مقالاتمقالات المنتدى

عزة الإيمان

عزة الإيمان

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله، أعزَّ المؤمنين بطاعته، وأَعْلَى بفضله راية الحق، ورفع قدر حَمَلته، وصلى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد المبعوث بدين الحقِّ ليظهره على الخَلْق، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

فَقَدْ قضى الله جلَّ في علاه: أنَّ العزة لله ولرسوله، ولعباده المؤمنين في كل وقتٍ وحينٍ، فقال سبحانه:

يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلْأَعَزُّ مِنْهَا ٱلْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ
(63 : 8)
[المنافقون: 8].

ولقد حكَم سبحانه بأنَّ الاستعلاءَ في الأرض لا يكون إلا بحقِّ الإيمان، وعبادة الرحمن.

فقال سبحانه:

وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحْزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
(3 : 139)
[آل عمران: 139]، وكلُّ علوٍّ في الأرض بغير حقٍّ فهو بغير إيمانٍ، وكل استعلاءٍ بغير إيمانٍ فهو بغير حقٍّ.

 إِذْ مصدرُ العلوِّ والعزَّة هو الله جلَّ في عُلَاه، قال تعالى:

مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُۥ ۚ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌۭ شَدِيدٌۭ ۖ وَمَكْرُ أُو۟لَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ
(35 : 10)
[فاطر: 10]،
سُبْحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
(37 : 180)
[الصافات: 180]، وكل من طلب العزة والاستعلاء من جهة البشر فقد خَابَ سَعْيه، وَضلَّ كَسْبُهُ، ورَجَع بخيبة الأمل.

ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًۭا
(4 : 139)
[النساء: 139].

مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتًۭا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ
(29 : 41)
[العنكبوت: 41].

فالعزَّة والعلوُّ في الأرض للإسلام في ذاته، ولأهله من حيث كونهم مؤمنين، لا من حَيثيَّةٍ أخرى!

كما قال ﷺ: «الإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ»([1]).

فالإيمان قوة حقيقية يقينية، مَن تشبَّث بها اعتزَّ وارتفع، ومَنْ أدبر عنه ذلَّ واتضع!

وحقيقته: استقواء إيماني بعزة العزيز تعالى، وارتفاع معنوي بالارتباط بالواحد العليِّ جلَّ في علاه.

وطريق تحقيقه: لزوم عبودية الله، والحرص على تقواه، وذاك أُسُّ الخير، ومنبع العزة، ومصدر الكرامة، فلا يتفيَّأ العبد ظلال العزَّة، ولا يرتقي ذُرَى المعالي إلا في عبوديته الخالصة لله.

وكل مَن عاش في ظلال تحقيق عبودية الله على هذه الأرض، وفي هذه الحياة ناله من تلك العزَّة بقدر تحقيقه لمراد الله تعالى.

إنَّ استعلاء المؤمن بإيمانه على شهواته، ومغريات الحياة، وعلى الشبهات ومفسدات الدين هو السرُّ في تلك القوة، وذلك المدد الذي يُثبِّت الله به المؤمنين، ويقوي به قلوب المجاهدين، ومعه يتحقَّق النصر للموحِّدين!

والاستعلاء والاعتزاز الإيماني شعور مستمر لا ينقطع، وليس هو كلماتٍ تُقَالُ، أو شعاراتٍ تُرْفع، ولكنه عملٌ دءوبٌ، وسعيٌ لا يتوقف.

 قال الحسن رحمه الله: «إن الله لم يجعل لعمل المؤمنين أجلًا دون الموت، ثم قرأ:

وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ
(15 : 99)
[الحجر: 99]»([2]).

والاعتزاز بالإيمان، والاستعلاء به أمرٌ ملازِمٌ في كل حالٍ للمؤمن؛ حالَ قوته وضعفه، واستخلافه واستبداله.

وقَدْ أنزل الله آيات سورة آل عمران بعد هزيمة أُحُدٍ، وتعقيبًا على مُصَاب المؤمنين!

