مقالاتمقالات مختارة

عامٌ صعبٌ على الملالي.. في الداخل والخارج

عامٌ صعبٌ على الملالي.. في الداخل والخارج

بقلم أحمد مصطفى الغر

لم يكن العام 2019 عامًا سهلًا على إيران، إذ تفاقمت الأزمات التي تواجهها إيران داخليًا وخارجيًا، بدايةً بتبعات الاتفاق النووي وحزمة العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة مجددًا على إيران، مرورًا بالتدهور الأمني في خليج هرمز والهجمات على السفن، والمحاولات المتكررة لزعزعة استقرار وأمن دول الجوار، وأخيراً الاحتجاجات الشعبية على تردي الأحوال الاقتصادية، كل هذه الملفات ألقت بظلالها على تدهور الوضع الإقتصادي والأمني الإيراني ورسمت معالم جديدة في الداخل الإيراني، وشكلت واقع مختلف للعلاقات الإيرانية مع محيطها الإقليمي والمجتمع الدولي.

في أوائل 2019؛ وردًا على عدم التزام طهران ببنود الاتفاق النووي مع الدول الـ 6 الكبرى، وهى: الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا، ولإجبار على العودة إلى طاولة المفاوضات لبحث ملفها النووي مجددًا، أقرّت واشنطن حزمة عقوبات صارمة استهدفت المرشد الأعلى وقادة في الحرس الثوري، كما استهدفت أيضا قطاعات النفط والبتروكيماويات وبعض المؤسسات المالية، أثرت العقوبات بشكل كبير على الوضع الإقتصادي في إيران، حتى وإن حاولت طهران التماسك والتظاهر بعدم تأثرها، لكن الأرقام تكشف زيف هذا الإدعاء، فقد انخفضت الصادرات النفطية من 1.5 مليون برميل يومياً في أكتوبر 2018 إلى 750 ألف برميل في أبريل 2019، كما واجهت الحكومة نقصًا يقدر بنحو 10 مليارات دولار في موازنة 2019، وشهدت العملة الإيرانية مستويات قياسية من الإنهيار، وهو ما تسبب في زيادة نسب التضخم وموجة كبيرة من غلاء الأسعار، حاولت إيران الضغط على الاتحاد الأوروبي عبر التهديد بإعلانها الانسحاب من الاتفاق النووي كأحد خيارات الرد على العقوبات الأمريكية، لكن لم تنجح هذه الحيلة، بل زادت حدة العقوبات في منتصف العام، عندما ألغت واشنطن استثناءات كانت تُمكّن 8 دول من مواصلة شراء النفط الإيراني دون فرض عقوبات عليها، وهو ما أدى إلى أزمة اقتصادية حقيقية تأثَّرت بها إيران وأدت إلى خروج احتجاجات داخلية واسعة في شوارع إيران للمطالبة بتحسين الأوضاع.

عمدت إيران إلى حيلة خفض الالتزامات المتعلقة بالإتفاق النووي تدريجيًا، وصعّدت بشكل كبير تجاربها الصاروخية، متجاهلة كل التحذيرات ومنتهكة القرار 2231 الصادر بعد الاتفاق النووي في مجلس الأمن، لكن النوائب على إيران لا تأتي فراداى؛ فبالإضافة إلى العقوبات الأمريكية التي شلّت الإقتصاد الإيرانية، أقر الاتحاد الأوروبي بإدراج إدارة الأمن الداخلي الإيرانية إلى قائمة الإرهاب، على خلفية هجمات جرى إحباطها على أراضي دول أوروبية خلال 2019، كما فشلت تجربة إيرانية في بداية فبراير لإرسال صاروخ يحمل قمرًا صناعيًا إلى الفضاء، إذ انفجر الصاروخ قبل وضع القمر في مدار الأرض، وُجِهَت اتهامات لإيران بأن الصواريخ التي تستخدمها وتطورها إيران قادرة على حمل رؤوس نووية، وبينما كانت إيران تحتفل بذكرى مرور أربعين عامًا على ثورة التي تصفها زورًا بالإسلامية، نظمت 60 دولة مؤتمر “وارسو” لتشجيع الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، لبحث أمن المنطقة والتركيز على تهديدات وأنشطة إيران. وفي أبريل؛ اتخذت الإدارة الامريكية خطوة ضغط جديدة بضم قوات الحرس الثوري إلى 100 كيان إيراني مصنف على قائمة المنظمات الإرهابية، القرار اعتبر أن الحرس الثوري هو أداة رئيسية للنظام لتوجيه وتنفيذ حملته الإرهابية العالمية، ولم يمر أسبوعان على هذا القرار، حتى أصدر “خامنئي” مرسومًا بإقالة قائد الحرس الثوري “محمد علي جعفري” وتم تعيين نائبه “حسين سلامي” بدلًا منه، قيل حينها أن الأمر يأتي في إطار إعادة هيكلة الصف الأول من قيادات الحرس الثوري.

طوال 2019؛ شن الساسة الإيرانيون وقادة الحرس الثوري حروبًا كلامية ضد مسؤولي دول المنطقة والدول الغربية، تضمنت تهديدات بإغلاق مضيق هرمز وعرقلة حركة الملاحة فيه، وقد تجسدت عمليًا تهديدات القرصنة والتخريب الإيرانية عندما تعرضت نحو 6 سفن لهجمات تخريبية في مياه الخليج بين مايو ويونيو، وقد أشارت تقارير استقصائية وتحقيقات غربية بأصابع الإتهام إلى طهران، وقد أعقب ذلك هجوم حوثي مدعوم إيرانيًا بطائرات مسيرة مفخخة على منشآت نفطية تابعة لأرامكو، أما في يوليو فقد دخلت بريطانيا على خط الأزمة مع إيران بعد إعلان الحرس الثوري عن مصادرة ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز، مبررًا الأمر بأنَّ الناقلة المحتجزة لم تلتزم بقوانين الملاحة، وذلك ردًا على احتجاز سفينة إيرانية في مضيق جبل طارق، كانت تنقل النفط الإيراني إلى سوريا وتنتهك العقوبات المفروضة عليها، وانتهت الأزمة بإفراج متبادل للسفينتين، لكن في المقابل، لم تمرر الولايات المتحدة ما حدث بسهولة، فعمدت إلى إرسال تعزيزات إلى الخليج، أبرزها كانت مجموعة حاملة الطائرات “إبراهام لنكولن” وقاذفات “بي 52” ومنظومة صواريخ “باتريوت” الدفاعية، كما جرى الإعداد لتشكيل تحالف بحري يهدف إلى حماية أمن الملاحة وضمان سلامة الممرات البحرية في الخليج، الذي يمر منه يوميًا ثلث النفط العالمي المنقول بحرًا.

في منتصف نوفمبر، دخلت إيران في خضم أزمة محلية خانقة عندما اندلعت مظاهرات احتجاجية واسعة بعد ساعات من قرار الحكومة برفع أسعار البنزين، وجاء القرار بعد أقل من شهرين على إعلانها خطة لاعتماد موازنة جديدة دون الاعتماد على عائدات النفط بسبب العقوبات المفروضة عليه، خرجت المظاهرات في كل شوارع إيران، لكنها شهدت قمعًا وعنفًا مفرطًا من السلطات الإيرانية، كما عمدت الحكومة إلى قطع الإنترنت في غالبية أنحاء البلاد، ردد المتظاهرون هتافات تنادي بسقوط النظام، وتحسين أوضاعهم المعيشية الصعبة التي يعيشونها، وكالعادة في مِثل هذه المواقف.. أطلق المسؤولون الإيرانيون تسميات مثل “الأشرار ومثيري الشغب” على المتظاهرين، كما وصفوا الاحتجاجات بالمؤامرة الكبرى والفتنة، وقد أسفرت المظاهرات عن مقتل ما يقارب الألف متظاهر، وإصابة عدة آلاف واعتقال ما يزيد عن سبعة آلاف آخرين، في حين قُتِل ثلاثة أفراد من الأمن، وأُحرِق 731 فرعًا بنكيًّا و140 مبنى حكومي.

ولم يكن مستغربًا أن المظاهرات الغاضبة من النظام الإيراني لتسببه في الوضع الإقتصادي السئ لم تكن في شوارع إيران وحدها، إذ شهدت عدة دول في منطقة الشرق الأوسط خلال 2019 احتجاجات وتظاهرات ضد تردي الأحوال المعيشية وفساد الحياة السياسية بسبب نفوذ إيران المتزايد في تلك الدول، ففي العراق.. نددت التظاهرات بتدخل إيران وسيطرتها على أجزاء من البلاد وإفسادها الحياة السياسية هناك، كما شهدت بعض المدن العراقية إحراق صور المرشد الإيراني “علي خامنئي” وقائد فيلق القدس “قاسم سليماني”، كما تم إحراق القنصلية الإيرانية في كربلاء، أما في لبنان.. فقد نددت التظاهرات بالدور التخريبي الذي يقوم به “حزب الله” المدعوم إيرانيًا، وتجمع متظاهرون قرب منازل ومكاتب عدد من نواب “حزب الله”، وحطموا لافتات الحزب، معبرين عن غضبهم من تورطه في إفساد الحياة السياسية في لبنان.

ومع الحصاد الإيراني في 2019؛ لا يمكن إغفال التورط الإيراني في الأزمتين السورية والإيرانية، والذي بسببه تتكبد الخزانة الإيرانية ملايين الدولارات سنويًا لدعم مشاريع الملالي المتعلقة بالتوسع الثوري وزيادة النفوذ، خاصةً في ظل تراجع شرعيته الدينية مع انهيار قيمه الأخلاقية في الداخل والخارج معاً، كما أن حلقات التوتر بين طهران والعواصم الإقليمية والعالمية باتت علنية، بل إنها تشعبت وتعددت خلال 2019، يبدو أن طهران قد باتت تعتمد الآن استراتيجية السير على حافة الهاوية، وهو ما يقودها إلى مستقبل مجهول ومعه تتلبد غيوم الحرب فوق المنطقة.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى