مقالاتمقالات مختارة

ظاهرة «الإسلامفوبيا» الحاليّة في الغرب وبعضُ ما يمكن به مواجهتها

ظاهرة «الإسلامفوبيا» الحاليّة في الغرب وبعضُ ما يمكن به مواجهتها

بقلم نور عالم خليل الأميني

لـمّا بدأ الإسلامُ ينتشر في «أوربّا» ويفتح العقولَ والقلوبَ بسحره الحلال وقدرته الطبيعيّة العجيبة الـمُدْهِشَة على الفتح والامتلاك وكسب القلوب وإقناع العقول، رَاحَ مَرْضَى القلوب من الأوربيّين الذين خَتَمَ اللهُ على قلوبهم وجَعَلَ على سمعهم وبصرهم غِشَاوَةً يخافونه ويُخَوِّفُون بني جنسهم من الارتماء في حضنه، وحَاوَلُوا أن يحولوا دونه ودون الناس بأساليب ارْتَأَوْها تنفعهم في الحيلولة دونه ودونهم؛ فجَعَلُوا حكوماتهم تفرض الحظرَ على الحجاب الإسلاميّ، ورَاحُوا يَهْجُمُون على المساجد، ويتناولون المُحْتَجِبَات من المسلمات بالضرب والإهانة، في المدارس والجامعات، والشوارع والطرقات، وهددوا المسلمين بالقتل وكتبوا على جدران المساجد وعلى وسائل المواصلات هتافات استفزازية مثيرة للعواطف.

     ففي حادث وقع يوم 1/ديسمبر 2016م = غرة ربيع الأول 1438هـ: الخميس نشرته وسائل الإعلام المقروءة عندنا يوم الاثنين: 5/ديسمبر = 5/ربيع الأول، كان أنّ ثلاثة شبان بيض سكارى هجموا على طالبة مسلمة صغيرة السنّ في قطار «سوب واي»Subway Train  اسمها «ياسمين سويد» ونَزَعُوا عنها حجابَها، ودَعَوْا الطالبةَ التي لم تتجاوز 18 من عمرها «إرهابيّة» وهتفوا بطول حياة «ترمب» الرئيس الأمريكي المُنْتَخَب حديثًا. وظلّ الركابُ كلُّهم في تلك العربة من القطار مُتَفَرِّجِين ساكتين دون أن تَتَحَرَّكَ إنسانيّةُ أحد منهم ويَنْهَضَ لمساعدتها المعنويّة انتصارًا للقيم الإنسانيّة التي يرفع الأمريكيّون شِعَارَها عاليًا. ولاغَرْوَ، فإن حوادث التعرّض للمسلمين كَثُرَتْ منذ أن نجح «ترمب» في الانتخابات التي جرت في أمريكا مؤخرًا لاختيار رئيس جديد مكان «أوباما» رغم أن «ترمب» لم يتسلم بعد مقاليد الرئاسة لدى كتابة هذه السطور، علمًا بأنه إنما نجح في انتخابات الرئاسة لكونه كان قد أكثر من الهتافات العدائيّة للمسلمين والإسلام.

     ويومَ السبت: 3/12/2016م = 3/3/1438هـ حَدَثَ – كما أفادت وسائلُ الإعلام المقروءة عندنا يوم الثلاثاء: 6/12/2016م = 6/3/1438هـ في «بروكلن» الأمريكيّة أن شابًّا أمريكيًّا أبيض اِسْتَهْدَفَ مسؤولةً شرطيّةً مسلمةً محتجبةً اسمها «أمل الشاكري» كانت قد صاحبت ابنَها البالغَ 16 من عمره إلى «بروكلن» لتُؤَدِّيَه إليها وتعود إلى بيتها، وما إن تَرَكَتْه في مكان معهود وتَوَجَّهَتْ إلى السيّارة في الموقف إذ الْتَفَتَتْ إلى ابنها فإذا به قُبَالَةَ شابّ أبيض أمريكي في نحو 30 من عمره يَتَشَابَكُ معه، فسَارَعَتْ إليه، فإذا بها يُقَابِلُها الشابُّ قائلاً: يا «آئي إيس آئي إيسْ» أي «أيتها الدولة الإسلامية في العراق والشام» سأُعْدِمُكِ خنقًا، عُودي إلى وطنك. ثم هَرَبَ الشابُّ من المكان وتَغَيَّبَ. ولا تزال الشرطة تَبْحَثُ عنه بدون جدوى. علمًا بأن المسؤولة الشرطيّة «أمل الشاكري» كان قد وَصَفَها رئيسُ بلديّة مدينة «نيويورك» الأمريكية بأنها بطلة، ومَنَحَها ميداليةً؛ لأنها كانت قد أَنْقَذَتْ رجلًا كبير السن من مبنى تَعَرَّضَ للحريق.

     وقد سَبَقَ أن عددًا من الدول الغربيّة فرضتِ الحظر على الحجـاب الإسـلامي؛ فقد نشرت الصحف عندنا يوم الخميس: 8/ديسمبر 2016م = 8/ربيع الأول 1438هـ أن الرئيسة الألمانيّة «أينجيلا مركل» Angela Merkel (Chancellor of Germany) أو عزت أخيرًا بفرض الحظر على الحجاب الإسلامي على ضغط من الوسط اليميني الألماني. والجديرُ بالذكر أن «ألمانيا» هي الدولة الأوروبيّة الوحيدة التي سَمَحَت بدخول عدد أكبر من اللاجئين المُتَوَافِدِين من الدول الإسلامية المنكوبة بالحرب الأهليّة الطاحنة الطويلة، وظلّت القوى اليمينية في «ألمانيا» تَشُنُّ ضدّها حملةً عنيفة من الانتقاد من أجل تسامحها مع اللاجئين المسلمين؛ لكنها ظلّت تتجاهل هذه الحملةَ الانتقاديّةَ؛ غير أن نجاح «ترمب» في الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة ونجاح زعيم يمينيّ فرنسيّ في فرنسا، دَقَّ جرسَ الحظر في «أوربا» كلّها، فيبدو أن «أينجيلا مركل» هي الأخرى عادت مضغوطًا عليها من قبل القوى السياسيّة اليمينيّة الألمانيّة، فجَعَلَتْ تقول: إن الحجاب الإسلامي لا ينسجم مع المجتمع الألماني، فهي تنوي فرض الحظر عليه شرعيًّا.

     إنها صَرَّحَتْ في المؤتمر السنوي لحزبها في مدينة «إيسان» التي تقع بجنوبيّ «ألمانيا» بأن القوانين الألمانيّة فوق كل شيء، وحسب هذه القوانين سيأتي فرضُ الحظر على الحجاب في كل من الأمكنة الشعبيّة، والمدارس، والجامعات، والمُؤَسَّسَات الحكوميّة. علمًا بأن «إينجيلا مركل» يشغل منصب الرئاسة الألمانية منذ 11 عامًا باستمرار، ويرأس كذلك حزبها «الاتحاد المسيحي الديموقراطي» الذي انْتُخِبَت رئيسةً له خلال المؤتمر الحزبي المذكور للفترة القادمة كذلك.

     وأخيرًا نَجَحَ في أمريكا المدعوّ بـ«تَرَمْبْ» بفضل تهديداته للمسلمين بالحظر والتهجير القسري الإجباريّ وبقطع العلاقات الأمريكية مع العالمين الإسلاميّ والعربيّ، وبإعلانه للكثير مما يُرَوِّع المسلمين ويجعلهم يعيشون في أمريكا خائفين على مصيرهم.

     وقد وَافَقَتْ «سلوفاكيا» Slovaquie مُؤَخَّرًا على قانون يقضي باعتبار ديانة الإسلام ديانةً غير شرعيّة في الدولة؛ فقد صَرَّح رئيسُ الوزراء السلوفاكيّ بأن الإسلام لامكان له في «سلوفاكيا» وفي جانب آخر طالب رئيس الوزراء الهنغري «فكتور أوربان» بإقصاء المسلمين عن أوربّا إبقاءً لها على المسيحية؛ ففي منطقة من «هنغري» نهض رئيس بلديّتها ليفرض الحظرَ على كل من المساجد والأذان والحجاب.

