عرض أسامة شحادة
هذا الكتاب هو بالأصل جزء من رسالة دكتوراه للمؤلف، وهو الدكتور راشد بن عثمان الزهراني بنفس العنوان، وأصدر جزءا آخر منها بعنوان “الجماعات الجهادية المعاصرة وأبرز قياداتها الفكرية”(1)، وقد صدرا عن فجر الإبداع سنة 2016، ويقع كتابنا هذا في 440 صفحة.
الحقيقة أن الكتاب مهم في موضوعه ومضمونه، وهو من الكتب التي تعالج مواضيع الساعة التي تواجه الأمة بِلغة سهلة وواضحة مع عمق علمي بالغ واستيعاب لكثير من الشبهات في هذا الباب.
يتميز الكتاب بأنه جمَع شبهات الغلاة وانحرافاتهم في باب الجهاد من عدة مصادر وتوجهات، فهو يبدأ بسرد ما قاله الغلاة من انحرافات في الموضوع مما يكشف عن مدى استفحال هذه الانحرافات في كتب الغلاة من مختلف البلاد والتوجهات والفترات الزمنية مما يجعل منه شبه فهرس جامع لشبهات وانحرافات الغلاة في باب الجهاد، ومن ثم يردّ عليها ويفنّدها بالدليل الشرعي والدليل العقلي، وأحياناً يسرد تراجعات بعض الغلاة عن هذا الانحراف مما يكشف عن مقدار الخلل والجهل الذي يتميز به منظرو الغلاة في شبابهم حين تبنّوا هذه الانحرافات، وكيف أنهم أنفسهم تراجعوا عنها مع الخبرة والتعلم، ولكن بعد حصول الكوارث وإراقة الكثير من الدماء والأموال المعصومة، وبعد أن زعزعوا أمان واستقرار بلاد المسلمين،وضيّقوا على الدعوة الإسلامية، وأعانوا الكفار على بلاد الإسلام، وجرّوا الدول والأنظمة للتشدد والظلم كردة فعل في بعض الأحيان.
للأسف أن هذا الكتاب الهام وأمثاله لا تحظى بالانتشار المطلوب شعبياً لتحصين الوعي وتنوير الأذهان، فلا تحظى بتغطية إعلامية ولا دعاية مناسبة بحجم أهميته وموضوعه، ولذلك تنتشر كتب الغلاة ويتم تداولها أضعاف أضعاف الكتب المتخصصة بكشف ضلال الغلو والانحرافات، وهذا خلل يجب معالجته من خلال اهتمام المؤسسات العلمية والإعلامية بتبني مثل هذه الكتب في طبعات شعبية لتصل فوائدها للمجتمع، إما عبر المدرسين في الجامعات والمساجد والكتّاب والمتحدّثين في وسائل الإعلام، أو من خلال اعتمادها في الكتب المجانية أو المدعومة في الحملات الثقافية الرسمية فتصل للشباب وعامة الناس ولا تبقى حكرا على المختصين والمتابعين بشكل دقيق للمؤلفات في هذا الباب.
الكتاب جاء في تمهيد وفصلين، التمهيد تعرّض لمفهوم الجهاد وأنواعه وحكمه وشروط وجوبه، أما الفصل الأول فتعرض لسرد انحرافات جماعات الغلو والتطرف في باب الجهاد والردّ عليها، وقد احتوى على 12 شبهة هي:
1- دعوى وجوب جهاد الدول التي لا تحكم بشرع الله لكفرها.
2- وجوب جهاد حكام الدول الإسلامية لتعطيل الجهاد في هذا العصر.
3- اشتراط المشاركة في الجهاد لقبول قول العالم في مسائله.
4- تطبيق أحكام الطائفة الممتنعة على الدول الإسلاميَّة.
5- مفسدة بقاء الكفر أعظم من مفسدة القتل.
6- دعوى عدم صحة المعاهدات الدولية في هذا العصر.
7- وجوب قتل النّفس عندما يقع الفرد أسيرًا في أيدي رجال الأمن.
8- التوسع في قتل الأبرياء المعصومين استدلالا بمسألة التترس.
9- دعوى جواز قتل الأطفال والنساء داخل الدول الإسلاميَّة بدعوى تبييت العدو.
10- دعوى كفر من استعان بغير المسلم لقتال المسلم الصائل.
11- دعوى أن الجهاد في هذا الزمان جهاد دفع وهو فرض عين على جميع الأمة.
12- مفهومهم لحديث إخراج المشركين من جزيرة العرب.
ويصعب هنا استعراض ردود المؤلف على هذه الشبهات لتشعّب الرد وتعدد وجوهه، ولكن كل من يشتغل بمقاومة الغلو سيجد في جهد المؤلف غنيمة باردة تكفيه الكثير من البحث والعناء في بطون الكتب وردود العلماء على أهل الغلو.
وتقريبا تستوعب هذه الشبهات التي فنّدها المؤلف أغلب شبهات هذه الجماعات والتنظيمات والتي تتكرر كل فترة بحسب التنظيم الجديد، والذي يشغل الساحة بشبهاته، ومن المؤسف أن يبقى كثير من الشباب مغترّا بهذه الشبهات الساقطة بسبب رواج الشبهة وتزويقها بالخطاب الحماسي والنشيد العاطفي، فيما تقبع كتب الردود على الرفوف منزوية يعلوها الغبار لا يعلم عنها الشباب شيئاً!
الفصل الثاني خصّصه المؤلف لبيان أسباب الخلل والانحراف عند الغلاة في مسائل الجهاد والتي تم بيانها وتفصيلها، وهي خمسة أسباب:
1- الجهل بأحكام الجهاد ومقاصده.
2- بناء الكفر والإيمان على مسائل فقهية خلافية لا عقدية.
3- عدم الأخذ بالمفهوم الشامل لمعنى الجهاد.
4- الجهل بمنهج السلف في الاستدلال وتقرير المسائل.
5- الخلل في فهم مسائل التكفير والولاء والبراء والبيعة في مسائل الجهاد.
ومن خلال بيان الباحث هذه الأسباب يظهر جليا تكرارها عند كل جماعات ومنظري جماعات الغلو المعاصرة، فالجهل الناتج عن صغر السن وقلة العلم ينتج هذه الكوارث، ولاحقا تتم المراجعات والتراجعات بعد نضج التجربة والسن والعلم نوعاً ما!
ولذلك فإن تلخيص مثل هذا الكتاب وأمثاله ونشره بين الشباب مبكراً سيكون له دور توعوي مبكر وتحصين فكري وشرعي قبل وقوع الكارثة.
ومَن تأمل في مئات الآلاف من الشباب في مختلف البلدان، والذين كانت لهم صلة بالعلماء يجد أنهم نجوا من فتنة الغلو والانحراف التي تمكنت من الشباب الصغار في السن والعلم، والبعيدين عن العلماء وحلقاتهم ودروسهم وتوجيهاتهم، وهو تكرار لتجربة الخوارج الأُول مع حبر الأمة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه، حين جاء فناظرهم فرجع وتاب معه عدة آلاف من جلسة واحدة!
الخلاصة؛ هذا الكتاب مرجع مهم في باب تفنيد فكر الغلو والتطرف، ويلزم نشره بشكل واسع على الدعاة والمحتكين بالشباب، وبين الشباب أنفسهم،لنستثمر طاقاتهم فيما يعود بالنفع والخير على أنفسهم وأمتهم.
________________________________________________________________
[1] – وهو أيضاً كتاب متميز في التعريف بهذه الجماعات ومنظري الغلو من منظور شرعي علمي وليس كالمؤلفات التجارية والصحفية في السوق.
(المصدر: موقع الراصد)