عرض كتاب (الأندلس والأندلسيين AL-ANDALUS ET LES ANDALOUSIENS)
عرض د. فطيمة الكنوني
الكتاب: “الأندلس والأندلسيين”
المؤلف: مانويلا مارين
الناشر: Edisud
سنة النشر: يناير 2000
الرقم المعياري الدولي للكتاب: 10: 2744901881
شكل التاريخ الأندلسي مثار اهتمام الباحثين، ويعد كتاب “الأندلس والأندلسيون” لمانويلا مارين أبرز نموذج للباحثين المحدثين الذين تعمقوا في دراسة هذا التاريخ.
فما هي أهم مضامين هذا الكتاب؟ وما المنهج الذي اعتمدت عليه المؤلفة في دراستها للأندلس؟ ثم ما هي آراء مختلف الباحثين حول القضايا التي كانت موضوع دراسة الكاتبة؟
أولاً: من حيث الشكل:
صدر كتاب “الأندلس والأندلسيين” ضمن سلسلة “موسوعة البحر المتوسط” عن دار توبقال بالمغرب سنة 2000
قسم الكتاب لستة فصول إضافة إلى خمس خرائط ثم قائمة ببليوغرافية مؤلفة من 23 دراسة، أكثرها لمؤرخين مستشرقين متخصصين في تاريخ الأندلس. أتبعتها بقائمة كرونولوجية لتسلسل الأحداث التاريخية بالأندلس ابتداء من الفتح سنة 711م إلى فترة المملكة النصرية بغرناطة.
ثانيًا- التعريف بالمؤلفة:
تعد “ماريا مانويلا” باحثة وعضوًا في المجلس الأعلى للأبحاث العلمية، ترأست مجلة “القنطرة” من سنة 1987 إلى 1999م. خبيرة ومتخصصة في التاريخ الأندلسي. من بين دراساتها الأندلسية:
– Individuo y sociedad en al-Andalus (Madrid 1997)
– Biografias y genero biografico en al-Andalous (Madrid 1997)
ثالثًا- قراءة في مضمون الكتاب:
في المقال الأول، تعرف الباحثة الأندلس بقولها: “نعني بالأندلس أرض شبه الجزيرة الإيبيرية التي خضعت لهيمنة قوة سياسية إسلامية، والأندلس هي التسمية التي أطلقتها المصادر العربية الكلاسيكية على تلك المنطقة”.
تحرص الباحثة على مسألة التسمية لتجنب الخلط بين الأندلس خلال العصور الوسطى والأندلس الحالية. مبينة أن استعمال المصطلح ليس عامًا بين الباحثين: فهناك من يطلق تسمية “إسبانيا الإسلامية” و”الفن الإسباني الإسلامي”…
تفضل الباحثة استعمال لفظ الأندلس لأن سكانها أطلقوها على وطنهم، ولأن تسمية “إسبانيا الإسلامية ليست صحيحة علميًّا ولا تاريخيًّا ولا جغرافيًّا، فما كان في العصور الوسطى هو تجمع للممالك المسيحية…
من الناحية الكرونولوجية، توضح أنه عادة ما تحدد بين 711 و1492م، بدء من الفتح حتى سقوط غرناطة، فلا يمكن الحديث عن الأندلس بعد سقوط الوجود السياسي الإسلامي، ولا قبل الفتح.
إن الأندلس مفهوم جغرافي متنوع، خضع لتراجع متواصل منذ القرن 11. كما مورس الحكم بالأندلس بطريقة مختلفة في المدن والقرى والثغور. تسمح كل هذه الاعتبارات بتجنب الوقوع في تبني مفهوم ثابت وجامد لتاريخ الأندلس.
ناقشت الباحثة مصطلحي “الفتح” و”الاسترداد”. فالأخير يشير إلى استعادة أراض سلبت بشكل غير شرعي. الأمر الذي ينزع الشرعية التاريخية عن الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية. وتعتبر أنه لكي نبتعد عن ذلك البعد الإيديولوجي، من الأفضل وصف الأعمال العسكرية التي أدت إلى ميلاد الأندلس وزوالها، باعتبارها فتوحات إسلامية قادها المسلمون منذ 711 إلى مجال خاضع للسيطرة المسيحية.
