عالم اجتماع فرنسي: هناك بالفعل إسلاموفوبيا برعاية الدولة في فرنسا
قال بروفيسور فرنسي في علم الاجتماع السياسي إن تجريم ما يسمى “اليسار الإسلامي” ينمّ عن جهل محير بالتاريخ، ويكشف عن ترسيخ “مكارثية جمهورية” في قلب الدولة الفرنسية وإعلامها.
والمكارثّية (McCarthyism)، حسب موسوعة ويكيبيديا، هي “سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة، وينسب هذا الاتجاه إلى عضو جمهوري بمجلس الشيوخ الأميركي اسمه جوزيف مكارثي”، وقد كان يستخدم هذا الأسلوب خلال خمسينيات القرن الماضي في الحرب الباردة لملاحقة الشيوعيين.
ويقول البروفيسور جان فرانسوا بايار في مقاله الذي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية إن المسؤولين الفرنسيين سواء أحبوا مصطلح الإسلاموفوبيا أم كرهوه، فلا بد أن يدركوا أن هذه الظاهرة أصبحت بالفعل جزءا من سياسة هذا البلد خصوصا منذ أن أنشئت في أواخر العقد الماضي وزارة للهجرة والاندماج والهوية الوطنية.
فهناك بالفعل إسلاموفوبيا ترعاها الدولة عندما تقوم شرطتها بالتمييز، غير القانوني فعلا لكنه مضطرد، ضد قسم من الشباب لا لشيء إلا لأنهم ربما يكونون من أصول إسلامية، مثل هذه الدولة -يقول الكاتب- لا يمكن أن تكون “محايدة فيما يخص الأديان” كما كانت رغبة الكاتب إرنست رينان (1823-1892)، هذه الدولة لم تأل جهدا في العقود الأخيرة في الترويج المستمر للمسيحية واليهودية من خلال تطوير ما يسمى بـ”العلمانية الإيجابية” تجاههما، والرغبة في إخضاع الإسلام سياسيًا للسيطرة عليه بحجة تنويره، وفقا للكاتب.
ويضيف بايار، وهو أستاذ لعلم الاجتماع السياسي في المعهد العالي للدراسات الدولية والإنمائية “آي إتس إي آي دي” (IHEID) في جنيف، قائلا إن هناك كذلك إسلاموفوبيا رأسمالية وهي التي تتجلى في محاباة القنوات الإعلامية الخاصة الكبيرة مع كتاب الأعمدة الذين يجعلون من كراهية الإسلام بضاعتهم المفضلة.
ويلفت الكاتب إلى أن ما يجري في فرنسا في هذا الإطار ينم عن جهل حقيقي بالتاريخ، مؤكدا أن القول بأن “التعليل والشرح يعني التبرير والإقناع” غير صحيح، مشيرا إلى أن من يقفون وراء هذه السياسة يسعى بعضهم لخلق “مدينة الرسول (صلى الله عليه وسلم) التي تناسب أحلامهم”، في حين يروج البعض الآخر لجمهورية فرنسية ثالثة جديدة تحقق رغباتهم الحبيسة.
وأمام نفاق الطبقة السياسية وما يولده من غضب، يذكر الكاتب القراء بما كتبه مؤسس المدرسة الجمهورية جيل فيري في رسالته إلى المدرسين عام 1883 إذ يقول وهو يوصيهم “قبل أن تعرض على طلابك أي مبدأ، أو أي قاعدة مهما كان نوعها، اسأل نفسك عما إذا كان هناك، على حد علمك، شخص واحد نزيه يمكن أن يسيء إليه ما ستقوله، اسأل نفسك عما لو كان أحد آباء الطلاب، وأقول أبا واحدا فقط، موجودًا في صفك ويستمع إليك، يمكنه بحسن نية رفض ما قد يسمعك تقوله، إذا كان الأمر كذلك، فلتمتنع عن قول ما كنت تنوي قوله”.
وبنبرة قوية عبّر الكاتب عن الكارثة التي يحس بها بوصفه أستاذا بسبب كل هذا الجهل، كما عبّر عما يولده ذلك داخله من غضب شديد، غضب من نفاق النخبة السياسية التي تعيد اكتشاف المعلم فجأة وتضعه في قلب نظامها، كما فعلت قبل 6 أشهر مع الممرضات، رغم أنها لم تتوقف منذ 40 عامًا عن الإساءة المالية والفكرية للمستشفى والمدرسة، وفقا لبايار.
وختم الكاتب بقوله إن شجب اليساري الإسلامي -وهو الذي يصف به اليمين الفرنسي ما يرى أنه تحالف بين الإسلاميين واليسار الفرنسي- والتنديد به لا ينم إلا عن تشكيك في حرية الفكر، إنه يكشف عن توطيد الفكر الجمهوري المكارثي في قلب الدولة الفرنسية ووسائل إعلامها، إنه مؤشر على وجود فكر سياسي عميق هو في مرحلة تقديم نوع من “فاتح الشهية” الذي -تماما كما حدث مع حركة حزب الشاي في الولايات المتحدة- يمهد الطريق لنوع من الترامبية على الطريقة الفرنسية.
(المصدر: الجزيرة)