عرض كتاب: «حولَ صناعةِ سَلَفِيَّةٍ ألمانيَّةٍ: النَّشأة، التطوُّر، والنَّشاط الدعوي للحركات السّلفيّة في ألمانيا»
المؤلفة: نينا فيدل
ترجمة: أحمد محمود طه عبد الوهّاب
نشر: مركز نماء للبحوث والدراسات – (٢٠١٦ م)
عرض: محمد فتوح
تحتلُّ الدراسات الببليوغرافية/الوصفية مكانة مرموقة في الأكاديمية الغربية، إذ ينطلق القوم من منطقة الرصد وفهم الظاهرة قبل التحليل والتعاطي العملي معها، وتشهد بذلك أقسام العلوم الإنسانية في الجامعة، فأغلب المنشور من رسائل باحثيها من باب الببلوغرفيا والوصف، وليس التنظير المجرد.
وتشهد بذلك مراكز الأبحاث الغربية، ففي كل بحث منشور يتم تصديره بالعرض والوصف قبل التوصيات والإرشادات مهما كان الموضوع مكررًا. وحتى المؤسسات الحكومية الرسمية تولي هذه المواضيع قدرًا كبيرًا من العناية والاهتمام.
وقد وقعت على كتاب رصدي كبير الحجم (764 صفحة) أصدرته وزارة الداخلية الألمانية بعنوان: (Le bensweltenjunger Muslime in Deutschland)، ويمكن ترجمته بالعربية إلى بـ (عالم الشباب المسلم في ألمانيا).
وقد تحدثت الوزارة في هذا البحث الداخلي (المنشور عَلَنًا) عن رصد، وتحليل كل شيء في حياة الشباب المسلم الألماني، من عدد الشباب المسلم وأماكن تكتلهم، وأهم مواقعهم على الإنترنت، وأعداد من يتعاطى الكحوليات والممتنعين منها، حتى الوصول للأفكار المشُكَلِة لفكرهم. وهذا يدل على أهمية هذه الدراسات عند القوم.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا كتاب وصفي/ببليوغرافي بعنوان «نحو صناعة سلفية ألمانية»، لـ (نينا فيدل)، وهي باحثة ألمانية وحاصلة على درجة الدكتوراه من عام واحد عن موضوع (الدعوة الإسلامية المعاصرة).
والكتاب من ترجمات مركز نماء لعام (2017 م)، ومترجمه من الإنكليزية د أحمد طه عبد الوهاب، وهو ألماني المولد واللسان بجانب أصله المصري.
في النصف الأول من الكتاب تتعرض الكاتبة لمفهوم السلفية وتعريفاتها المختلفة، وأهم رموزها وموارد روافدها في المملكة السعودية ومصر على حد السواء، وأهم الرموز التاريخين، كأحمد بن حنبل، وابن تيمية، والمعاصرين، كمحمد بن عبد الوهاب، وابن باز، والعثيمين، والألباني. ويلاحظ القارئ المدقق قصور واضطراب في فهم الباحثة لمعنى (السلفية) الدقيق، واختلاط مفاهيم النظر والتصور لديها، وربما كان لأعجمية لسانها سببٌ في ذلك.
وحين نُحاكم باحثًا عن بحثه؛ فإنَّنا نُحاكمه في بيئة بحثه لا في بيئة مغايرة؛ وعليه: فهذا القصور الذي يلحظه القارئ العربي مغفور في بيئة كتلك التي نشأت فيها الباحثة، فالسلفية إلى حين قريب كانت مجهولة في القارة الأوربية كلها، ولـم تُلق عليها الأضواء إلَّا بعد الحادي عشر من سبتمبر، حيث كُرست الجهود والأموال لفهم هذه الظاهرة. وكان هذا التكريس مخابراتيًّا بالأساس، فكان لشيطنة السلفية وربطها بالقاعدة دورٌ كبير في عقول المواطن الأوروبي.
ثم إنَّ دولة كألمانيا أغلب مسلميها ليسوا من السلفين بحكم كونهم من الأتراك الأحناف مع تداخلات إسلامية أخرى إخوانية/حركية الهوى أو شيعية وصوفية، فكل ذلك يجعل فهم الظاهرة بصورة جيدة في بيئة كهذه من الأمور الشاقة.
ويكفي هذه الباحثة أنَّها كشفت اللثام لقومها عن هذه الحركة وحاولت رصد أثرهم الاجتماعي والعملي، وإن شَاب نظرها قصور في التصور.
ثم أوردت الباحثة عددًا من الأرقام والحقائق حول الشأن الإسلامي في ألمانيا بصفة عامة، وأهم منظماته ومراكزه، والشأن السلفي بصفة خاصة، ولا تزال هذه الأرقام بحاجة إلى مزيد تدقيق، لكن ما يظهر منها من المطالعة الأولى أنَّ السلفين لـم يكونوا يومًا الأغلبية المسلمة، ولا يُتوقَّع منها ذلك عمَّا قريب.
ثم تحدثت الباحثة عن عوامل جذب السلفية للشباب المسلم، وردت عوامل الجذاب السلفي للشباب الألماني المسلم إلى المهاجرين العرب في القرنين العقود الماضية، وأنَّهم من حملوا معهم هذه الفكرة المستورة، ثم إلى جاذبية الفكرة السلفية باعتبارها صورة للخلاص من المجتمع الجاهلي/الكافر، والنقاوة فوق هذا المجتمع من جهة أخرى، مع امتلاك القدرة على الإجابات المعقدة بصورة مثالية.
ثم تشتبك الباحثة مع فاعلية السلفين في الدول الأوربية لا سيما ألمانيا، ومراحل التناوش بينهما لا سيما بعد الحادي عشر من سبتمبر، باعتبار السلفيين رافدًا أساسيًّا للقاعدة والجهادين سويًّا، وأن النظر للسلفين بمظهر المحاد بحكم إعراضهم -في الغالب- عن المشاركة السياسية إنَّما هو مظهر خادع مبني على تعريف ضيق للسياسة، كما تقول صبا محمود.
وتُرجع الباحثة كذلك الاشتباك بين السلفية وأجهزة الدولة المختلفة إلى حزمة المفاهيم التقليدية التي تحملها السلفية، والتي تمثل تهديدًا مباشرة على منظومة الأفكار الألمانية مهما كانت مهادنة تلك الحركات في الفاعلية السياسية، وذلك حين تُقيم وجهة نظر السلفية للقوانين والديمقراطية، والمرأة والحريات، والقيم الأساسية في المجتمعات الغربية.
ثم دلفت الباحثة إلى التكتلات السلفية الأساسية، والتي تكونت من عام (2002 م)، إلى (2004 م)، وأهم رموزها بحسب الباحثة : (حسن الدباغ المعروف بأبي الحسين من سوريا – إبراهيم أبو ناجي من غزة – عبد العظيم قاموس – محمد بن حسين المعروف بأبي حمال من المغرب – بيور فيجول – محمد تشفيني المعروف بأبي أنس من ألمانيا).
ويجمعهم جميعًا الاشتراك في اللسان الألماني حال الدعوة إلى الله، وإن كانت أصولهم في الغالب غير ألمانية، وقبل هؤلاء الدعاة كانت الدعوة الإسلامية قاصرة على اللسان العربي.
ثم عرجت الباحثة عن المناهج العلمية التي يدرسها السلفيون الألمان، وأغلب هذه المناهج مناهج السلفية التقليدية التي تنشرها المملكة العربية السعودية في محاولة لاستنساخها في جامعات خاصة أو كيانات علمية على الإنترنت.
أمَّا المعاقل الأساسية للسلفين الألمان فهي – بحسب الباحثة – مساجدهم فمساجدهم هي منطلقهم الأساسي، حتى باتت الحكومة تداهم هذه المعاقل بصورة مضطردة، أو تغلق بعضها نتجية الاستفزازات الأمنية، كما ختمت الباحثة بحثها.
ولا يهتم السلفيون – من وجهة نظر الباحثة – بمد جسور الصلة مع الحكومة الألمانية، وإن كان هناك قدر ضروري من التواصل، والسلفيون من باب أولى لا يمدوا أيديهم للكيانات الإسلامية الأخرى لأنَّها – بحسب نظرهم – ضلال، سواء كانوا شيعة، أو أو أحمدية، أو صوفية، وهيئات عالمية إخوانية.
ومصدر دعم السلفين الألمان الأوائل يكمن في رحلات وكتب وتمويل المملكة العربية السعودية، واتصلات لوجيستية بتيارات سلفية خارجية، مثل اتصال بيور فيجول بالسلفية المصرية.