رابعًا- قطيعة أم استمرارية؟:
تشير الباحثة أن أنصار النظرة التقليدية يعتبرون أن مجيء الإسلام لم يؤد إلى إحداث تغييرات ذات أهمية في المجتمع الأصلي، حيث استمرت طرق عيش أصلية ميزت التاريخ الأندلسي تحت طلاء خفيف من التعريب والأسلمة وقد فصلته عن باقي العالم الإسلامي وأعطته خصوصيته.
إن الإستغرافية الحالية ما تزال جزئيًا، تحتفظ بالفكرة القائلة إن المجتمع الأندلسي حافظ على خيط استمرارية مع التراث الإسباني القوطي. فالغزو الإسلامي لم يقض بين عشية وضحاها على ما وجد بشبه الجزيرة الإيبيرية، وأن مجيء الإسلام لم يتحقق في أرض خلاء ومن ثمة لا يمكن إنكار وجود عناصر استمرارية بل وتعايشها مع القيم الدخيلة.
فيما يخص عناصر القطيعة، فجاءت بإضافات أصابت أسس المجتمع، ويجب أن نتذكر أن دخولها لم يتم بشكل فوري ومتساوي في كل الأراضي الأندلسية.
بعد ذلك، تبين الباحثة أوجه القصور التي ميزت الحوليات التاريخية الرسمية، مشيرة لضرورة اعتماد مصادر أخرى كعلم الآثار الذي فتح أبوابًا جديدة نحو معرفة أفضل بالمراحل الأولى للتاريخ الأندلسي، ثم النصوص الفقهية وكتب التراجم التي يجب استغلالها بشكل ممنهج، لأنها تمكننا من معرفة الإجراءات القانونية التي طبقت وتأثيراتها في حدوث التحولات الاجتماعية.
في نظر المؤلفة، إن التغيرات الأكثر أهمية هي تلك التي مست أشكال الحكم والدولة في شبه الجزيرة الإيبيرية، وطرق جمع المال وتوريث الاسم والملكيات داخل الأسر وتنظيم الأراضي. فخلال بداية الوجود الإسلامي في الأندلس، تجسدت السلطة السياسية في شخص الحاكم أو الأمير التابع للخليفة الأموي في دمشق. لكن ابتداء من النصف الثاني من القرن الثامن، استقلت الأندلس بوصول “عبدالرحمن” الداخل للأندلس.
بالنسبة لمالية الدولة فوقع تعسف مع ملوك الطوائف في طرق الجبايات وارتفعت قيمتها. خاصة مع اضطرار هؤلاء الملوك إلى أداء غرامات “الحماية” للملوك المسيحيين. كل هذا أعطى المجتمع مميزات خاصة: متطورة ومتغيرة وقابلة لامتصاص عناصر جديدة. لكنه يبقى مجتمعًا مختلفًا جذريًّا عما كان يمكن أن يكون في شبه الجزيرة الإيبيرية لو لم يدخل الإسلام.
خامسًا- من هم الأندلسيون؟
كان الأصل العرقي والانتماء الديني عنصران أساسيان في تحديد الهوية الفردية والجماعية في الأندلس. فالإسلام جاء بلغة عربية مما أعطى للعرب نوعًا من التميز عن باقي الشعوب المسلمة الأخرى، فبقيت الجماعات العربية في الأندلس دائمًا أقلية عرقية، لكنها مارست في المرحلة الأولى دورا مميزا في السلطة.
كانت الأسماء تحمل دلالات على الانتماء القبلي للأشخاص (اللخمي، القريشي…). أو المدن التي ينتمون إليها (الشاطبي، الغرناطي..). لكن هذا لا يعني بالضرورة أن كل من لهم نسبة عربية كانوا عربًا، إذ كانت هناك ظاهرة الموالي وظاهرة تزوير النسب للالتحاق بالنسب العربي. فسيرورة التعريب تنامت لأن إتقان اللغة العربية كان مؤشرًا مساعدًا على الانتماء إلى النخب الحاكمة. وفي المقابل، شهدت اللهجة الأندلسية تبني العديد من الكلمات ذات الأصل اللاتيني أو الروماني مما أدى إلى نشوء لغة عربية خاصة بالأندلسيين.
شكل المسيحيون واليهود جزء من المشهد الديني في الأندلس، لكن ابتداء من القرن 11، تسارعت وتيرة الأسلمة.
أما العنصر الأمازيغي فدخل بكثرة مع “الغزو الإسلامي وتمكن من الاندماج بسرعة مع النخبة الحاكمة وتمكن من الوصول إلى حكم العديد من الممالك الطائفية.
أما العبيد فأصولهم اختلفت خاصة من بلدان أوربا المسيحية وإفريقيا جنوب الصحراء. وتطورت مكانة بعضهم لحد ممارسة تأثير كبير في القرار السياسي والتحكم في مقاليد الحكم خاصة.
سادسًا- الأندلس مجتمع إسلامي:
في القرن العاشر الميلادي تمثلت السلطة السياسية في شخص الخليفة الأموي، فأقام الأمراء الأمويون سلطتهم على أساس الشرعية التاريخية والأسرية. واعتمدوا على شبكة مواليهم العرب والغير العرب في الأندلس ليخلقوا بنية إدارية قوية عند ممارسة السلطة. لكن هذا لم يتم بدون مشاكل وأخطار. في هذا الإطار، ذكرت الكاتبة ثورة الربض التي حدثت في عهد الحكم الأول الربضي، والتي عكست التناقضات التي ظهرت أواخر القرن التاسع الميلادي، في ظل حكم “عبدالله” حيث انحصرت خلالها السلطة المركزية في قرطبة.
سابعًا- من الضفة إلى الضفة: الأندلس وعلاقتها مع الإسلام المتوسطي:
منذ بداية الفتح الأندلسي، تميزت العلاقة مع الغرب الإسلامي وباقي العالم الإسلامي بالحيوية. فتطور المسار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الأندلس، فعين الولاة في الأندلس من القيروان، ولم يكن الاستقلال السياسي الذي حققته الأندلس خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين يعني توقف العلاقات التي ربطت الأندلس بأراضي الخلافة العباسية.
عند سيطرة المسيحيين على البحر المتوسط، صار الأندلسيون يسافرون على متن البواخر المسيحية التي كانت تنطلق من سبتة. فازدادت كثافة الهجرة الأندلسية إلى المشرق على إثر تقدم القوات المسيحية.
في المقابل، وجدت هجرة معاكسة من الشرق نحو الأندلس خاصة في مراحل الازدهار. فأدخل هؤلاء المشارقة معهم الكثير من التغييرات، وعلى أساسها بنى الأندلسيون حضارة فاقت في بعض جوانبها الحضارة المشرقية. إلا أن المصادر لا تقدم صورة كافية عن حجم العلاقات التي جمعت بين الأندلسيين والمشارقة.
أما العلاقة بين المغرب والأندلس فكانت أكثر وثوقًا، ولا يمكن فصل تاريخيهما. فالدولة الأموية تمكنت من السيطرة على عدة مواقع في المغرب، وتشكل جيشها أساسًا من الأمازيغ، ولجأت العديد من الأسر إلى العدوة بعد أن صارت الأندلس تابعة للدول المغاربية.
ثامنًا- أسطورة الأندلس:
أثار العصر الأندلسي الكثير من النقاشات والمواقف: فالاستغرافية الكلاسيكية تقول إنه يجب أن يتم إدماج هذه المرحلة من تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية في خط استمرارية يمتد من مرحلة الرومنة إلى حين توحيد المنطقة على يدي الملكين الكاثولكيين. فليست الأندلس سوى حدثًا بسيطًا يجب أن تمحى ذكراه من الذاكرة.
مع مطلع القرن 18م، انطلقت أول محاولة لاستعادة الماضي الأندلسي. فقام بعض الباحثين بتصنيف المخطوطات العربية في الإسكوريال ونشر ترجمة لكتاب “ابن العوام” عن الفلاحة. كان الهدف من ذلك العمل هو إعادة الحياة للقطاع الفلاحي. إلا أن تلك المحاولة توقفت بسبب حرب الاستقلال. خلال القرن 19م تجدد الاهتمام بهذه المرحلة التاريخية المنسية ولم يتحقق بشكل كامل إلا مع نهاية القرن عندما قام المستشرقان “فرانسيسكو كوديرا” و”جوليان ريبيرا” بالدفاع عن أحقية تلك المرحلة بالدراسة. فكانت المقاومة لفكرهما شرسة في الوسط الأكاديمي، باعتبار أن المرحلة كانت عاملاً “مشوشًا” في التاريخ الإسباني إذ تسبب في عزل إسبانيا وأعاق تطورها الطبيعي.
