عباقرة الفكر الإسلامي في عصرنا
بقلم الشيخ محمد خير رمضان يوسف
أكبر مفكر إسلامي، أحدث أكبر تأثير في الحياة الثقافية الإسلامية في عصرنا هو الأستاذ “سيد قطب” رحمه الله، الذي بدأ أديباً حتى لمع نجمه، ثم انتقل إلى حياة الجد والدعوة والجهاد، فانتمى إلى مدرسة الإمام حسن البنا، وشغف بمنهجه حتى الأعماق، وصار مفكرًا ومنظِّراً للدعوة، ثم أعلى مقامه أكثر بتفسير كتاب الله عز وجل، الذي ما إن يقرؤه المرء حتى يعجب من ثقافته الإسلامية والموسوعية الشاملة، ومن استنتاجاته وأفكاره وتحليلاته، وكلها تحرِّك العقل وتغور في أعماق الفكر، مع حلاوة الإيمان، وبيان عظمة الإسلام، وأسلوب أدبي مشوِّق. وكتبه متوفرة ومنتشرة ومترجمة إلى عشرات اللغات، ومن لم يقرأ له فكأنه لم يولَد! أو أنه ليس من عصرنا! أعني أنك قد لا تجد مثقفًا مسلمًا لم يقرأ له، فهو العلامة الفارقة في هذا الزمان.
ثم يأتي العلامة “أبو الأعلى المودودي”، مؤسس الجماعة الإسلامة في باكستان، ومجدد الإسلام فيها، وباعث النهضة الفكرية والإسلامية في أنحاء من العالم، الذي ما إن تقرأ له حتى تسلِّم بأنه فيلسوف الإسلام ومفكر لا ينافَس، ومنظِّر لا يُغالَب، وشجاع لا يهاب بطش الجبابرة والمستكبرين، أعلى مقامَ الأمة بكتاباته العلمية المنطقية المليئة بالأدلة والحجج القاطعة والمقنعة، التي لا يكاد يقرؤها أحد حتى يسلِّم بها، ويستسلم لها، ويعترف بعبقرية صاحبها، وإمامته في الفكر والثقافة المعاصرة.
وثالثهم العلامة “أبو الحسن علي الحسني الندوي” رحمه الله، رئيس ندوة العلماء بالهند، الذي جمع إلى علمه الغزير أدباً جماً، وفكراً ناشطاً، والتزاماً بالإسلام كما عرفه أهل السنة والجماعة، لا يحيد عنه، ولا يترفع على أحد منهم، بل يحسب نفسه خادماً لهم، وهو في قدر رفيع، ومكانة سامية، وهيبة وعلم، وكأنه مدرسة بنفسه، جعل حياته كلها للدعوة والتربية، ونشر الفكر الإسلامي الملتزم.
ثم يأتي الشيخ “محمد الغزالي” رحمه الله، الذي كان قمَّة في النشاط الإسلامي: دعوة إليه، ومنافحة عنه، وتكريساً لأحكامه. وكان ناراًَ على أعدائه، مع عزَّة في النفس، هي عزَّة المؤمن على الجاهلية والجاهليين، ونفسٍ عصامية تقدر أن تعيش وحدها في الحياة، إذا كانت هي وحدها على الحق، وكانت كتبه منارة بيضاء، وشعلة ضياء في هذا العصر، للمسلمين عامة، وللمتكلمين بالعربية خاصة، وقد وجدوا فيها جميعاً الجديد والمفيد، والتنبيه إلى المكائد التي تكاد للإسلام والمسلمين، مع شجاعة في طرحها وكشف أصحابها، وقوّة فكر وأصالة، وذكاء وحجَّة في معالجتها والرد على أهلها، من المستشرقين والملاحدة والعلمانيين، الذي يعادون الإسلام وهم بين أهله، ويريدون إقصاءه من منهج الحياة في أرضه. لقد كان قذيفة حقٍّ مثل كتابه “قذائف الحق” {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [سورة الأنبياء: 18]. وقد خاض معارك لأجل ذلك، وانتصر بانتصار الإسلام وعلوِّ حجته.
ويأتي بعد هذا آخرون من المفكرين الإسلاميين المعروفين، بمدارسهم وأساليبهم الخاصة والعامة في هذا العصر، منهم الشيخ “محمد متولي الشعراوي” رحمه الله، الذي أعاد حلاوةَ الإيمان إلى القلوب بعلمه الفائض وأسلوبه المتميز في الدعوة، وفي تفسير كتاب الله عز وجل، حتى غدا حديث الساعة، وقصة الناس في مجالسهم.
ولن يُعدم الحديث عن مفكرين عظماء آخرين في بلاد الإسلام، مثل العلامة “عبدالحميد بن باديس” باعث النهضة الإسلامية في الجزائر المجاهدة، ورئيس جمعية العلماء المسلمين بها.
و”مالك بن نبي” رحمه الله، الذي جابه حضارة الغرب بعظمة حضارة الإسلام، واحتجَّ بالدين والعقل والثقافة في مجابهة أعداء الدين، وبيَّن قوة الإسلام وعدالته في النطاق المعرفي والخلقي والاقتصادي..
ومن عظماء الفكر الإسلامي من الأحياء (وأنا أكتب هذا المقال) العلامة “يوسف القرضاوي”، الذي فرض نفسه شخصية عالمية بقامته الإسلامية الفارعة ودعوته العالمية، والذي جمع بين الأصالة والمعاصرة، فكان فقيه الأمة ومفكرها ورافع رأسها بين الأمم، وصار يضاهي القادة والرؤساء في شهرتهم وحضورهم، وخاصة بعد أن أسس واعتلى رئاسة “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، بل إن شهرته فاقت شهرتهم واعتبر أكبر شخصية عالمية في إحدى السنوات، وأحد الشخصيات المهمة والمؤثرة في العالم كله، وكتبه متوفرة، وهي ناطقة بعلوِّ كعبه في الدين والعلم، وبثقافته العالمية، واطلاعه الواسع على السياسة العالمية، وحكمته وصبره في معالجة الأمور مهما كانت معقدة ومستعصية، ومؤثرة وحساسة، وقد خاض معارك مع الغرب، ومع الملاحدة والعلمانيين كذلك، والفِرق وما إليها، والله يحفظه ويعزَّ الإسلام به وبأمثاله، من الذين يخلصون لله وحده، ولا يشركون بربهم أحداً.
ومنهم المفكر الإسلامي المعروف “محمد عمارة”، الذي تشهد له كتاباته بأنه كاتب إسلامي عبقري لا يُجاري، ومدافع قوي عن الإسلام ومبيِّن أصوله وثقافته، ومعلم للناس مبادئه وأهدافه وغايته، ولا تكاد تبرز آفة من آفات الغربيين والعلمانيين ضد الإسلام حتى تراه يبادر إليها ويجابههما بعلمه الجمّ وفكره الحي النابض، فيفنِّدها ويفتِّتها، ويُحيل كتل الشبهات إلى ما لا يؤبه به، يستحضر من خلالها الشواهد من الكتاب والسنة بأسهل وأجمع ما يكون، مع مقارنات أديان واطلاعٍ على الفرق والأفكار والأحزاب والاتجاهات المعاصرة بأنواعها الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويصدر كثير من الكتَّاب المسلمين عن هذه الإجابات.
و”طارق رمضان” بفكره الإسلامي الناضج والمتطور، وفلسفته الإسلامية القوية، وعبقريته في طرح الإسلام منهجًا للحياة، وثقافةً لا يعلو عليها فكرٌ أو ثقافة… ويكفي أنه فرض طروحاته الإسلامية لتنافس وتقارع أكثر الثقافات والأفكار شيوعًا، وجعل الغرب كلَّه يستمع إليه، وصار أحد أهم الشخصيات المؤثرة في الفكر العالمي! ومن خلال قوة شخصيته الثقافية، وأمثاله، وجهود المراكز الإسلامية في الغرب في الدعوة إلى الإسلام، شكر “البابا” المسلمين، لأنهم أعادوا الدِّين إلى الغرب!
وهناك من هو مفكر إسلامي بحق، وقد يكون أكثرَ من واحد، ولكنه أثنى مرات على حاكم ولغ في دماء المسلمين، وحكم بالحديد والنار، وكتم أنفاس شعبه، وظلم وقهر، وطغى وتجبر… فأستحي أن أذكره مع عظماء الإسلام وعباقرته، وإن القلم لا يطاوعني أن أشيد به معهم، وأدعو الله أن يغفر لي وله.
والخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى آخر لحظة في هذه الحياة.
وتأتي قائمة طويلة بعد هؤلاء، وكأنهم جميعاً يغترفون من إنائهم، بل هم جميعاً يغترفون من منبع واحد، هو بحر الإسلام العظيم!