ظاهرة استعمال العلماء
بقلم الشيخ سالم الشيخي
تحدّث مالك بن نبي – رحمه الله – عن نظرية القابلية للاستعمار في كتابه شروط النهضة، والقابلية للاستعمار عنده هي: رضوخ داخلي عميق للاستعمار، وهذا الرضوخ ناتج عن إقناع الاستعمار للأفراد المستَعمرين بتفوقه عليهم وعدم قدرتهم على إدارة شؤون حياتهم بدونه، ونحن نحتاج في هذا الزمان إلى من يتحدث عن قابلية العلماء للاستعمال من قِبل الحكام الظلمة والمتجبرين، والذي هو على ما يبدو رضوخ داخلي عميق للحكام لأسباب ومسوغات يُحسن الحكام طرحها تعود في مجملها إلى نجاح الحكام في إقناع العلماء أنهم أكثر منهم قدرة على تقدير المصالح العامة ودفع المفاسد الكلية لينتهي دور العلماء عن البحث في المسالك الشرعية المصلحية والمقاصدية لشرعنة أفعال هؤلاء الحكام أمام عامة المسلمين وخاصّتهم.
إنّ هذه الظاهرة الخطيرة ليست بجديدة في تاريخ العلماء، وقد حذرنا الله من مسلكها وبيّن لنا خطورتها بذكر ما وقع فيه علماء بني إسرائيل من قبلنا عندما أضاعوا ما استحفظهم الله عليه واشتروا به ثمنًا قليلًا، فبدّلوا وزوّروا وضلّوا وأضلّوا عن سواء السبيل.
يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله بخصوص هؤلاء: كذلك علم الله -سبحانه- أنّ بعض المستحفظين على كتاب الله المستشهدين؛ قد تراودهم أطماع الحياة الدنيا؛ وهم يجدون أصحاب السلطان، وأصحاب المال، وأصحاب الشهوات، لا يريدون حكم الله فيملقون شهوات هؤلاء جميعًا، طمعًا في عرض الحياة الدنيا – كما يقع من رجال الدين المحترفين في كلّ زمان وفي كل قبيل؛ وكما كان ذلك واقعًا في علماء بني إسرائيل.
فناداهم الله: {ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً}. وذلك لقاء السكوت، أو لقاء التحريف، أو لقاء الفتاوى المدخولة.
وكلّ ثمن هو في حقيقته قليل، ولو كان ملك الحياة الدنيا، فكيف وهو لا يزيد على أن يكون رواتب ووظائف وألقابًا ومصالح صغيرة؛ يباع بها الدين، وتشترى بها جهنّم عن يقين؟!
إنّه ليس أشنع من خيانة المستأمن؛ وليس أبشع من تفريط المستحفظ؛ وليس أخسّ من تدليس المستشهد، والذين يحملون عنوان: «رجال الدين» يخونون ويفرطون ويدلسون، فيسكتون عن العمل لتحكيم ما أنزل الله، ويحرفون الكلم عن مواضعه، لموافاة أهواء ذوي السلطان على حساب كتاب الله.
إنّ ظاهرة استعمال العلماء في تسويغ تصرفات الظلمة والمتجبّرين ظاهرة للعيان في زماننا لاتخفى على عامة المسلمين وخاصّتهم، وأصحابها دعاة على أبواب جهنم بيقين، ربطوا مصيرهم بمصير الظلمة المستكبرين، حركتهم المصالح الخاصة وأنطقتهم عطايا المتجبرين فصدق فيهم كلام ابن النحاس عندما قال: ليت شعري كيف يمكن من يأكل من أموالهم أن ينكر قبيح أفعالهم، وأنّى يرجع الظالم منهم إليه وهو يرى منّته في الصحبة وللقمة عليه، وكيف يقبل منه الكلام وباطنه قد امتلأ من ماله من الحرام.
إنّ فهم هذه الظاهرة ومعرفة جذروها وأسبابها وآثارها ينبغي أن يكون محلّ بحث ونظر واجتهاد، وإنّ معرفة أصحابها لحري أن يفسّر للناس اليوم كيف وقع مفتي الطاغية بشار الأسد، المدعو: أحمد حسون فيما وقع فيه من تحريف وتدليس حتى أصبح جزءًا لايتجزّأ من منظومة الظلم والطغيان وآلته القاتلة؟ وكيف وقع مفتي الطاغية السيسي المدعو:شوقي علّام ومعه مفتي الظلمة علي جمعة وبقيّة شلة العمائم الفاسدة فيما وقعوا فيه من الولوغ في الدماء البريئة، وتسويغ أحكام الإعدامات الظالمة،ومن قبلها مجازر رابعة،فضلًا عن تأيديهم لكل ما يصدر عن الطاغية ولو كان مما أجمعت العقول على تفاهته وسخفه؟. وقس على ذلك نظائر هؤلاء وأشباههم ممن استعملهم الظلمة والمتجبرون في زماننا..فهل من باحث ينظر في تاريخنا الطويل وواقعنا المرير عن مواقع هذه القابليّة.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)