توضح الباحثة العلاقة بين نظام سياسي ديكتاتوري وبين النظرة الأحادية عن الماضي الإسباني. وبعد انتهاء هذا النظام أصبح اليهود والموريسكيون والأندلسيون والمضطهدين في التاريخ، مواضيع متميزة للبحث العلمي. في إطار الانتقال الديمقراطي، صارت الأندلس ميراثًا قيمًا. وعن هذه النظرة الأسطورية نتجت مسألتين:
– صورة عن الأندلس باعتبارها مجتمعًا للتسامح والتعايش بين الحضارات الثلاث بهدف القول بأن تاريخ إسبانيا لم يكن كله تاريخ تسلط، وأنه يوجد في الماضي مثال يمكن اتباعه.
– ما يسمى فن العيش الأندلسي أي الأندلس مجالاً للمتع والسعادة، الذي يشكل النموذج المفضل لأناس المجتمع الحديث: روائح العطور والحدائق الغناء والموسيقى. وذلك لترضية تطلعات أفراد العصر الحالي.
تقول الباحثة إن التسامح مفهوم حديث نسبيًّا ارتبط بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكن هناك حاجة إلى هذه الأسطورة في الوقت الحالي، حيث عودة الحروب الدينية والعنصرية إلا أن الحقيقة التاريخية تبين أن العادات الراقية كانت امتيازًا لأقلية اجتماعية ولم تكن عامة لكن تقديمها بالشكل المذكور أعلاه جاء ليخدم إسبانيا الحالية.
تاسعًا- دراسة المنهج التوثيقي لكتاب الأندلس والأندلسيون:
1 – أسلوب ومنهج الباحثة:
تميز الكتاب بأسلوب علمي رصين حيث لا تدلي مؤلفته بأي حكم إلا بعد أن تقدم الأدلة العلمية عنه وتطرح مختلف وجهات نظر الباحثين حوله. وقامت بتحليل عدة قضايا تمس الموضوع منها: النقاش الحاد بين أهم فلاسفة التاريخ الإسبان خاصة “سانشيس ألبورنوث” و”كاسترو”.
تتميز الدراسة كذلك بتوثيق هام يتضح من خلال لائحة الببليوغرافيا التي تشمل أسماء كبار المتخصصين أمثال: كيشار وليفي بروفنصال
تشمل تعليقاتها آخر الكتاب على نصوص مترجمة من مصادر تقليدية اطلاعها على أمهات المصادر الخاصة بالتاريخ الأندلسي. فسردت حياة مؤلفي تلك المصادر ووصفت الظروف العامة التي عاصروها.
قدمت المؤلفة مختلف النظريات والآراء حول القضايا والإشكالات التي عالجتها قبل أن تتخذ أي موقف منها، مما يدل على حيادها وجرأتها لعرض كل ما قيل حول مواضيع كتابها وإن كانت معارضة لما تتبناه.
فيما يخص المنهج، وقع اختيار المؤلفة على المنهج المقارن عندما تستعرض وتقارن بين نظريات مختلفة قبل أن تبدي رأيها أو تجزم حول قضية معينة، كما هو الحال حول عدد ودور العرب الفاتحين. فتقدم آراء “بيير كيشار”، “سانشيس ألبورنوث… وظفت أيضًا منهجًا بنيويًا عند دراستها لمكونات المجتمع الأندلسي فكان تصورها له ناجحًا وواضحًا باعتبار البنية المعقدة لذلك المجتمع: عرب، بربر، عبيد…
تتمثل الأطروحة المركزية للكتاب في تحديد المفهوم الحقيقي للأندلس والتحولات التي شهدتها المنطقة بعد الفتح على كافة المستويات، إضافة إلى توضيحها احتفاظ الفاتحين بخصوصياتهم الإثنية والقبلية رغم قلة عددهم، مع حضور واضح للتأثر المشرقي بالأندلس من خلال حمل اسم نسب القبيلة والاحتفال بالأعياد.