قال تعالى:

وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحْزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌۭ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌۭ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَيَمْحَقَ ٱلْكَٰفِرِينَ .
(3 : 139-141)
[آل عمران: 139- 141].

فَلَا يمكن أن يَتَسرَّب بعدها إلى القلوب وهنٌ، أو هزيمةٌ، وإنما هو الثبات والاعتزاز والاستعلاء بالإيمان.

فالإيمان أعلى وأغلى من كلِّ قيمةٍ، والاستعلاء بالإيمان مع الضعف والقلَّة هو هو مع القوة والكثرة.

إنَّ المؤمن يؤمن بحقِّ الإيمان، ويراه مطلقًا لا يُقيِّده شيءٌ، ويؤمن بحسن عاقبته لا يحدُّه شيء، وَيتيقَّن من كفاية الله له، فلا يؤيسه شيءٌ.

ويعتقد أنَّ المؤمنَ المعتدَّ بإيمانه هو الأعلى في مصدر التَّلقِّي؛ إِذْ يتلقى عن الله ورسوله، وهو الأعلى في عقيدته وشريعته وأخلاقه وآدابه، وأنَّ خلاصة ما عند الخَلْق من الحق وزيادة هو مختزلٌ في بعض آيات كتابه، وحديث رسوله ﷺ.

وليس من معاني العزَّة والاستعلاء الإيماني: الكِبْرُ على الخَلق، ولا العُجْبُ والاغترار بما هداه الله إليه من الإيمان الحقِّ؛ ذلك أن العجب والاغترار والكِبْر ليست أصلًا من الإيمان في شيء!

بَلْ هي من أخلاق الجاهليَّة، فالمؤمن يقبل الحق، ويعمل به، ويخالط الخَلق على أساسه، فلا ينعزل، ولا ينفصل، ولا يتكبَّر، ولا يتجبَّر، وإنما هو هَيِّنٌ لَيِّنٌ مثل الجمل الأُنف، متى قِيد انقاد في الحق، ومتى استُنيخ أناخ للحق، يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، ولا يخليهم من نصحه، ولا يتركهم من لطفه ورفقه.

وَمَن اختار العزلةَ عن الخَلْق فإنَّما اختار ذلك لضعفه، لا لكماله- غالبًا- وإلَّا فالمؤمنون الأقوياء الأعزَّاء يخالطون الخَلق، ويُظهرون الحق، أما الضعفاء فيختارون السبل الأيسر، والطرق الأقصر، ولو كانت أقلَّ أجرًا، وأضعفَ أثرًا.

فَعَظمةُ المؤمن بعُمْق أثره في غيره، واستعصائه على التأثُّر بغيره!

وحين تتبدَّل الأحوال، ويقف المؤمن مغلوبًا على أمره، مهزومًا في معركةٍ ماديةٍ، أو مسجونًا عند أعدائه، أو مضطَهدًا في رزقه، أو خائفًا في نفسه؛ فإنَّ استشعاره لعزته واستعلائه يُمْليان عليه المقاومة، والمصابرة، والمرابطة، والمراغمة لأعدائه، وَيُؤكِّدان له أنَّ للإيمان وأهله كَرَّةً ولا بدَّ منها، وله عودةٌ ولا غنى عنها، وأنه مهما طال الزمان، أو قصر، فالنصر له في الدنيا والآخرة.

إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَٰدُ
(40 : 51)
[غافر: 51].

وأنَّ المستضعفين لا يدوم استضعافهم متى كانوا بعُرَى الإيمان مستمسكين!

والمثل مضروب بحال نَبيِّنا ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم، وقد سَاوَموه ﷺ، وفَاوَضوه، تارةً يُرَهِّبون، وأخرى يُرَغِّبون.

والمصطفى ﷺ لا تلين له في الحقِّ قناة، ولا تتوهَّن له في النصر عزيمة، «وَاللهِ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالقَمَرَ فِي شِمَالِي، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ مَا تَركْتُهُ حتَّى يُظْهرَهُ اللهُ، أو أَهْلِكَ مِنْ دُونِهِ»([3])، وهو في هذا مُقْتدٍ بأسلافه الصالحين، والنبيين والمرسلين.

فَهَذا نبيُّ الله نوح يقول:

وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوٓا۟ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةًۭ ثُمَّ ٱقْضُوٓا۟ إِلَىَّ وَلَا تُنظِرُونِ
(10 : 71)
[يونس: 71].

وعلى منواله نسج نبيُّ الله هود حين قال:

إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعْتَرَىٰكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٍۢ ۗ قَالَ إِنِّىٓ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوٓا۟ أَنِّى بَرِىٓءٌۭ مِّمَّا تُشْرِكُونَ . مِن دُونِهِۦ ۖ فَكِيدُونِى جَمِيعًۭا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ . إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ .
(11 : 54-56)
[هود: 54- 56].

وعلى هَدْي النَّبيِّ ﷺ والأنبياء سار الصحابة رضوان الله عليهم، كما قال الله تعالى:

أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ ۗ قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَٰلَمِينَ
(6 : 90)
[الأنعام: 90].

وهذا أبو بكرٍ رضي الله عنه يضرب مثلًا في اعتزاز المسلم بإيمانه واستعلائه بدينه، فقد أخرج البخاري: «أن أبا بكرٍ خرج مهاجرًا إلى الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه أحد المشركين وهو ابن الدَّغِنَةِ، وهو سيِّد القَارة، فقال: أين تريد يا أبا بكرٍ؟ فقال أبو بكرٍ: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أَسِيحَ في الأرض، فأعبد ربي.

قال ابن الدَّغِنَةِ: إنَّ مثلك لا يَخرج، ولا يُخْرج؛ فإنَّك تُكْسب المعدومَ، وتصل الرَّحم، وتحمل الكَلَّ، وتَقري الضيف، وتُعِينُ على نوائب الحقِّ، وأنا لك جارٌ؛ فارجع فاعبد ربك.

ثم إنَّه رجع به إلى مكَّة، فَطَاف أشرافَها مُعْلنًا جوارَ أبي بكرٍ وحمايَتَه، ثم إنَّ المشركين رَجعوا إلى ابن الدَّغِنَةِ ليمنع أبا بكرٍ مِنَ الصلاة بفناء داره، وَمِنْ رفعِ صوته بصلاته وقرآنه، أو يرد جواره عليه.

فأتى ابنُ الدَّغِنَة الصِّدِّيقَ، فقال: قد علمتَ الذي عقدتُ لك عليه، فإمَّا أن تقتصر على ذلك، وإما أن تردَّ إلىَّ ذمَّتي؛ فإنِّي لا أحب أن تسمع العرب أني أُخفرت في رجلٍ عقدتُ له.

قال أبو بكرٍ: إني أردُّ إليك جوارك، وأرضى بجوار الله»([4]).

ومثل الصِّدِّيق فعل عثمان بن مظعون رضي الله عنه لمَّا دخل في جوار الوليد بن المغيرة، غير أنه لم يؤذَ، وإنما رأى أنَّ المؤمنين معه من أهل الشرك في مكَّة في أذًى بليغٍ، فقال في نفسه: واللهِ، إن غدوي ورواحي في جوار رجلٍ من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يَلْقَون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنقص كثير في نفسي.

فمشى إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، وقد رَددتُ إليك جوارك!

وانطلق معه إلى المسجد، فأعلن أمام الملأ من قريشٍ أنه أحبَّ ألَّا يستجير بغير الله، وقد ردَّ جوارَ الوليد عليه.

ثم إنه أُوذِيَ بعدها، فلطمه بعض المشركين، فأذهب عينه، فقال له الوليد: والله يا ابن أخي، إن كانت عينك عمَّا أصابها لَغنية، ولقد كنتَ في ذِمَّةٍ مَنيعَةٍ.