     وتَطَوَّر هذا الحادث الذي تعرضت له «أمل الشاكري» إلى أسوأ، فقد نشرت الصحفُ عندنا في شأنها يوم الأربعاء: 7/ديسمبر 2016م = 7/ربيع الأول 1438هـ نبأً مفاده أن رجلًا أمريكيًّا أبيض صاح بمسؤولة شرطية أمريكيّة مسلمة بـ«نيويورك» وهَدَّدَها بمغادرة أمريكا للأبد؛ فقد صَرَّحت السلطات الأمريكيّة المعنيّة بأن المسؤولة تَعَرَّضَتْ للحدث خلال عودتها إلى «نيويورك» من مدينة «بروكلين». وأفادت المسؤولة أنّ الرجل هَدَّدَها بالقتل إذا لم تُغَادِرْ أمريكا، وأضافت: على حين أن مثل هذا الموقف تَعَرَّضَتْ له لأوّل مرّة، وقالت: إن كونها امرأة مسلمة ثم كونها مُوَظَّفَة كبيرة في الشرطة، يُمَثِّل الجانبَ الإيجابيَّ لمدينة «نيويورك» وإنها مسؤولة شرطيّة تُسَاعِد الكلَّ دونما تمييز ديني، ودونما ملاحظة لديانة أي من المواطنين، علمًا بأنها وُلِدَتْ بـ«نيويورك» بأمريكا، وبها نَشَأَتْ. وحسب الصحف إن شرطة «نيويورك» البالغ عددها 36 ألفًا تضمّ 900 تسعمائة مسلم وعددٌ منهم يشغلون منصبَ المسؤول أو الضابط. والمسلمون في أمريكا يلاحظون هذه الأيامَ ارتفاعًا ملموسًا مدهشًا في التهديدات التي يَتَلَقَّوْنَها من مواطنيها البيض المسيحيين واليهود، منذ أن انْتُخِبَ «ترمب» رئيسًا أمريكيًّا للفترة الرئاسيّة القادمة؛ حيث إنه بدوره أَدْلَىٰ بتصريحات صارخة خلال الحفلات الانتخابية قال فيها بصراحة: إنه يكره الإسلام؛ لأنه – حسب زعمه – يكره أمريكا، ومن الواجب فرض الحظر على دخول المسلمين إلى أمريكا. وعند ما وَاجَهَ «ترمب» مشاكلَ من موقفه هذا عَدَّل موقفَه قائلاً: إنه لا يُضَادُّ المسلمين جميعًا، وإنما يُضَادّ نزوحَ المسلمين إلى أمريكا من «الدول الإرهابية».

     كما يَتَلَقَّى المسلمون كحادث يومي رسائلَ مُوجَزَةً من خلال جَوَّالاتهم تقول لهم: «غادروا أمريكا للأبد وإلّا فستَلْقَوْنَ مصيرًا لا يُحْمَد».

     واعتاد الكُتَّاب اليوم والصُحُفِيُّون ورجالُ الإعلام أن يُسَمُّوا هذه الظاهرةَ بـ«الإسلامفوبيا» Islamophobia و رغم أن ظاهرة «الإسلامفوبيا» لم تُعْطِ المفعول بالمستوى الذي أراده الأوربيون الـمُتَطَرِّفُون، كان لها تأثير مُبَاشِر على العمل الإسلامي في الغرب بنحو أو آخر.

     ويرى بعض الكُتَّاب والـمُحَلِّلِين أن السبب في «الإسلامفوبيا» لا يرجع فقط إلى وضع الصراع الحاليّ الذي يخوضه المُتَطَرِّفُون في الغرب مع الإسلام؛ وإنما يرجع كذلك إلى طبيعة الصراع القديم بين الحقّ والباطل الذي انْطَلَقَ منذ ظهور الإسلام وفتحه للأرض التي احتلّها الإغريق والرومان، مرورًا بالحملات الصليبيّة وحروب التتار والحملات الاستعماريّة الحديثة وما أَدَّتْ إليه من حملات التشويه والكراهية، إلى الدور الكبير الذي قام به المستشرقون في تشويه صورة الإسلام والقرآن الكريم وشخص الرسول -ﷺ- وقد نال هذا التشويهُ رواجًا واسعًا بين الجاهلين من الغربيين بحقيقة الإسلام وتعاليمه، ولا سيّما ما أثاره المستشرقون من الشبهات التي استقرت في أذهان الغربيّين حول كلّ من الجهاد والمرأة والحريّات في الإسلام. ولم يكن دور الإعلام – الذي تُسَيْطِر عليه اليهود – أقلَّ من الأسباب السابقة في تضخيم الأخطاء التي يقع فيها بعضُ المسلمين، وفي اختلاق الأكاذيب حول الإسلام والمسلمين وشريعتهم.

     ولم يكن دورُ عصابات المصالح والنفوذ الغربية أقلَّ خطورةً من غيرها من اللوبيّات المطبوعة على إثارة الشرّ، في الترويج لنظرية صدام الحضارات وضرورة اتخاذ أساليب فعّالة للقضاء على الحضارة الإسلامية وتطويعها للقيم الغربيّة والحضارة المسيحيّة اليهوديّة، بالترغيب حينًا والترهيب حينًا آخـر، عن طريق كلّ من المنظمات الدوليّة، الإعلامية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والثقافيّة والفنيّة.

     وزاد الطينَ بَلَّةً لدى اللوبيات الغربية المتطرفة الوجودُ الإسلامي المتزايد في الغرب في العصر الحديث وإقبال المسلمين إقبالاً واسعًا ملحوظًا لم يُعْهَد في الماضي القريب على التقيّد بأحكام الدين، وتعزيز الصلة بالله تعالى، والتوجّه الملموس إلى إقامة المؤسسات التعليمية والتربوية، والشبابيّة والخيريّة، والإصلاحيّة والدعويّة، إلى جانب الاهتمام البالغ ببناء المساجد والمدارس والكتاتيب الدينية، الأمرُ الذي أَقَضَّ مضجعَ المتطرفين من أبناء الغرب ولاسيّما حاملي التوجّه الصهيوني والنزعة الصليبية.

     كما أن هناك أخطاءً غير مُتَعَمَّدَة يرتكبها المسلمون فتترك آثارًا سلبيّة على علاقة الغرب بالإسلام والمسلمين، منها:

     أ- الفهمُ الخاطئُ والتطبيقُ الخاطئُ للإسلام، وسوءُ التعامل في مجال السياسة، ومجال طبيعة علاقة المسلم بغير المسلم، في المجتمع الغربي الذي قوامه أخلاطٌ من الديانات، إلى جانب الإلحاد والتنكّر لتصوّر الإله والعبادة له، والماديّة الطاغِيَة التي امتلكت العقولَ والقلوبَ الغربيّة، التي آمنت بأنها هي كلُّ شيء في حياة الإنسان، وأنّ إشباع المعدة والشهوات والاستجابة للأهواء هي الضرورة القُصْوَىٰ في المجتمع البشريّ الذي يَكْدَحُ ليعيش الحياةَ الـمُرَفَّهَةَ التي لا تعرف بؤسًا ولاشقاءً ولا قيودًا والتزامات تُكَدِّرُ صفوَها وتسلبها هناءتَها. وبالإيجاز: إنها آمنت بها إِلَـٰهًا حَلَّ محلَّ الآلهة الكثيرة القديمة، فأغناها عنها.

     ب – وعجزُ مُعْظَمِ المسلمين عن تبليغ وشرح رسالة الإسلام المتسامحة، بنحو مُقْنِع ومُشْبِع للعقول الغربيّة المتحررة المُحْتَرِقَة في الوقت نفسه بالمادِّيَّة الجامحة الجوفاء، والـمُتَعَطِّشَة إلى ديانة صحيحة تملأ الفراغَ عن جدارة في حياة أصحابها وتهب لهم الهدوءَ الذي يَبْحَثُون عنه حثيثًا.

     ج – الخللُ في الخطاب الدينيّ الذي يَتَعَامَل به العلماءُ والقَادَةُ الدينيّون في كثير من الحفلات الدينية، والمؤتمرات الإسلاميّة، والمدارس والمساجد، والمراكز الإسلاميّة؛ فربما يكون – الخطاب الديني –مُجَرَّدَ حَمَاسِيّ عَاطِفِيّ، ولاسيّما في الأوضاع الـمُتَأَزِّمَة التي يمرّ بها المسلمون في العالم كله على الصعيدين الداخليّ والخارجيّ؛ فهو يَتَّسِم باجترار الماضي المشرق المزهر، والتَّباكي عليه وغياب فتح باقات أمل أمام جيل الشباب المسلم الذي يحلم بانتصار الإسلام على أرض الواقع واندحار أعدائه في كل من المجالات الحيويّة، كما يَتَّسِم أحيانًا بالاستعلاء على الآخرين في فراغ من رصيد الحقائق الحاضرة والإنجازات التي تمسّ الحياة وتُحَرِّك عجلة الحضارة تحريكاً إيجابيًّا بنَّاءً. والاستعلاءُ يَنْبُعُ من الشعور الزائد الأجوف من روح العمل بأننا خير أمة أُخْرِجَتْ للناس، ولا يَهُمُّنا أن نَسْعَىٰ سعيًا مثمرًا أن ننزل على مستوى مُقْتَضَيَات هذا الشعور بهذه الخيريّة. والشعورُ الزائدُ بالخيريّة والأفضليّة – دونما عمل مطابق له – والاستعلاء على الآخرين هو الخَطَأُ الفادح الذي نلوم عليه التيّارات الأوربيّة العنصريّة المعادية للإسلام والمسلمين ولاسيّما الصهيونيّة والصليبية.

     وزاد الجيل الأوربيَّ الحاضرَ كراهيةً للإسلام والمسلمين ما يشاهده من الانحرافات الأخلاقيّة والسلوكيّة لدى بعض المسلمين في الغرب – وكذلك في الشرق في أوطانهم – ولاسيّما لدى الشباب والجيل الناشئ الذي نُعَلِّقُ عليه الآمالَ ونَعُدُّه عُدَّةَ المستقبل، مما يُقَدِّم المسلم إنسانًا بدائيًّا غيرَ مُتَحَضِّر وغير مُتَمَدِّن، وربما في صورة المجرم.

     أَضِفْ إلى ذلك ما حَدَثَ من ظهور تَيَّارات مُتَشَدِّدَة في بلاد عربية وإسلاميّة، وما يُشَاهَدُ من بعض الممارسات العنيفة التي تظهر في وسائل الإعلام والتي تُكَوِّن صورةً مُشَوَّهَةً غيرَ لائقة عن الإسلام والمسلمين. ولاشك أن هذه التيّارات المتشددة والممارسات العنيفة في مُعْظَم الأحيان تكون وَهْمِيَّةً تختلقها وسائلُ الإعلام الغربيّة اليهوديّة المسيحيّة التي تَدَعُ وسائلَ الإعلام العالميّةَ تَلُوكُها مرّات لا تُحْصَىٰ تجعلها حقيقيّةً واقعةً على أرض الواقع؛ لكنها على كل حال تُسَاعِد على تَكَوُّن صورة سلبيّة غير حقيقيّة عن الإسلام والمسلمين تَسُرُّ الأعداءَ وتَحْزُنُ الأصدقاءَ.

     كما أَرْجَعَ بعضُ الكُتَّاب السببَ في تَفَاقُم «الإسلامفوبيا» في الغرب خصوصًا إلى أن بعض المسلمين المتوطنين بالغرب، انتماؤُهم لمجتمعاتهم الغربيّة ضعيفٌ بالقياس إلى انتمائهم لأوطانهم الشرقيّة التي عنها نَزَحُوا إليها، مما يجعلهم منعزلين عن المشاركة المُجْتَمَعِيَّة والسياسيَّة، وبالتالي يجعلهم مجهولين بعيدين عن دوائر صنع القرار، فيَبْقَوْن مُهَمَّشِين، ويجعل الغربيين يَتَصَوَّرُون أن المسلمين في الغرب لايُتْقِنُون في الأغلب لغةَ البلد الذي يَسْتَوْطِنُونَه، فيَعْجِزُون عن التواصل المطلوب، وعن متابعة المُسْتَجِدَّات التي تشهدها الساحةُ الغربيّة، إلى جانب تَفَرُّق المسلمين مذهبيًّا ونظريًّا ومنهجَ حياة داخل أوربّا وخارجها. ويزيدهم – الغربيين – كراهيةً للإسلام والمسلمين ما يشاهدونه من العنف الذي لا يَنْتَهِي في كثير من البلاد العربيّة والإسلاميّة، والذي لايدركون هم سببَه.

     ويمكن العملُ الـمُنَسَّقُ على تقليل حِدَّةِ وغُلَوَاءِ «الإسلامفوبيا» لدى الغرب من خلال عدد من الخُطُوَات الجِدِّيَّة، منها:

     دراسةُ واستقصاءُ الشبهات المتصلة بالإسلام، ووضعُ لجنة تضم علماء مُتْقِنِين مُخْتَصِّين، تَدْأَبُ على كتابة إجابات عنها دقيقة وافية مُقْنِعَة تُلَبِّي عقليّةَ الغرب وتتجاوب صياغةً مع نفسيّته، ونشرها بلغتهم على أوسع نطاق، وتوزيعها عليهم ولا سيّما على أوساطهم العلمية والقياديّة؛ إلى جانب العمل الجادّ المُتَّصِل على كسب النُّخَب الغربيّة: العلميّة والثقافيّة المُؤَثِّرَة في المجتمع؛ وإقامة ندوات وحوارات مشتركة من وقت لآخر مع المُؤَسَّسَات الكنسيّة ومُؤَسَّسَات المجتمع المدني العامّ؛ وتفعيل دور الأسرة المسلمة في الاندماج الإيجابي في المجتمع الغربي مع الاحتفاظ بالهويّة الإسلاميّة بكاملها؛ ونصب دعاة مُؤَهَّلين تأهيلاً شاملاً، داخل البلاد الغربيّة، ممن تَشَرَّبوا لغةَ البلد، واستوعبوا ثقافتَه وأعرافَه وعاداتِه؛ حتى يأتي جهدُهم أكثرَ إثمارًا، ولا يترك نتائج عَكْسِيَّة؛ والعمل على التواصل مع القوى السياسيّة وقوى المجتمع المدني في الغرب بهدف خدمة المصلحة الإسلاميّة ومحاصرة دعوات الكراهية التي تنطلق من المجتمع الغربي،  بحكمة وتَلَطُّف حينًا وأساليب علميّة إقناعيّة حينًا آخر حَسَبَ مُقْتَضى الموقف.

     وينفع في ذلك نفعًا عاجلًا شاملًا إنشاءُ إعلام يَتَحَدَّثُ باسم المسلمين، ويُوضِح لغيرالمسلمين حقيقةَ الإسلام وتعاليمَه السمحة، وذلك يحتاج إلى تأهيل وترويض إعلاميّين لَبِقِين أذكياءَ من الشباب المسلم لديهم قدرة فائقة على مخاطبة الجماهير الغربيّة عن حُنْكَة تجعلهم يَكْسِبُون القلوبَ ويُقْنِعُون العقولَ على اختلاف ديانات واتجاهات وآراء أصحابها.

(المصدر: مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى