عرض أ. أسامة شحادة
صدر هذا الكتاب عن مركز دلائل المختص بشؤون الإلحاد، ضمن سلسلة أطروحات فكرية، وهو من تأليف م. أحمد حسن، الباحث المتخصص في هذا الباب، ويقع الكتاب في 135 صفحة من القطع المتوسط، وصدرت الطبعة الأولى سنة 1437هـ بالرياض.
أهمية الكتاب أنه ينبه على قضيتين مهمتين: الأولى خطر الميديا (مختلف وسائل الإعلام) في نشر الأفكار الهدامة المتنوعة عبر بوابة اللاوعي لدى الجميع، خاصة الأطفال والناشئة.
والقضية الثانية فضح الحجم الكبير لاستخدام السينما والدراما وأفلام الكرتون والأنيميشن في بث الإلحاد وترويجه وبيان المغالطات المستخدمة فيها لتمرير القناعات المنحرفة عبر اللاوعي للمشاهدين.
من هنا خصص المؤلف الفصل الأول لقضية اللاوعي وتناول فيه القضايا التالية:
أصبح الاهتمام بحرب الأفكار هو سمة العصر الحاضر لما له من تأثير بالغ وكلفة منخفضة مقارنة بالحروب التقليدية، وأصبحت الميديا من الأسلحة الاستراتيجية في هذه الحروب حيث تطوع الخصوم (كشعب) لما تريد بالإقناع بدلا من الإجبار!
ولذلك اهتم بتوظيفها كل دعاة الأفكار المنبوذة والشاذة والمكروهة لحاجتهم إلى تحسين صورتهم وترويج باطلهم وتقبلهم من الجمهور بطريقة التفافية لأنهم لا ينجحون أبداً في ترويج باطلهم أو شرعنة وجودهم بأي سبيل مباشر وعلني مع الجمهور.
ومن هنا جاء توظيف الميديا في نشر الإلحاد، وفعلاً نجح الملحدون والشواذ في أمريكا أولاً ثم في مناطق أخرى بتغيير الرأي العام الرافض لهم ليتقبلهم ويشجعهم!
تركيز الكتاب على وسيلة السينما من الميديا تحديداً لأنها ذات تأثير هائل اليوم على الناس في عصر الصورة بحيث أصبحت السينما تتحكم في عقول ملايين الناس، ولأن المشاهد لا يتحكم في المضمون ولا يعرفه بخلاف الحال عند مطالعة كتاب أو سماع محاضرة، فغالبا يمكنك اختيار المؤلف أو المحاضر والتعرف عليه من قبل آخرين، بينما في السينما لا ثبات لتوجهات الممثلين والمخرجين لأنها تتبدل مع كل سيناريو وقصة، ولأن الفيلم يتم الإقبال عليه من خلال الإعلان الجذاب عنه والذي يكون مخادعاً غالباً، والعمل الفني غالبا هو ذو اتجاه واحد يعرض وجه نظر المؤلف والمخرج فقط ولا يمكن للمشاهد المشاركة أو التغيير فيه، ولأنها تستهدف قطاعات واسعة من الناس بعدة لغات ومن مختلف الأعمار والثقافات، وهذه الأسباب كلها تخاطب اللاوعي وتغيير تركيبة الإنسان وهو لا يشعر، وهنا مكمن الخطورة.
فتأثير الأفلام على المفاهيم والمعتقدات قد يكون سريعا وحاسما عبر الصدمة، أو يكون بطيئا ومتدرجا وهي تعتمد على التكرار والزمن، وأصبح معروفا ارتباط الكثير من الجرائم بتقليد بعض الأفلام، كما أصبح من الواضح دور الأفلام في ترويج مظاهر سلوكية سلبية، إن “التحفيز على التقليد” هو أخطر آليات تأثير الأفلام على المجتمعات بتغيير القناعات والمفاهيم، ومن هنا يتم الاستعانة بنجوم السينما لترويج السلع التجارية، ولكن الأخطر هو ترويجهم لسلع فكرية وسلوكية بطريقة غير مباشرة للاوعي عند المشاهدين!
الفصل الثاني عالج فيه المؤلف 8 طرق لتمرير الأفكار الإلحادية في الميديا بشكل غير مباشر لأن كلمة الإلحاد لا تزال مرفوضة بالفطرة عند أغلب الناس، حيث تظهر آثار هذه الدسائس الإلحادية بعد مدة على مدمني الأفلام والميديا بقصد التسلية على شكل (إلحاد شعبي أو هاوٍ)!
وهذه الطرق غير المباشرة في تمرير الإلحاد عبر السينما:
1- استغلال ثغرات النفس والعقل والخيال: حيث يتم استغلال الشهوات الجنسية أو حب المغامرات والأكشن لجذب الضحية، واستغلال رغبة التمرد عند البعض لتصل للتمرد على الإله، واستثمار شهوة الظهور والبروز ولو بالمخالفة لاعتناق الإلحاد، وادعاء العقلانية بتصوير الملاحدة في بعض الأعمال السينمائية أنهم العقلاء في المجتمع، أيضا صدم البعض بإهانة المقدسات لتنكسر هيبتها في نفسه وينساق وراء الإلحاد.
وبين المؤلف بعض أمثلة الأفلام التي وظفت هذه الثغرات وكيف عالجتها عبر عدد من المغالطات المنطقية التي قد لا ينتبه لها المشاهد لأنه ليس في وضعية استعداد لحوار منطقي، بل هو في حالة استرخاء وتسلية مما يجعل دفاعاته ضعيفة، وتمر المغالطات للاوعي وتغير تركيبته وهو لا يشعر!
2- الإغراق في عرض الشهوات والعري وتحبيب الزنا والخيانة: ذلك أن إدمان المشاهد للفواحش يضعف تدينه ويعلق قلبه بالمعاصي ويصبح يبحث عن المزيد والغريب، مما يجعله في صدام مع الدين الذي يرفض الفواحش والشذوذ، ويسهل عندها جحده للدين وتقبل الإلحاد، وهذا أصبح منتشرا في الأفلام بمختلف أنواعها، حتى أفلام الأطفال، أن هناك شخصيات منحرفة وملحدة!
3- تصوير الوجود والحياة بمظهر العبثية والعدمية واللاغائية: حيث يتم التلاعب بمفاهيم الحياة والموت وترويج خرافات الصدفة والعشوائية والتطور والخلط بين الممكن العقلي والمستحيل، واختراع عوالم موازية أو لا نهائية، مما تضطرب معه الموازين لدى المشاهد، ويحدث صراع بين الصورة البراقة الجذابة وبين المفاهيم الدينية التي قد تكون لم ترسخ في القلب أو لم تعرض بشكل قوي وعلمي ومقنع!
4- المغالاة في الخيال العلمي لتهميش الإله الخالق: حيث يتم تهويل قدر العلم ليغطي على الإيمان بالخالق العليم الحكيم، فنجد أفلاما تزعم صنع أو خلق إنسان أو تجميده مئات السنين أو الأفلام التي تروج لكائنات فضائية هي التي خلقت البشر على الأرض، مما يوهم المشاهد بتعدد الخالقين! بينما كل مجريات الفيلم خيالات مريضة لم تحدث أصلا، لكن عبر الخداع تم زعزعة إيمان المشاهد بمخاطبة اللاوعي!
5- استغلال لا معقوليات النصرانية والأديان المحرفة كذريعة للإلحاد: والمشكلة أن الملاحدة يقابلون خرافات النصارى بخرافات إلحادية مضادة، ويتم تعميم خرافات النصرانية على الإسلام بجامع أنهم أديان! وهذه مغالطة كبرى فالإسلام لا توجد فيه أي مصادمة للعقول.
فعبر رفض خرافات النصرانية في السينما يتم هدم هيبة الدين والمقدسات بالسب والشتم أو بعرض شخصية المسيح بشكل مهين وساخر مع تصويره كباحث عن الجنس والشهوة في مناقضة للحقيقة، مما يتسرب للعقل الباطن بازدراء الأنبياء ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
6- تمثيل الإله بصورة غير مباشرة لخلع الرؤى الإلحادية عليه: حيث يتم تصويره بشكل غير مباشر على صورة ملك الموت أو ملك مرسل من قبله، والهدف من ذلك محاسبة الإله ومحاكمته بدلا من كونه هو الذي يحاسب الناس! مما يزعزع مفهوم الإله في قلوب الناس، وفي هذه المحاكمة يتم إدانة الإله وإظهاره بصورة الظالم والمعتدي مما يكسر تصور المشاهد لله عز وجل أحكم الحاكمين وأعدل العادلين.
7- استغلال أكاذيب التطور كبوابة للإلحاد: وذلك عبر التعامل في السينما مع التطور كحقيقة علمية وأن المعترضين عليها جاهلون لا قيمة لهم، وأن سبب اعتراضهم خوفهم على دينهم الذي سينهار مع انهيار وجود خالق للكون بحسب نظرية الصدفة والعشوائية والتطور للمخلوقات!
8- خلع صفة العقل على الذكاء الصناعي: حيث يتم ترويج إمكانية الوصول للروبوت العاقل، وهي الصفة التي تميز الإنسان عن الحيوان، وبذلك يصبح الإنسان محل الخالق!
وطبعاً هذه خرافة لم تحدث ولن تحدث لا بالتطور والعشوائية ولا بمحاولات الإنسان، لكن الخدع السينمائية تروج هذا الوهم لهدم عقيدة الإيمان بالله عز وجل.
بهذه الطرق الثماني يتم تمرير كثير من المغالطات الإلحادية لأذهان المشاهدين، من الكبار والصغار مما تتزعزع معه قوة إيمانهم كلما أدمنوا على منتجات الميديا من الأفلام والألعاب والنت، خاصة إذا صاحب ذلك ضعف اطلاع عن العقيدة الإسلامية والتزام العبادات والفرائض وبعد عن تلاوة القرآن الكريم.
ولذلك يجب على المسؤولين من آباء وأمهات ومعلمين ومعلمات وأئمة مساجد وخطباء ومسؤولي التربية والتعليم والإعلام والتوجيه، القيام بواجبهم برعاية الناشئة وحماية المجتمع من هذه الشرور وتقديم البديل المكافئ مضموناً وشكلاً.
(المصدر: موقع أ. أسامة شحادة)