فقال عثمان: بل- والله- إنَّ عيني الصحيحة لَفقيرةٌ إلى مثل ما أصاب أختها في الله!

وإنِّي لفي جوار مَنْ هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس.

فقال له الوليد: هلمَّ يا ابن أخي إلى جوارك فَعُدْ، فقال: لا([5]).

إنه قمة الاعتزاز والاستعلاء بالإيمان على كل قُوَى الأرض الجائرة والحائرة عن منهج الله، وهو استعلاء المؤمن القوي بإيمانه، وإن كان قليل العدد والعُدَّة.

وهذا خُبيب بن عَديٍّ رضي الله عنه يَأْسره المشركون، ويقتادونه للصَّلب بمكة انتقامًا لقتلاهم في بدرٍ، فيقول:

دعوني أركع ركعتين، فلمَّا سلَّم، قال: واللهِ، لولا أن تقولوا: إنِّي أُصلِّي جزعًا من الموت لَزدتُ منها، فقال له أحدهم: أيسرُّك أن محمدًا عندنا تُضرَب عنقه، وأنك في أهلك؟ فقال: لا- والله- ما يسرُّني أنِّي في أهلي، وأن محمدًا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكةٌ تؤذيه.

فقال رضي الله عنه- مستعليًا بإيمانه([6])-:

وَمَا بِي حَذَارَ المَوتِ إِنِّي لَمَيِّتٌ وَإنِّي إِلَى رَبِّي إِيَابِي وَمَرْجِعِي
وَلَسْتُ أُبالِي حِيْنَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ فِي اللهِ مَضْجَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَلَسْتُ بِمُبْدٍ لِلْعَدُوِّ تَخَشُّعًا وَلَا جَزَعًا إِنِّي إِلَى اللهِ مَرْجِعِـي

الاستعلاء بالإيمان، وموقف ربعي بن عامر:

إنَّ المسلمين الأوائل وقفوا أمام المظاهر الجوفاء، وقوى الباطل المنتفخة، وقَفوا أمامها موقف المؤمن المستعلي بدينه، الواثق بربِّه جل جلاله، أرسل سعدُ بن أبي وقَّاص رضي الله عنه ربعيَّ بن عامرٍ رضي الله عنه إلى رستم قائد الجيوش الفارسية، فدخل عليه وقد زيَّنوا مجلسه بالوسائد والبُسُط والحرير، فدخل ومعه سلاحه، وبيضتُهُ على رأسه، راكبًا على فرسٍ قصيرةٍ، فجعل يمشي وهو يخرق الوسائد بحربته حتى جاء أمام رستم، وربط الفرس بإحدى الوسائد، فقال له رستم: «ما جاء بكم؟! فقال: الله ابتعثنا لنُخْرج مَنْ شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنيا إلى سَعَة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام»([7]).

فاللهمَّ إنا نسألك إيمانًا يبعث في قلوبنا العزة بك، والتوكل علىك، ونسألك إيمانًا تطمئن به قلوبنا، وتنتصر به نفوسنا، وتستعلي به أرواحنا، ولا تُهْزم معه جيوشنا، بقوَّتك وعزَّتك يا قوي يا عزيز.

فَلَا تَهِنُوا۟ وَتَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ
(47 : 35)
[محمد: 35].

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

 

___________________________________________________________

([1]) أخرجه البيهقي في الكبرى (12283)، والدارقطني (3620) من حديث عائذ بن عمرو I.

([2]) مدارج السالكين (1/184).

([3]) أخرجه ابن إسحاق في المغازي (1/240- سيرة ابن هشام).

([4]) أخرجه البخاري (3905).

([5]) أخرجه ابن إسحاق في المغازي (2/14- 15- سيرة ابن هشام).

([6]) أخرجه أحمد (8096)، والنسائي في الكبرى (8788).

([7]) البداية والنهاية، لابن كثير (9/622).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى