طبيعة الحرب وحتمية الصراع بين القرآن والغرب
بقلم خالد موسى
منذ بدء الخليقة بدأ معها الصراع بين الحق والباطل فكان أمراً متلازماً حتمياً قرره الوحي الإلهي تقريراً بيناً وتوافق عليه العقل البشري والمنطق الإنساني منذ آدم عليه السلام حتى قيام الساعة وعلى الرغم من هذا التقرير الواضح في جميع شواهد الكون والحياة عبر التاريخ يمر علينا أحياناً أناس اختاروا أن لا يروا الحقيقة الواقعة وأن يسلكوا مسار النعامة التي تتعامل مع الخطر والصراع ليس بمواجهته بأي شكل بل عبر دفن رأسها في الرمل والادعاء الوهمي بأنه لا حرب ولا صراع.
وهذا السلوك للأسف الشديد تدعمه الكثير من الاتجاهات الفكرية الفاسدة التي تغزو بلادنا وشعوبنا المسلمة وتجند العديد من الانحرافات العقدية والتشوهات المنهجية من طوائف ومذاهب ضالة تتسمى وتنسب للإسلام والهدف النهائي لهذه الحرب الفكرية والمنهجية التي تستهدف تغيير العقول وتضليل القلوب هو خلق حالة وعي جمعي باطلة لعموم الشعب المسلم تجعله قابلاً للذبح بلا مقاومة على يد جميع أعدائه سواء كانوا طغاة محليين أم أجانب مستعمرين وتصور من يقاوم ويدافع ضد الاحتلال والظلم والطغيان بأنهم أناس متوحشين وقتلة وإرهابيين فيكون الحاصل النهائي شعوب تستباح بكل طريقة قتلاً وسرقة واغتصاباً وفي ذات الوقت تمجد جلاديها وسفاحيها وتنبذ من يحميها ويدافع عنها.
ولذا نمر عبر الأسطر التالية في محاولة لتوضيح المفهوم الصحيح المقرر شرعاً وعقلاً ومنطقاً ونعرج على أهم الملامح الرئيسية لكي نتعرف سوياُ على طبيعة الصراع والحرب بصفة عامة مجردة بغض النظر عن أطرافه لأن كما قيل الحكمة هي وضع الشيء في محله فوضع الشدة والغلظة في محلها مثل موضع الحرب هو الحكمة أما وضع اللين والرفق في غير محله فهو من السفه والحمق وليس من الحكمة وهذا مما لا يعاب عليه أبدا من أي أصحاب العقول أو الفهم بغض النظر عن دين أو خلفية عرقية فهو محل اتفاق إنساني وأي أراء مغايرة لذلك فهي نتاج للآتي:
- أولاً: فهم مشوه نتيجة الحرب الفكرية والعقدية على الأمة المسلمة.
- ثانياً: أغراض خبيثة مقصودة عمدًا لدعم الهدف الساعي لأحكام السيطرة على الشعوب المسلمة.
- ثالثاً: قلة خبرة وعلم نتيجة لبعد كثير من الأمة عن ساحة الصراع الحقيقية فيصعب عليهم تصور الحقيقة والمشاهد على وجهها الصحيح.
حتمية الصراع
خلق الله آدم عليه السلام وعاش في الجنة ثم ترتب على معصيته إخراجه منها إلى الأرض بعد غواية الشيطان له ومنذ هذه اللحظة أصبح هناك صراع أبدي بين الحق والباطل ساحته الأرض ونهايته العودة للجنة ثواباً على التمسك بالحق أو الذهاب للنار عقاباً على التمسك بالباطل فكانت هذه أول طبقة من طبقات الصراع وهي صراع الإنسان ضد الشيطان.
يقول تعالى “إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ”.
ثم بسبب غواية الشيطان لبعض من ذرية آدم دخل الشرك والانحراف عن الحق إلى الأرض فلذا أرسل الله الرسل وكان أولهم نوح عليه السلام ليدعوا الناس إلى العودة إلى توحيد الله عز وجل وترك سبيل وغواية الباطل واستجاب البعض لدعوة التوحيد ورفضها البعض الآخر مما ترتب على نشوء الطبقة الثانية من الصراع وهي صراع أهل التوحيد ضد أهل الكفر والشرك.
ومن مترتبات الانقسام الحاصل نتيجة ما سبق هو وجود فريقين متضادين لا يمكن الجمع بينهما لأن وجود أحدهما وهو جانب الحق يعني بالضرورة نهاية الجانب الآخر وهو جانب الباطل.
يقول تعالى الله “وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا”.
ويؤدي وجود الفريقين إلى ضرورة الولاء والبراء ودلالته الحتمية على انتماء وتميز الشخص المحدد فكل إنسان يوالي أهل حزبه ويعادي أهل الحزب الآخر وهذه ضرورة حتمية فلذا كان التشديد القرآني والعقدي كثيراً ومنه
يقول عز وجل ويقول أيضا عز وجل: “لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ”.
وأوضح درجات البراءة والعداوة هي الحرب والقتل وأظهر مظاهر الولاء والنصرة هي الفداء بالنفس والتعرض للحرب والقتل، فلذلك رتب القرآن مفهوم حتمية الصراع بشكل واضح ومحدد كالتالي الشيطان كان سبب لخروج ادم وذريته من الجنة ثم بالتالي فالشيطان عدوا للإنسان ويجب للمؤمن اتخاذه عدوا ثم بعد ذلك أغوى الشيطان بعض بني ادم فافترقا إلى فريقين فريق الحق والتوحيد وفريق الباطل والكفر فيجب هنا الدخول في حزب الحق عبر الولاء لأهله من المسلمين ونصرتهم والعداوة والبراءة من حزب الشيطان من الكافرين ويدفعنا ذلك حتما إلى عدم تحمل أهل الباطل لأهل الحق لأنه كما ذكرنا تركهم لأهل الحق يعني نهاية الباطل بالضرورة وبالتالي يعلنوا الحرب والقتل دوماً ويبدؤوا بها في كل زمان ومكان مما جعل القرآن يرتب – بعد مفهوم اتخاذ الشيطان عدو ثم ضرورة التوحيد في مقابل الشرك ثم الولاء والبراء – الجهاد كأول وأهم الواجبات في الصراع ليكتمل المفهوم القرآني بهذه الأربعة عناصر الرئيسية
ونجد مثلا في كتاب النصارى المحرف الذي لا يعلم له أصل الآتي:
انجيل متى 10: 34 “لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا فإني جئت لأفرق الانسان ضد ابيه والأبنة ضد أمها والكنة ضد حماتها وأعداء الإنسان أهل بيته ” انتهى
وهذا الكلام كما يدعون على لسان عيسى عليه السلام وهو دلالته كما اتفق في فهمها أصحاب العقل هو بيان للناس من أن مجرد الإعلان بالتوحيد أو الحق هو إعلان حرب وليس إعلان سلام فأي باطل لن يقبل سوى أن يزيل الحق تماما وذكرنا هذا هنا ليس للاستدلال به ولكن لنعلم وجود المقابلة في الكتب المحرفة لحتمية الصراع والحرب.
يقول الله عز وجل:” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ”وهذه الآية كانت تعقيبا على قتال المؤمنين لجالوت الظلم وقتل سيدنا داوود له فبينت ضرورة الصراع وحتمية الانخراط فيه حتى لا تفسد الأرض كلها وحتى يحفظ الحق والدين واهلهم
يقول الله عز وجل: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”، وهذه جاءت بعد ذكر الآتي قبلها: “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ”، فانظر أخي الكريم على معنى وحكمة ودقة الترتيب والتوصيف القرآني الكامل لحتمية الصراع في هذا الكون كما تقدم.
الحرب أداة الصراع الرئيسية
قبل زمن موسى عليه السلام كان الواجب من المؤمنين هو التصديق بالنبي واتباع دعوة التوحيد وكان الله يتولى إهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين وظلت هذه السنة قائمة حتى في بداية عهد موسى عليه السلام حين نجى الله المؤمنين وأغرق فرعون ولكن بعد ذلك جاء التشريع الإلهي بوجوب مدافعة المؤمنين لعدوهم الكافر وأن سنة إهلاك الكافرين بالقدرة الإلهية قد تغيرت فكان أمر الله لبني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة وحرب الجبابرة فيها ووعدهم بالنصر بمجرد الدخول عليهم والتزامهم بتنفيذ الأمر الإلهي ولكن بني إسرائيل قد رفضت الالتزام وتنفيذ الواجب وقالت لموسى كما يذكر الله عز وجل:”فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ “.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن ذلك الرفض كان مصحوبا برغبتهم في أن تظل سنة إهلاك الكافرين السابقة كما هي ورفضهم الالتزام بالتشريع الإلهي فكان عقابهم هو التيه حتى هلك كما ذكر المفسرون الجيل الذي رفض إطاعة الأمر بعد أربعين عاما وولد الجيل الذي حارب الكفار وامتثل أمر الجهاد مع النبي وفتح الله عليهم وذكر أن هذا النبي هو يوشع بن نون.
من هنا نعلم أن الحرب هي أهم أدوات الصراع حاليا وما يذكر من غير ذلك من مظاهر الصراع او تخصيص الحرب بالمجالات الأخرى كالحرب الفكرية والاقتصادية وغيرها هو الفرع وليس الأصل فالأصل في الصراع وعمدته هو الحرب العسكرية والباقي تبعا لها ولنتائجها ولذا يقول الله عز وجل: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ”.
ونرى أن هذا المفهوم الرئيسي واضح عند المفكرين الغربيين أيضا فيقول نيقولا ميكافيللي في كتابه الشهير الأمير ونفس المعنى ذكر أيضاً في كتابه فن الحرب:
“أثبتت الأيام أن الأنبياء المسلحين احتلوا وانتصروا بينما فشل الأنبياء غير المسلحين في ذلك”
فكأنه يريد الدلالة على أنه حتى المؤيدين بالنصر الالهي بحاجة إلى استعمال أسباب هذا النصر وهو السلاح حتى يستطيعوا كسب صراعاتهم وهذا بالطبع من المنظور الدنيوي المادي الذي يمثله فكر ميكافيللي.
ويعرف كارل فون كلاوزفيتز الحرب قائلاً: “ الحرب عمل من أعمال القوة لإجبار العدو على تنفيذ مشيئتنا ونعني بالقوة وسائط الحرب من الأسلحة وغيرها ” أي أن معنى الحرب هي اعمال القوة المادية من الأسلحة وغيرها اما غير ذلك فهو من باب التابع والثانوي فلذا يجب على المسلم ضبط المفاهيم بشكل صحيح والا ينزلق وراء كل ناعق فمن كثرة الكلام عن الحرب الفكرية والحرب الكذا والكذا نسى المسلمون الحرب الحقيقة حتى أصبحت هي الاستثناء وليس الأصل عند البعض ممن تشوهت أفكارهم نتيجة الدعايات والدعاة الذين يسعون بقصد أو بدون قصد لتحقيق هدف تدجين المسلمين وإعدادهم للذبح في هدوء وبلا ضجيج من قبل أعدائهم.
وكثيراً ما نسمع عن أن المصالح الاقتصادية وغيرها هي أسباب الصراع وليس أسباباً دينية في زعمهم وأن المسلمين متوهمون وغير ذلك من الدعاوي المشابهة والتي تتضمن معاني متقاربة ونرد هنا ونقول الآتي:
- أولاً: هذه الدعاوي تتكلم من منطلق علماني غربي يفصل الدين عن الحياة إما نحن المسلمين فليس عندنا شيء سببه ديني وآخر غير ديني بل كل حياتنا وتفاصيلها هي من ديننا الحنيف يقول الله عز وجل: “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين “
- ثانياً: أسباب الصراع ومصالح الشعوب كثيرة ومختلفة في الأهمية والحجم ولكن المصالح الاستراتيجية والاسباب الكبيرة دوما لا يمكن حسمها إلا بالحرب.
يقول كلاوزفيتز: «الحرب اصطدام بين مصالح كبرى لا يسوى إلا بالدم » بمعنى آخر أي صدام بين المصالح الكبرى سيكون نتيجته الحرب والتي لا تتم تسويتها سوى بالدم على أرض المعركة.
- ثالثاً: تعاليم وعقيدة الإسلام تصطدم اصطداما مباشرا مع كل مصالح الطغاة والظالمين والمستعمرين والمنحرفين فكريا وأخلاقيا وبالتالي لا يجد هؤلاء سبيلا سوى حرب الإسلام نفسه بكل وسيلة من أجل تحقيق أهدافهم ومصالحهم المختلفة مهما تشعبت وتعددت فهم يريدون سرقة الشعوب واستعباد البشر وانحراف الأخلاق وإطلاق العنان للشهوات واستباحة كل منكر ورذيلة. والإسلام يدعو للعدل وتوزيع الثروة وكفالة المجتمع وتحرير البشر وتهذيب النفس والأخلاق الفاضلة وكبح جماح الشهوة وردع المنكر وبالتالي فوجود الإسلام بعقيدته الواضحة وتعاليمه النقية وجهاده المتين يكون هو المانع الأول لهؤلاء الأعداء من تحقيق مصالحهم ولذا يعلنوه بالحرب بشكل علني كما قال بعضهم او بشكل غير علني وبكل وسيلة ممكنة.
طبيعة الحرب
كما ذكرنا سابقاً أن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه ولكل خلق طبيعة فالصخر طبيعته القساوة والماء طبيعته السيولة والدعوة محل اللين والرفق والتربية محل التوجيه والنصح وهكذا في كل مجال من مجالات الحياة وفي كل بيئة أو خلق خلقه الله عز وجل وكذا الحرب فإن لها طبيعتها المعلومة لكل من عاينها وأصولها وقواعدها المخصوصة التي ينبغي الاخذ بها وينبغي لنا كمسلمين أن نعلم ذلك علما صحيحا ليس فيه غلو فنجاوز الحد الذي وضعه الله عز وجل لنا ولا أن نفرط في أخذ الحرب بأسبابها وحقيقتها فتحرقنا نيرانها ونحن نتساءل عن طبيعتها القاسية.
يقول الله عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ”.
ويقول أيضاً: “فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ”.
“فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا”.
“مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ”.
هذه الآيات الكريمات قد وضحت للمسلم طبيعة الحرب القاسية وأمرته بالشدة والغلظة والإثخان والقتل وترصد وضرب رقاب الأعداء وكل هذه المعاني والأوامر هي ليست سوى تبيين لطبيعة الحرب وكيفية خوضها على الوجه الصحيح وليست لها علاقة بما يدعيه مدعي الإنسانية من الكاذبين والمضللين الذين يروجون لأكاذيب وضلالات تدعو المسلمين لترك الشدة في الحرب وقبول قتل أطفالهم واغتصاب نسائهم والقصف والذبح المستمر لهم عبر العقود المتوالية من أجل ألا يوصموا بالقسوة وغيرها من المعاني التي روج مدعوها لصورة ذهنية مثالية من وجهة نظرهم للإنسان المتسامح والدين المتسامح.
وكل هذه الضلالات هدفها كما ذكرنا سابقا تغيير الفكر والعقيدة الإسلامية من اجل تسهيل قتل وذبح الشعوب المسلمة بكل يسر وننظر الآن لبعض ما لدى الغرب من أفكار عن الحرب وهم يدعون أن بعض الألفاظ والآيات – التي ما جاءت سوى لتقرير طبيعة الحرب وقسوتها المعروفة لكل من عاينها حتى لا ينسى المسلمون ذلك – هي قاسية وغير إنسانية على حد زعم أفاكيهم من العرب والعجم.
جاء في كتاب النصارى المحرف الآتي:
سفر التثنية 20: 16-17: “وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما. بل تحرمها تحريما كما أمرك الرب إلهك”.
لوقا 19: 27: “أما أعدائي الذين لم يريدوا أن املك عليهم فاتوا بهم إلى هنا اذبحوهم قدامي”.
ولو أردنا أن نفرد ذكر ما جاء في العهد القديم من دعوات لقتل الحوامل والأطفال والنساء والذبح والقتل وغيرها من الصور غير المبررة للحرب فلن يتسع أي مجال لها ونحن هنا بصدد تقرير طبيعة الحرب القاسية والوحشية وهذا التقرير ضروري للغاية فكما وضحنا أن الحرب حتمية ومفروضة علينا لذا عند خوضها يجب علينا معرفة طبيعتها والأخذ بأسبابها بقوة حتى لا يأخذنا عدونا ونحن في غفلة الخزعبلات الوهمية.
وفي هذا المعنى يقول كلاوزفيتز: “ كون المشاهد الدموية مشاهد مرعبة يجب أن يجعلنا نتعامل مع الحرب كشيء جدي خطير لا أن نجعلها حجة لندع سيوفنا يأكلها الصدأ باسم الإنسانية فعاجلا أو أجلا سيفاجئنا أحدهم شاهرا سيفا ماضيا ليقطع أوصالنا ” فهذا المفكر الغربي الذي يسمون كتابه إنجيل الحرب قد قرر تقريرا واضحا يتفق عليه كل من خاض غبار المعارك فليس معنى تقريرنا لطبيعة الحرب القاسية أننا نهرب منها نحو كلام وهمي عن الإنسانية والرحمة ونترك الحرب والاستعداد لها وقد اتفق جميع المنصفون أن تعاليم الإسلام في الحرب هي أفضل وأرقى ما يمكن من وجهة نظرهم المادية وإن كنا كمؤمنين نعلم ذلك يقينا كونها من عند الله عز وجل ولكن وجب التنبيه على ذلك ويكفي مجرد المقارنة لأي حرب خاضها الغرب او غير المسلمين قديما او حديثا وبين حروب المسلمين لمعرفة الفارق الضخم للغاية بين المنهج الإلهي الكامل وبين المنهج المادي الذي يبلغ ذروة حقارته في الميادين التي لا يوجد بها رقيب أو حسيب مثل ميدان الحرب.
فمن هنا يجب علينا ألا ننسى القسوة والشدة والغلظة في الحرب مع الالتزام والتقيد بالأحكام الإسلامية فيها وإن كان الغالب في هذا الزمان هو التفريط في جانب أخذ الحرب بحقيقتها عند الشعوب الإسلامية بالرغم مما تعرضوا له.
يقول كلاوزفيتز: “الحرب بطبيعتها قاسية وخطرة ولا مجال لطريقة بارعة لكسبها دون إراقة الدماء لذا يجب الاستخدام الأقصى للقوة مطلقا فلابد من الواقعية ومعرفة أن حقيقة الحرب ما بين المخاطر الهينة إلى الوحشية القاسية وأن المعركة هي الحل الأكثر دموية ينبغي ألا نعدها ببساطة كتقتيل متبادل إلا أن الحقيقة الثابتة على الدوام هي أن سمة المعركة كاسمها تجعلها كالمجزرة وثمنها الدم “.
أسود ونعام
ينقسم الناس في الحرب إلى أسود شجعان يأخذونها بحقها لا يهابون طبيعتها ولا قانونها وإلى نعام جبناء يهربون منها بكل وسيلة وتحت عديد العناوين ومن واجبنا كمسلمين أن نلتزم بتعاليم الدين الذي أمرنا بقتال الأعداء والظالمين وأن نكون من أسود التوحيد وليس من جبناء المرجفين.
يقول الله عز وجل: “مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ”.
ويقول الله عز وجل: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.
لذا فإن واجب كل مسلم هو المشاركة في الصراع والحرب بكل وسيلة ممكنة ولا عذر لأي أحد خصوصا في زماننا هذا الذي استباحنا فيه جميع الأعداء ويشارك المسلم بنفسه وماله أو بالتحريض أو الإعداد أو الدعاء ولا عذر لأي فرد فمجالات المشاركة متاحة لكل شخص كلا على حسب استطاعته وقدرته ونختم مقالنا ببعض الأبيات التي تمثل الحال الذي ينبغي علينا أن نتمثل به في هذا الزمان.
وإني لمقتاد جوادي وقاذف
به وبنفسي العام إحدى المقاذف
فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن
على شرجع يعلى بخضر المطارف
ولكن قبري بطن نسر مقيله
بجو السماء في نسور عواكف
وأمسي شهيدا ثاويًا في عصابة
يصابون في فج من الأرض خائف
فوارس من شيبان ألف بينها
تقى الله نزالون عند التزاحف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى
وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف
(المصدر: موقع تبيان)