بفوز المرشح الجمهوري (دونالد ترامب)، وبداية تشكّل فريقه اليميني؛ الذي صار جديراً أن يسمى: (فريق الأحلام الصهيوني)؛ أصبحت المخاطر على قضايانا العربية والإسلامية وخاصة قضية بيت المقدس والمسجد الأقصى أكثر جدية.
أمريكا دولة مؤسسات، نعم؛ ولكن هذه المؤسسات تتحوَّل بفعل تغيُّر وجهات الناخبين، وسطوة الأذرع الإعلامية، ومصالح الاقتصاد، والسياسة، ولوبيات الضغط.
التيارات الدينية المتطرفة في أمريكا وإسرائيل لم تعد في الهامش؛ كما هو الحال في العالم العربي، بل في متن الأحداث وصلبها.
قبل أيام حذّرت (محكمة العدل العليا الإسرائيلية)؛ -كما تسمى- من خطر حقيقي تمثله حركة يمينية متطرفة قد تشعل الأوضاع في المنطقة كلها بسبب أيديولوجيتها التلمودية، وهي تعمل على تسريع بناء الهيكل وهدم المسجد الأقصى، وهي من أخطر حركات الهيكل المزعوم القومية.
(عائدون إلى الجبل)؛ حركة جديدة أسسها نشطاء إرهابيون من (شبيبة التلال)، وهذه الشبيبة تضم أعضاء ينفذون اعتداءات ضد الفلسطينيين ومزروعاتهم وأملاكهم ومقدّساتهم، ويقيمون البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة المحتلة.
هؤلاء المتطرفون لا يخفون هدفهم بهدم المسجد وبناء الهيكل.
وقد تجدّدت وتعززت آمالهم بتوسع الكيان الصهيوني للسيطرة على أجزاء من سوريا ولبنان ومصر وبلاد أخرى.
وزير الحرب الصهيوني المتشدد (ليبرمان)؛ يهدد بحرب شاملة على غزة ويؤكد: (وأود التوضيح مرة أخرى: ستكون بالنسبة لهم المواجهه الأخيرة حيث سندمرهم بالكامل).
تهديد بالقضاء على الحياة الإنسانية في غزة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي (نيتنياهو) أعلن عزمه المشاركة شخصياً في الحفريات أسفل المسجد الأقصى مما دعا الجامعة العربية إلى التحذير من ذلك!
سلطة الآثار الإسرائيلية اقتحمت مقبرة باب الرحمة الملاصقة للمسجد، وهدمت وجرفت بعض القبور؛ ضمن خطة صهيونية ممنهجة ضد المعالم والمواقع والمقابر؛ التي تضم رفات كبار الصحابة وقادة الفتح الإسلامي.
وكان هذا ردًا مباشرًا على قرارين جريئين اعتمدتهما منظمة (اليونسكو)، وينصّان على الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وطابعه المميز في القدس، واعتبار المسجد الأقصى وكامل الحرم القدسي الشريف موقعا إسلاميًا مقدّسًا ومخصصًا للعبادة.
كبح محكمة الصهاينة للشباب المتطرفين العائدين إلى الجبل ليس قمعًا للإرهاب، بل هو تعزيز لإرهابية الدولة ذاتها وتهديدها للسلم والأمن في العالم، وكأن هؤلاء الشباب المتحمسين ينازعونها اختصاصها، ويزايدون على وجهتها، ويستعجلون ما تمارسه أجهزتها الرسمية وفق خطط مدروسة باتت مكشوفة معروفة..
في الوقت الذي تنتقد مؤسسات عالمية معنية بالآثار ما يفعله شباب مسلمون متطرفون بآثار يظفرون بها في العراق أو سوريا من تدمير، فإننا نجد صمتًا مطبقًا إزاء ممارسات على أعلى المستويات يشارك فيها رئيس الوزراء الصهيوني بنفسه، وقد تعهّد في تصريحات صحفية بالمشاركة الشخصية في نقل التراب من أسفل المسجد الأقصى؛ داعيًا المجتمع اليهودي إلى الانضمام إليه.
وفي السياق قررت الحكومة الإسرائلية إجبار كل إسرائيلي على المشاركة في الحفريات التي تنفذها أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه وفي باقي مناطق القدس؛ بهدف الحصول على أدلة تربط اليهود بالمكان.
وقال رئيس سلطة الآثار بالحكومة الصهيونية إسرائيل حسون: (إن سلطته قررت بالتنسيق مع الحكومة في أن يشارك كل شاب إسرائيلي قبل تجنيده بالجيش في عمليات الحفر أسفل الأقصى وفي محيطه وداخل البلدة القديمة من القدس، على اعتبار أنها مهمة وطنية).
إزاء تحولات عالمية وتحديات إقليمية يطول العجب من صمتنا وتجاهلنا وفرقتنا، وانشغالنا بالتوافه والجزئيات والشكليات والصراعات الهامشية، وإصرارنا على البقاء في مربع التفرج وأحيانًا الإسهام في خدمة مخططات الأعداء ولو بغير وعي!
اضطربت عند بعض قومنا بوصلة العدو والصديق فصار الحليف الصديق عدواً متربصاً، والعدو التاريخي صديقًا مأمون الجانب!
وتطوع آخرون بالعمل كمحامين عن المواقف الصهيونية ولو اقتضى الأمر الهجوم الصريح والمباشر على كل ما هو عروبي أو إسلامي!
إن لم نضع في صلب رؤيتنا الاستراتيجية أن هذه التحولات تُشكّل تهديداً وجودياً لدولنا وشعوبنا وجماعاتنا، ولم نضع أساليب جديدة للمواجهة، فمعناه أننا مثل الذي يجرفه طوفان هادرٌ من السيول وهو ينظر إلى السماء ويقول: الجو غائمٌ اليوم!
أرى خللَ الرمادِ وميضَ جَمْرٍ *** ويوشكُ أن يكونَ له ضرامُ
فإنّ النارَ بالعودين تُذْكى *** وإنّ الحربَ أولها كلامُ
إذا لم يطفها عقلاءُ قومٍ *** يكونُ وقودها جثثٌ وهامُ
أقول من التعجبِ ليت شعري *** أأيقاظٌ أمية أم نيامُ؟
المصدر: موقع الشيخ سلمان العودة.