ثم تدلف الباحثة إلى الحديث عن الدعوة إلى السلفية، وتركيز الدعاة السلفيين على الشباب بصفة خاصة. وتذكر أنَّ أهم الإشكالات التي تواجه الدعاة السلفين هي الانقسامات السلفية ذاتها فيما بينهم من تيارات علمية، (وهو ما وصفه المترجم ب نقاوي)، وجهادي وحركي وراديكالي وغير ذلك.
وعرجت الباحثة على خلافات حدثت بين بيور فيجول الداعية السلفي الأبرز، وأبو ناجي إبراهيم الداعية السلفي كذلك، ثم محاولات رأب الصدع ومحاولات التكامل بين التكتلات السلفية التي لا يجمعها رباط جامع مشترك.
ثم ختمت الحركة بحثها بذكر التضيقات الأمنية والمناوشات التي حدثت بين السلفين والحكومة الألمانية، ومحاولة شيطنة السلفيين باعتبارهم رافدًا أساسًا للمجاهدين الأوروبين وتهديد لنظام القيم الألماني، والفكر الديمقراطي حتى المسالمين منهم لا سيما مع اتصال بعض الشباب السلفي رموز جهادية عالمية على الرغم من إدانة الدعاة السلفين لأفعال القتل أو تصرفات الجهادين بصورة معلنة وواضحة، مثل موقف بيور فيجول من داعش.
ومع ذلك لـم تتوقف هذه الشيطنة الأمينة والإعلامية والتي كان من نتائجها تحجيم حجم الدعوة ودور المساجد السلفية وتراجع الحشد السلفي الذي بلغ فترته الذهبية بين (2002 – 2008م).
وتستنج الباحثة أنَّ السلفية ستظل حركة محدود التأثير لفترة غير قصيرة في ألمانيا خصوصًا بعد حالات الشيطنة الإعلامية والمداهمات الأمنية، وأنَّ عوامل جذبها للشباب المسلم لطهورية فكرتها اختفت وتورات تحت وطأة الانقسامات الداخلية بين السلفين أنفسهم والخلافات التي خاضها السلفيون مع الدولة.
ملاحظات فنية :
– يتميز الكتاب بلغة رصينة لتمتع المترجم بدراية بالمجتمع الألماني بحكم النشأة الأولى واللسان الألماني، ويتمتع كذلك بقدرة على تبسيط الثقافة الألمانية وتيسير فهمها.
– وقعت الباحثة في مخالفات منهجية عديدة نتجية ضعف فهمها لظاهرة غريبة عليها، لكن ذلك مغفورًا بحكم طاقتها، وقد عوضت هذا النقص بكم الاحصائيات الذي أوردته وحاولت استقصاءه.
– يعيب الكتاب عيب فني ظاهر وهو توسع الهوامش بصورة كبيرة، فبعض الصفحات تتكون من سطر أو اثنين، ثم تحل الهوامش محل المكتوب، وعامة هذه الهوامش دراسات غير منشورة بالعربية؛ فهي قليلة الأهمية بالنسبة للقارئ العربي، وكان حريّا أن تُلحق بملحق للهوامش في آخر كل فصل، كي لا يقطع على القارئ حبله تسلسل المعلومات.
– الخلط أحيانًا بين كلام المترجم وكلام المؤلفة في الهوامش، ففي بعض المواطن تم التنبيه على أنَّ المكتوب تعليقات من المؤلف وفي البعض الآخر ترك الأمر مفتوحًا ممَّا قد يُوهم التداخل.
– عدم الدقة في تحرير بعض المصطلحات، ومثل ترجمة الطاغوت ب (خرق الحدود)، والمستقر في التعريفات اللغوية العقدية أنَّ الطاغوت مشتق من الطغيان وهو (مجاوزة الحد). أو نحت كلمات جديدة رغم استقرار نفس المفهوم بألفاظ أخرى في دراسات مغايرة ممَّا قد يشوش على المعنى، مثل استحداث المترجم لفظة (النقاويين) على السلفين المنتسبين للشيخ ناصر الألباني، وهو ما يعرف في الأكاديميات الغربية والعربية (بالسلفية العلمية/غير السياسية)، وإعادة التمسية بـ (النقاويين) مستغربة نسبيًّا.