مؤلف الكتاب : د. سعد بن مقبل الحريري
1437 هـ
من إصدارات مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ظاهرة الهدر الحداثي للسياق الشرعي أصبحت بادية للعيان سواء في ميدان التنظير أو التطبيق والممارسة. حيث أن أرباب هذا الاتجاه يتعلقون ببعض النصوص من الكتاب والسنة، كما يتعلقون باجتهادات بعض الصحابة، أو آراء بعض العلماء، دون النظر إلى تلك النصوص بصورة كاملة، وفق سياقها الشرعي، وما يحف بها من قرائن مقالية ومقامية؛ بل يقطع أولها عن آخرها، وآخرها عن أولها، ويجمع بين المتفرق، ويفرق بين المجتمع، خشية الحقيقة الشرعية.
ولا يخفى أن إهدار ضوابط السياق الشرعي عند النظر في تفسير النصوص هو العامل الأهم في ظهور تيارات فكرية مخالفة لمنهج السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم في التلقي والاستدلال. ولعل من أشهرها فكر الارجاء الذي تعلق أربابه بنصوص الوعد، وفكر الخوارج الذي تعلق أربابه بنصوص الوعيد، وفكر الاعتزال الذي أغرق أربابه في الاعتماد على القرينة العقلية، وذلك بمعزل عن القرائن اللفظية والقرائن الحالية. ولم تلتفت هذه المناهج إلى مدى ترابط النصوص فيما بينها، واتساقها مع مراد الشارع، وارتباطها بفهم السلف الصالح، وهو الفهم المعياري الذي يعصم من الشطط والنزق.
والموقف الحداثي من السياق الشرعي قد تجاوز تلك المناهج بمسافات سحيقة، إذ هو ليس غفلة عن نص في سياق هنا، أو تنكب لنص في سياق هناك، وإنما هي جملة من الاختلالات المنهجية والعلمية في تناول السياق الشرعي يدرك عندها الناظر أن حقيقة الأمر هو منهج وتوجه عام في تناول تفسير النصوص، وجرأة على توظيفها بعيدا عن سياقاتها الحقيقية، والزعم بأن هناك سياقات أخرى ينبغي أن تجري فيها النصوص الشرعية.
(المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث)