ساوركر فيها رسومات قديمة وأعياد هندوسية فيخرج المسلم هنا من تعريفه للثقافة.
فجاء غولوالكر مشيرا بحل هذه المشكلة فقال: “على المسلمين والمسيحيين أن يندمجوا في الهندوس. ولهم حرية الاحتفاظ بمعتقداتهم وممارساتهم الدينية ولكن يجب عليهم أن يجتنبوا من الثقافة الغريبة والمشاعر الداخلية مع أماكن أجنبية تقع خارج الهند، وذلك يعني أن عليهم أن يصبحوا وفقاً للمواصفات المذكورة لكون قوم هندي”.
لا شك فيه بأن كلماته تخالف الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور الهندي والحرية التي يودّ جميع البشر أن يتمتع بها بكرامة كاملة. فلم يجد رئيس حركة آر ايس ايس الحالي موهن بهاغوت حيلة إلا أن يزين فكرة رئيسهم السابق ببلاغة أدبية وكلمات جميلة فقال: بعيدًا عن الدين، والثقافة، كل واحد من يحترم تراث الهند وثقافتها هو هندوسي. وتحسب حركة آر ايس ايس جميع مواطن الهند، “الهندوس” ونحن نرغب في بناء دولة موحّدة من هذا القبيل.
يمكن لأتباعه أن يرددها ويزيّن بها أحاديثهم لكن لا تجدي نفعا مادام تغذية العداوة والبغضاء للأقليات وخاصة للمسلمين متوفرة في أفكارهم الأساسية التي تخالف المسلمين في حياتهم اليومية وتنصحهم لترك شخصيتهم الخاصة وتُبعدهم من شعاراتهم aالدينية وتحرّمهم من محبة بطولاتهم التاريخية وتطلب منهم إغماض أعينهم من بعض الإرشادات النبوية والتعليمات القرآنية التي تجللّها المجد وتكسوها الشموخ وتشجّهم على مشاركة في العبادات الهندوسية والرسومات القديمة باسم القومية والوطنية وتبني حولهم جدار الخوف واليأس. فماذا يبقي للمسلم إلا الحياة واتباعهم عمياء؟ حياة لا إشراق فيها ولا جمال!
“مودي” والهندوتفا
يجنح الحزب الحاكم في الهند بقيادة مودي، نحو تطبيق عقيدة “هندوتفا” التي تزعم أن “الهندوس” يجب أن يهيمنوا على الهند، وأن على الدولة أن تكون ذات هوية “هندوسية”، وليست دولة علمانية، واعتبار كل الديانات “غير الهندية”، مثل الإسلام والمسيحية، دخيلة على الهند، وأن أتباعها يجب القضاء عليهم.
من عقيدة وأفكار إلى ميليشيا شبه عسكرية!
أثناء سلسلة من أعمال الشغب والمواجهات بين الهندوس والمسلمين عبر شمال الهند، تأسست في عام 1925 جماعة “Rashtriya Swayamsevak Sang” أو “RSS”، وهي منظمة تطوعية شبه عسكرية يمينية هندوسية تؤمن بفكرة “الهندوتفا”.
كان التطور المحوري في هذه المنظمة عام 1940، عندما ترأسها شخص يدعى “غولوالكار هيدجوار”، يعتبره البعض المهندس الأيديولوجي لـ”RSS”، وبحسب صحيفة “indian express” فإن رؤية “غولوالكار” لدولة هندوسية استلهمها من الفاشية الإيطالية، وتحديداً تنظيم موسوليني للقوات شبه العسكرية الفاشية.
كتب “غولوالكار” ذات مرة مقارنة شبَّه فيها تفوُّق الهندوس في الهند بتفوُّق العرق الآري في ألمانيا الهتلرية، وقال: “للحفاظ على نقاء عرقها وثقافتها، صدمت ألمانيا العالم بتطهيرها للبلاد من الأجناس السامية – اليهود. يتجلى فخر العرق في أعلى مستوياته هنا. درس جيد لنا في هندوستان لنتعلم وننتصر من خلاله”.
وحين أسس المهاتما غاندي حركة “اتركوا الهند”، المعروفة أيضاً باسم “حركة أغسطس”، التي ضمت أغلب القوى السياسية الهندية في 8 أغسطس 1942، والتي طالبت بإنهاء الحكم البريطاني للهند، مُنع أفراد “RSS” من المشاركة في الحركة.
أثناء تقسيم شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان في عام 1947، ورد أن “جولوالكار” التقى بغاندي للرد على اتهامات بشأن تورط “RSS” في مذابح واسعة النطاق بحق المسلمين، وفي 30 يناير 1948، قُتل غاندي على يد “ناتهورام جودسي”، وهو عضو في حركة “RSS”؛ لأن “جودسي” اعتبر غاندي متخاذلاً، بعد أن رفض الحرب بين الهند “الهندوسية” وباكستان المسلمة. في أعقاب ذلك، سُجن “غولوالكار”، وانحسر نشاط منظمة “RSS”.
هذا وتشير الأرقام التي كشفت عنها التقارير الاستقصائية إلى جرائم الكراهية في الهند، عن تجاوز الضحايا من المسلمين تحديداً خلال السنوات العشر الماضية نسبة 90%. وفي الوقت الذي تدين فيه القوانين الدولية مرتكبي جرائم الكراهية في العالم تكافئ السلطات الهندية المتورطين في أعمال عنف ضد الأقلية المسلمة هناك ولا تلاحقهم بأي نوع من العقوبة. لتكون الهند بذلك عنواناً لأبشع أنواع الإسلاموفوبيا في العالم كما يصفها ناشطون وحقوقيون.