عام بعد السابع من أكتوبر
مهام تنتظر من يقوم بها
بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)
مع حلول الذكرى الأولى لغزوة السابع من أكتوبر المباركة، والتي أحدثت انقلابا ايجابيا عميقا في نفسية الإنسان العربي المسلم وأخرجته من حالة اليأس والقنوط واللا جدوى التي وسمت نفوس جانب كبير من أبناء الشعب العربي، وهم يرون العدو الصهيوني يتوغل في مفاصل أمتنا عبر اتفاقات التطبيع وخطاب النصر الذي أعلنه رئيس وزراءه نتنياهو في الأمم المتحدة قبل أيام من الطوفان معلنا فيه انتهاء القضية الفلسطينية وشطب فلسطين من الخريطة وبداية عهد السلام العبري بالشراكة مع الحكومات العربية وكل من يسير في ركابها من أذناب المستعمرين من اقتصاديين ورجال أعمال ومفكرين ومثقفين وغيرهم ممن باعوا دينهم وتاريخهم وأخوتهم في الدين والعروبة بثمن بخس.
وعلى الرغم من هذا الانقلاب الإيجابي وما تلاه من انتشار للأمل وبروز لروح الجهاد والمقاومة والتضامن والتراص الإيماني الذي شهدناه وما زلنا نشهده من تبرع بالمال والدم والدعاء المستمر والكتابة وإعلان الرأي بكافة أشكاله وفي كافة وسائط التواصل والإعلام، إلا اننا بعد عام من هذا النصر المبين نحتاج أن نقف مع أنفسنا وقفات نقيم فيها وقائع عام مضى وآثار تلك الغزوة المباركة من كافة جوانبها، لنقف على حقيقة الواقع الذي نتحرك عليه غدا ومتغيراته التي أنتجها الطوفان.
فهكذا علمنا القرآن المجيد ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فالقرآن بعد كل غزوة كان يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام كان يتنزل على قلب رسول الله معلما المسلمين عبر تلك الغزوة سواء كانت انتصار فلا يغتروا بقوتهم ولا بالنصر ويأخذوا حذرهم ويستعدوا لما بعدها كامل الاستعداد، أو إن كانت هزيمة فيعلمهم أن الحرب سجال والأيام دول فلا يهنوا ولا يحزنوا لأنهم الأعلون دائما بإيمانهم. ولرسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة حكمة كان يقولها لأصحابه بعد الغزو تلخص غالب ما يود هذا المقال توصيله، كان يقول صلى الله عليه وسلم: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
وإذا كانت كتائب المجاهدين في فلسطين والتي تقف منذ عام كامل صامدة في وجه العدوان الصهيوني المتدثر بالدعم الغربي والعربي دونما تراجع ولا انهزام تحتاج إلى تقييم لحصيلة هذا العام بكل إيجابياته وسلبياته كما كانت تفعل دوما طوال عقود من انطلاق الجهاد في أرض الرباط؛ وهو مما لا يدخل في موضوع مقالنا ونسأل الله لهم التوفيق في التقويم وتجديد العهد مع الله بالوقوف على الثغرات يسدونها والثغور يملأونها والأخطاء يتداركونها والنجاحات يستزيدون منها وقبل ذلك وبعدها تجديد العزم واعداد كل ما يستطاع من قوة ومن رباط استعدادا لحرب طويلة مع أعداء الأمة.
فإننا نحن الذين على ثغور المرابطة في كل بلد عربي علينا واجبات ثقال ونتحمل تبعات كبيرة علينا القيام بها إسنادا للمجاهدين وفاء بحق عهدنا مع ربنا وميثاق اخوتنا ومهمات دعوتنا الإسلامية وواجبات الجهاد في سبيل الله لتحرير الأرض والدفاع عن أعراض وأنفس المسلمين التي يستبيحها العدو الصهيوني وشركائه دون رادع.
فبجانب أدوارنا الكثيرة في جانب المساندة المعنوية وبث الأمل بل وتربيته تربية في نفوسنا ونفوس أبنائنا والتبشير الدائم بالنصر على أعداءنا والتذكير بمبشرات النصر من عند الله ورفع الروح المعنوية لأبناء الأمة ودحر فلول المخذلين والمثبطين والناشرين لليأس والمشنعين على المجاهدين المقللين من قيمة ما أنجزوه، بجانب ذلك كله وهو مطلوب دائما، علينا أن نتحمل مسئولية الكلمة: ” لتبيننه للناس ولا تكتمونه” ببيان جوانب النقص في أدوارنا خلال هذا العام، ومعالم التقصير الذي وقعنا فيه جمعيا وعلينا تداركه حتى يستمر النصر ويكتمل وعي الأمة وتبدأ في شق طريقها نحو التحرير الكامل وتقدمها المنشود نحو التمسك بإسلامها علما وعملا وعاطفة.
لذلك فإننا في هذا المقال نعرض لبعض جوانب من النقد الذاتي والجماعي لأخطاء وقعنا فيها جميعا وخطوات لم نخطوها بالرغم من ضرورتها وحتميتها لتحقيق النصر، ومؤسسات ما زالت غائبة وأولويات لم ترتب في ترتيبها الصحيح. فالحقيقة والواجب الديني والوطني والقومي يقتضيان منا وقفة هادئة عقلانية لتقييم غزوة الطوفان بعد عام مضى.
أولا ماذا فعلنا بالوعي العائد؟
أحدثت غزوة الطوفان ثورة في الوعي العربي المسلم، لدى جميع الأعمار من الرجال والنساء والشباب والولدان، فماذا فعلنا بهذا الوعي؟ هل تم الاستفادة من تلك النعمة في العمل على رعاية هذا الوعي وتنميته وتقويته ليزداد صلابة ومتانة، ولا يكون مجرد رد فعل عاطفي ينتهي مع انتهاء الحرب؟ وهل وجدت لنا مقاييس علمية لمتابعة نمو هذا الوعي أو تراجعه، وما هي أهم مظاهر ذلك كله؟ هل بدأت دراسات تسأل كيف رأى العرب تلك الحرب بكافة أطيافهم؟ وكيف يمكن الاستفادة منها لتطوير وعيهم وتحويله إلى أفعال دائمة تصب في صالح القضية في فلسطين وقضية بعث الأمة كلها من جديد؟
هل توجد دراسة تبين كيف تصوروها، ما هي الوقائع والأحداث التي عززت خيالهم وألهبت شعورهم؟ ولماذا؟ وكيف يمكن الاستفادة من ذلك في إنتاج مواد علمية وتعليمية ودعائية تجعل الوعي صاحيا على الدوام لدى كل شرائح الأمة المختلفة؟
هل وجدت الدراسات والتصورات والرؤى والمؤسسات التي تجعل همها وشغلها الشاغل أن تجعل كل عربي مسلم يدرك أن معركتنا مع الصهاينة المستوطنين السارقين للأرض معركة رباعية: جهادية حربية، وسياسية دبلوماسية، واقتصادية وثقافية وكلها ترتبط بالأخرى ارتباط الجنين بالأم كل واحدة منها تتطلب منا مجهودا متواصلا، وأنها بدأت منذ أكثر من قرن وربع قرن؛وانتصرت وانهزمت وتقدمت وتعثرت وكادت تندثر ثم بعثت من جديد ويكأنها بدأت للتو ولتستمر طويلا، وان يدرك دوره فيها في اطار امكاناته المتاحة؟
ثانيا: دراسة كل ما يتصل بالمجتمع الصهيوني والمستوطن الصهيوني
لقد دفعنا ثمنا باهظا للجهل بعدونا ومازلنا ندفع هذا الثمن الباهظ في التهويل من شأن هذا العدو أو التوهين منه، وكلاهما ضار قاتل بكل عمل جهادي غايته التخلص من هذا الورم السرطاني في جسد الأمة.
فبعد قرن وربع من المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا والذي وضع نواة التنظيم الصهيوني، واقترح مؤسساته الأولية لغزو فلسطين، ها نحن نرى أمامنا كيان ذا أهداف واضحة أجمعت عليها سائر قواه المستعمرة ولديه استراتيجية واضحة لحاضره ومستقبله وخطوات تحقيقها والمؤسسات التي تقوم بذلك والتنسيق بينها.
إن الصهيونية التي أعلنت برنامج بال ونظمت العمل لتحقيقه وحولته وسهرت على تطوره ما زالت تعمل وراء الكيان اللقيط لتكمل تحقيق أهدافه من العراق إلى السويس ولتكون رأس جسر بدلا من وتد بكلمات أبا ايبان منذ أكثر من سبعين عاما.
وإن وراء كل خطوة من خطوات الصهيونية فكرا عميقا ومرمى بعيدا، وعامل الزمن ضد من يحلم ولا يعمل، والعمل لا يقابل إلا بالعمل، إننا أمام برنامج استعماري جديد تكون فيه الكيان رأس جسر للقوى المستعمرة مع الحكومات العميلة للصهاينة فيه أهداف تتعلق بتثبيت وتأمين وجودهم بالهجرة والتهجير من ناحية مقابل تأمين عروش الحكم وتأمين نقل الثروات للغرب ليحافظ على ترفه على حساب أمتنا.
فكيف واجهنا وسنواجه ذلك كله؟وهل بعد عام من الطوفان يمكن لكل باحث أو مؤسسة إسلامية أو حركة إسلامية أن تواجه. نفسها بالإجابة على هذه الأسئلة؟
–أين عملنا نحن في المجالات المختلفة كما يعمل كل صهيوني داخل وخارج الكيان؟
–موضوع الهجرة من وإلى الكيان أين هو من أجندة العاملين للإسلام؟ فالكيان يضيق بسكانه اليوم فكيف بالغد؟ وأين سيتوسع؟ وكيف؟ ومن سيساعده؟ وبالنسبة لطلائع الهجرة اليهودية من افريقيا وأمريكا الجنوبية الذين يعدون الآن للعودة إلى أرض اسرائيل ليدافعوا عنها، هل نعلم عنهم شيئا وعن تعصبهم وعن تدربيهم ومهاراتهم ومن منهم سيزرع بيننا؟
للكيان مؤسسات علمية ومجالس استشارية حقيقية وخبراء في كل المجالات وقفوا أنفسهم على الدرس والبحث في جميع نواحي الحياة الصهيونية والعربية بقصد ادخال التحسين الفني والكمي عليها، فكم عدد من يتفرغون تماما ويوقفون أنفسهم لدراسة المجتمع الصهيوني بعمق ليخبرنا عما فيه من قوة أو ضعف؟ هل بدأنا فعلا في دراسة علمية موضوعية عن مجتمع الصهيوني الاقتصاد والمجتمع والسياسة والحرب والبحث العلمي؟ أين المال المسلم اين التطوع بالوقت او انفاق الوقت والجهد ووقت الفراغ؟
وهل قام رجال المال والأعمال، وقبلهم الفقهاء بالفتوى فيما يخص التبرع بالمال زكاة وصدقات وغيرها لعمل وقفية مالية قادرة على توفير عدد مناسب من الباحثين الأكفاء للقيام بتلك الدراسات التي أصبحت واجبا مؤكدا وفرض عين على كل قادر بالمال والعلم والتنظيم؟
عن تربية الأجيال الجديدة
إنهم في هذا الكيان ينشئون الأطفال تنشئة عسكرية عنصرية حاقدة على العرب والمسلمين ويستعينون على هذا الغرض بجميع الوسائل التي تملكها الدولة، والأغنياء منهم يبذلون ملايين الدولارات في سبيل ذلك، إنهم يطبعون كل شيء بطابع الروح العسكرية: روح الغزو والفتح وكل شيء في الكيان مسخر لخلق أمة محاربة فماذا عنا نحن؟
فهم يعلمون تمام العلم أن الشعب هو الفيصل في نتائج الحرب، وانظر لشعبهم في توحده وراء جيشه بل هو جزء منه وقارن ذلك بشعوبنا في تفرقها حول مجاهديها، ففي كل عمل اقتصادي وبكل مشروع إنشائي، وفي كل مدرسة وجامعة ومنتدى ومؤسسة فنية أو اجتماعية توجد نواة هدف عسكري.
هل المدارس الثانوية والجامعات عندنا تعد طلابها لشغل مراكزهم الحيوية في الجيش والإدارة وتربيهم على أن يروا الجيش وفي الجيش مستقبلهم ومقومات حياتهم؟ وهل ثقافة أبنائنا ثقافة عسكرية حقيقية تؤهلهم لخوض غمار حرب طويلة مع عدونا الصهيوني؟
اين تربية أبنائنا من تربية الصهاينة يتعلم الصهيوني كل شيء عن بلادنا التي سرقوها: طبيعتها وجبالها وسكانها ويتدرب على المهام التي أنيط به تنفيذها في بلادنا :الجواسيس السياسيين، والاخطر الاقتصاديين، والاكثر خطورة التي يتخفون بيننا كمسلمين ويصلون لأعلى المناصب، والأخطر فالأخطر الذين يجندون من يصبحون صهاينة اكثر من الصهيونيين، هل لدينا الخبراء الذين يكشفون هؤلاء ويفضحونهم وقبل ذلك يمنعونهم من الوصول لمقدراتنا وأسرارنا ومواقع قرارنا؟
وفي حقل الأدب والفن يخلق المجتمع الصهيوني أسطورة من القوة والبطولة ترتكز مادتها على الحروب، وتراها تصور كل معركة؛ مهما كانت صغيرة، على اعتبار أنها مجد مؤثل حتى لكأنك أمام توراة جديدة تصف حرب فلسطين كما لو كانت استمرارا لحروب اليهود القديمة مع الكنعانيين والفلسطينيين، وخطب نتنياهو وغيره خير مثال على ذلك، فأين نحن من معارك قرآننا والجيل الأول من الصحابة أين المبدعون وكتاب السيناريو والإعلاميين والمخرجين والممثلين من معارك غزة وجنوب لبنان واليمن وغيرها من بطولات المجاهدين وأين منها أطفالنا وشبابنا تصنع لهم مسلسلات ومقاطع فيديو وغيرها من المنتجات الفنية لتكون زادا يشكل وجدانهم ويثبت جنانهم، وأين المبدعين من الفنانين الذين يصنعون شخصيات ورسومات تكون ماركات على الملابس وفي البيوت لوحات تخلد أفعال المجاهدين فتذكر الأمة في كل مكان ومجال بواجبها المحتم القيام به كما يفعل الصهاينة؟ وكم هي عدد الكتب والأبحاث الرصينة حول الحرب والكتب الموجهة لمختلف فئات الأمة وعدد طبعاتها وتوزيعها وكافة الوسائل الأخرى؟ أين معالم الاحتفال بيوم السابع من أكتوبر في البيوت والمؤسسات المختلفة وعلى قنوات إعلامنا ووسائط التواصل الاجتماعي اين هي منصات التواصل الخاصة بنا بكافة اللغات واين القائمون عليها من المحترفين؟
أين الدراسات عن موقف صهيونيو أمريكا من الكيان اليوم؟ وكيف يمكن قراءة خريطة مجتمعاتهم وتوجهاتهم بخصوص الكيان ودعمه بعد الطوفان؟
المقاطعة الاقتصادية
في ظل انكشافنا الكامل فيما يتعلق بما نأكله ونشربه ونلبسه والذي عرته غزوة الطوفان ما هي الأفكار التي طرحت للاستفادة من تلك المقاطعة وتحويلها من الشكل السلبي للشكل الإيجابي من خلال طرح شركات لانتاج الطعام والشراب والملبس الذي تحتاجه أمتنا بأيدي عربية مسلمة وبرؤوس أموالنا الخاصة بدلا من استيلاء الغرباء عليها أو من يعاونوهم ممن صدروا للكيان منتجات بلادنا ومنعوها على إخوتنا في غزة ومنعوها عنا طمعا في ربح لن يبارك الله فيه؟
وأخيرا وليس آخرا، الصهيونيون يعلمون أن الحركة بدأت تدب في الجسد العربي الذي ظنوا أنه قد مات واستكان للسلام العبري، وأنه لا بد من إنزال ضربة جديدة بل ضربات لكل شعب حسب نفسيته قبل أن يكتمل وعيه وتنضج حركته ويبدأ في الهجوم، فهل تحسبنا لذلك وعملنا ما يبطل ما يخططون له وأين هو ذلك العمل؟
فلن يكون هناك سلام للعرب ما دمنا لم نحرر وطننا ونعرف عدونا ونعد له ما استطعنا من قوة. فالبناء الذي اجتهدت أياد المجاهدين لتثبت قواعده انطلاقا من يوم السابع من أكتوبر.. يحتاج سواعد أكثر لترفعه… كل فرد منا الرجل والمرأة والكبير والصغير هو في الجبهة سواء أكان ذلك بإرادته أم على غير إرادته. فهل نكون من البنائين المنشئين في كل زمان ومكان ما يستحقونه من رضى الرحمن والإنسان والخلود في كتاب التاريخ على مر الأزمان. أم نكون من المخلدين للأرض المتبعين خوات شياطين الإنس والجن؟
اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد فيعرف كل منا واجبات وقته ومهمات زمانه والثغر الواجب عليه أن يسده حتى لا تؤتي الأمة من قبله