عدنان إبراهيم صاحب التخبيص والتدليس
بقلم د. صالح الرقب
من مزاعم المدعو عدنان إبراهيم وقد تأثر بها بعض الشباب المغفلين: أهل الكتاب اليهود والنصارى إذا آمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، يكفيهم ذلك ولو لم يتبعوه.
من تخبيصات عدنان إبراهيم التي يخالف بها صريح القرآن الكريم أنه قال في شريط: إن أهل الكتاب اليهود والنصارى إذا آمنوا بنبوة محمد، صلى الله عليه وسلم، يكفيهم ذلك ولو لم يتبعوه، إذ لا يلزمهم ذلك، وقوله مخالف للنصوص التي حث الله جلَّ وعلا فيها على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ جداً، ومنها: قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}. ورتب الفلاح على اتباعه فقال تعالى: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف:157.
واليهود لما خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذَّبوه، ولم ينقادوا لشريعته، أخبر الله عز وجل أن قلوبهم مختلفة، والعداوة واقعة بينهم دائماً، لأنهم خالفوا شريعة الحق، ولم يتبعوا ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) المائدة:64. والنصارى بتركهم بعض ما ذُكّروا به من شريعتهم، وتكبرهم عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم كانت عاقبتهم كعاقبة إخوانهم اليهود، قال تعالى:(وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) المائدة:14.
وأقول لعدنان إبراهيم صاحب التخبيص والتدليس إذا آمن أهل الكتاب بالنبي، عليه الصلاة والسلام فبأي شريعة سيلتزمون، وإلى أي أحكام شرعية سيحتكمون؟!! وما هي العقائد التي يؤمنون بها، وما هو الكتاب الرباني الذي سيتلونه حق تلاوته، ويقفون عن حدوده، والالتزام بشرائعه وأحكامه.
كيف يكفيهم الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وعقائدهم مليئة بالكفريات والخرافات، والأساطير، ودينهم قائم على العنصرية والقتل والإرهاب.
وما فائدة قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ) آل عمران:19. وقوله: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران:85.
لقد بعث الله عز وجل محمداً، صلى الله عليه وسلم، رحمة للعالمين ومهيمناً على النبيين الذين سبقوه، وناسخاً لجميع الشرائع والملل السابقة، كما أن القرآن الكريم ناسخ لجميع الكتب السماوية التي نزلت من السماء، ولذلك فببعثته عليه الصلاة والسلام لا يحل لأحد أن يزعم أنه تابع لموسى أو لعيسى أو لغيرهما من الأنبياء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بمجرد بعثته قد نسخ جميع الشرائع، وليس في وسع أحد من الأنبياء لو كان حياً إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لعمر رضي الله عنه لما وجد في يده صحيفة من التوراة: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني)، وسينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان، ويكون فرداً من أفراد الأمة الإسلامية، سيكون تابعاً للنبي عليه الصلاة والسلام، فيدعو بالقرآن والسنة. فإذا كان أنبياء الله موسى وعيسى عليهما السلام ما وسعهم إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يسع اليهود والنصارى كما زعم صاحب التخبيص والتدليس عدنان إبراهيم. ثم إذا آمن اليهود والنصارى بنبوة محمد النبي، صلى الله عليه وسلم، أليسوا محلا لخطاب الله تعالى للمؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم) محمد:33. فالآية بينت أن عدم اتباع المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم، ومخالفة أمره يؤدي إلى بطلان أعمالهم وإيمانهم. ألم يقرأ قوله تعالى: (قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) آل عمران:32. لقد حكم الله بكفر قوم ممن زعموا إيمانهم بنبوة محمد ثم لا يطيعوه، ويتولوا عن طاعته. وقال تعالى: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف:158، فالله تعالى حصر الهداية في إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أن من لا يتبعه فإنما يتبع هواه، فقال: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) القصص:50.
وأما استدلاله بقوله تعالى: (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) آل عمران:113. فحجة عليه، فالله تعالى ذكر قبلها: (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران:110، ثم بين بأن الفريقين “ليسوا سواء”، فأهل الإيمان منهم ليس كأهل الكفر سواء. يعني بذلك: أنهم غير متساوين. يقول: ليسوا متعادلين، ولكنهم متفاوتون في الإيمان والكفر، وفي الصلاح والفساد، والخير والشر. فالأمة القائمة منهم هم المؤمنون الذين يتلون القرآن الكريم، وهذه الآية والتي قبلها، أي الآيات الثلاث، نزلت في جماعة من اليهود أسلموا فحسن إسلامهم.
وأما استدلاله بقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة:62، فحجة عليه أيضا فالآية الكريمة بيان لمَنْ أَحْسَنَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَأَطَاعَ، فَإِنَّ له جَزَاء الْحُسْنَى، وَكَذَلِك الْأَمْر إِلَى قِيَامِ السَّاعة؛ كُلّ مَن اتَّبَعَ الرَّسُول النَّبِي الْأُمِّيَّ فَلَهُ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلا هُمْ يَحْزَنُون. والآية اشترطت مع الإيمان بالله واليوم الآخر عمل الصالحات، ومعلوم أن الصالحات ما هو مرضي من الله تعالى، وهذا لا يتحقق في زمانهم إلا باتباع النبي المرسل إليهم بشريعة الله، وفي زماننا لا يتم ولا يتحقق إلا باتباع شرع النبي محمد، صلى الله عليه وسلم.
إن مما ذهب إليه صاحب التخبيصه من الغرائب والعجائب، ومن الأقوال الشاذة الخارجة عن إجماع المسلمين ولصراحة العقل، والفطرة السوية. قال الله تبارك وتعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) الفرقان:43.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)