وضحت العوامل التي مكنت العرب من فرض هيمنتهم على السكان المحليين للأندلس رغم قلة عددهم، مقابل كثرة الأولين مجيبة عن السؤال الذي فجر النقاش بين الباحثين طويلاً: ما هو سر نجاح المسلمين العرب في فرض سيطرتهم على الأندلس؟. أجابت عن ذلك بقولها: “إن الأصل العرقي والانتماء الديني كانا هما العنصران الأساسيان في تحديد الهوية الفردية والجماعية في الأندلس”.
2 – مصادر مانويلا:
يتضح من خلال الكتاب تعرف الباحثة على الدراسات الإسبانية والفرنسية المتعلقة بالتاريخ الأندلسي أمثال “بيير كيشار” و”فيرنيت” و”ليفي بروفنصال” و”مورينو… وما يدل على تبحرها في التاريخ الأندلسي هو استغلالها جملة من أمهات المصادر العربية مترجمة للفرنسية أو الإسبانية مثل “صورة الأرض” و”ذكر فضل الأندلس” و”فرجة الأنفس”.
3- مصداقية الباحثة:
رغم اختلافها في الكثير من النقط مع كبار المؤرخين المختصين، نجد “مانويلا” متأثرة بالبعض منهم أو تعمل على تطوير بعض أفكارهم مثل القول بحضور المؤثرات الشرقية بالأندلس كان قد تطرق لذلك “بيير كيشار” و”ليفي بروفنصال”.
انتقدت الباحثة قول “غارثيا غوميث” القائل بأنه: “ليس هناك في كل تاريخ إسبانيا المضطرب تغيرًا أكثر مباغتة ولا منعطفًا أكثر حدة من الغزو العربي”. وذكرت العديد من المؤرخين الذين يتفقون مع “غوميت”. بينما تعتبر الباحثة أن الإسلام كان عاملاً موحدًا بين مختلف المؤثرات الإثنية مبرزة دور الفاتحين في تطوير المنطقة على كافة الأصعدة.
4 – مدى ارتباط المضمون بالعنوان:
إذا كان من أبجديات البحث العلمي عكس عنوان الكتاب لمضمونه فقد التزمت الباحثة بهذين العنصرين:
– الأندلس: تحدثت عن أصل التسمية والتحديد الجغرافي لها وعن دوافع تفضيلها لهذا الاسم عن غيره مثل إسبانيا الإسلامية.
في الفصل الخامس تناولت علاقة الأندلس بالدول الإسلامية-المتوسطية، وفي الفصل الأخير تطرقت لأسطورة الأندلس.
– الأندلسيون: هو الشطر الثاني من العنوان. ناقشت في الفصل الثالث البنية الاجتماعية للأندلس، مبينة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكل مكون إثني وأماكن استقراره والتحولات السياسية التي عرفها.
5 – أهمية الكتاب:
جاء الكتاب ليغني المكتبة الأندلسية خاصة وأن “مانويلا” تعتبر من الباحثين المتخصصين فيه. تتضح أهمية المؤلف في تصحيح ومراجعة بعض المفاهيم والقضايا مثل الاستعمال الخاطئ لإسبانيا للدلالة على الأندلس سابقا. فالمصطلح الأول لم يكن يعني شبه الجزيرة الإيبيرية. مستعملة أسلوب الإقناع والتوضيح والاستدلال بل والمساءلة، وذلك من خلال عرض الآراء المتناقضة ومناقشتها قبل الخروج باستنتاجها الخاص والمقنع. نفس الأمر مع القول بثمانية قرون من الوجود الإسلامي بالأندلس. بينت أوجه الخطأ في استعماله إذ أن الحكم الإسلامي لم يبق في كل الأندلس طيلة نفس المدة. فقد سقطت كل مدينة في فترة مختلفة عن الأخرى، وبقيت غرناطة لمدة تناهز الثلاثة قرون بعد سقوط كل المدن الأندلسية الأخرى.
انتقدت المؤلفة الاستغرافية الرسمية ودعت للحذر عند التعامل معها لكونها كتبت في الأصل لمدح السلطان، موضحة أهمية علم الآثار وكتب التراجم والنصوص الفقهية.
إذا كان كل ما سجلته سابقًا يبين مدى تمكن المؤلفة من تقنيات البحث التاريخي العميق، فقد سجلت بعض المآخذ عليها والتي لا تنقص من مجهودها وقدراتها منها:
أ- عدم إيراد المقدمة، فلا يخفى على أحد أهميتها في أي بحث إذ تقدمه وتشرح منهجيته ودوافع تأليفه.
ب- عند سرد المؤلفة للائحة الببليوغرافيا، نجد المؤلفة تعتمد على كبار المتخصصين في التاريخ الأندلسي، إلا أنها لم ترد المصادر العربية رغم أنها ختمت دراستها بنصوص منها مترجمة ثم تعليقات عليها.
ت- إسقاط مصطلحات حديثة كالجمعيات والمؤسسات على الفترة التي درستها. فأوروبا نفسها لم تعرف بروز تلك المؤسسات إلا بعد كفاح طويل لشعوبها وبلوغهم درجة من الوعي مكنتهم من التفكير في إنشائها. فنعلم دور المسجد في تلك الفترة لحل مشاكل المسلمين إلى جانب دور الإسلام كعنصر موحد بين مختلف مكونات المجتمع الأندلسي والذي كان تأثيره بارزًا ليس على مستوى العبادات فقط، بل كذلك على المستوى الاجتماعي فضلاً عن الدور الحاسم للقاضي في حل الخلافات.
تاسعًا- دراسة نقدية لمضمون الكتاب:
1 – نقط الاتفاق:
– حول ظاهرة الزواج المختلط: قدمت الباحثة نماذج عن الزواج المختلط بين المسلمين وغير المسلمات، كزواج الوالي “عبدالعزيز بن موسى بن نصير” من “إيخيلونا” أرملة “لذريق” التي عرفت في المصادر العربية باسم “أم عاصم”.
– حول دور العرب بالأندلس: تبين “مانويلا” أهمية العرب داخل الأندلس واحتفاظهم بخصوصياتهم ورفض التصور القائل بابتلاعهم.
– حول التعايش بين سكان الأندلس:
تقل المصادر المتحدثة عن وضعية أهل الذمة بالأندلس وعلاقتهم بالمسلمين، ويتحفظ الغربيون من الاستشهاد منها. كما كتب عن هذا الموضوع من وجهة نظر واحدة ذات طابع تعصبي.
لذا ينفي الكثير من الدارسين مثل “دوزي” اتباع الدول التي حكمت الأندلس سياسة التسامح مع أهل الذمة بدء بالأمويين وانتهاء ببني الأحمر.
أرى أنها نظرة مجحفة، فرغم وجود تشدد أحيانًا في تعامل بعض حكام الأندلس تجاه أهل الذمة، إلا أن العديد منهم تمكن من فرض وجودهم والوصول لمناصب عالية مثل الوزارة كابن النغرالة لدى حكام بني زيري.
– دور اللغة العربية وحركة التعريب: فتعلم اللغة العربية كان وسيلة للرقي الاجتماعي والتقرب من الطبقة الحاكمة، كما وجدت لغة أندلسية متميزة لا هي رومانية خالصة ولا عربية خالصة.
– حول دور الأمازيغ: أتفق مع الباحثة حول الدور الهام الذي لعبه الأمازيغ وامتلاكهم لقدرات هائلة أتاحت لهم الوصول للسلطة مثل بني زيزي في غرناطة. من أبرز حكامهم “عبدالله بن بلقين و”بني هود” في قرطبة. برز فيهم “القاسم بن هود” وأخيه “تميم”.
– حول دور العبيد: تطرقت المؤلفة لأصول العبيد ودورهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالأندلس.
2- نقط الاختلاف:
– حول قلة المصادر عن الزواج المختلط: إلا أننا نجد عدة مصادر تشير لذلك منها:
– البيان المغرب لابن عذاري الجزء الثاني تحقيق “ليفي بروفنصال” و “ج. كولان” ص ص 23-50-91-252
– الأخبار المجموعة لمؤلف مجهول تحقيق لافونتي ص 20
– نفح الطيب للمقري المجلد الأول ص 263
– تاريخ افتتاح الأندلس لابن القوطية تحقيق ريبيرا ص 6
تتضح إذن أهمية الكتاب لدراسة التاريخ الأندلسي والمجهود الذي بذلته مؤلفته.
(المصدر: مجلة “فكر” الثقافية)