طبائع المدجنين
بقلم محمد حافظ
تحيرني طبائع المدجنين وطرقهم في التفكير.. مجهود ضخم جدا لتقنعهم بما هو فطري وبديهي.. لذلك قيل (من المعضلات توضيح الواضحات).
سويسرا مثلا لم تخض أي حرب منذ أكثر من 150 عاما، ولا تواجه أي خطر عسكري مباشر أو غير مباشر على مسافة ألف كيلو متر من جميع الاتجاهات، ومع ذلك فهي تقع في المرتبة الثالثة عالميا (بعد أمريكا واليمن) في عدد السكان الذين يمتلكون السلاح.. إذ يمتلك ثلث شعبها السلاح بصورة قانونية.
إنها ثقافة الدفاع عن النفس الفطرية.. فما الذي أستفيده حينما يُعدَم المجرم الذي اقتحم بيتي وقتل أطفالي؟ هل سيعيد ذلك أطفالي؟ لماذا لا تكون عندي قطعة سلاح لأمنع وقوع الجريمة ابتداء، بدلا من أن يدمر أحدهم حياتي بينما أنتظر أن يأتي أحدهم لإنقاذي أو لا يأتي؟
إن المجرم سيحصل على السلاح في كل الأحوال سواء منعته الحكومة أم لا.. فلماذا تكون له هذه الميزة بينما يمنع منها الشخص الشريف؟
سيفكر المجرم ألف مرة قبل تنفيذ جريمته إذا علم أن من سيهاجمه مسلح.. وتحت يدي الآن إحصائيات أمريكية تفيد بانخفاض معدل الجريمة في الأماكن التي يزداد امتلاك الناس فيها للسلاح.
ستقول إنه سيتسبب في حوادث قتل.. فلنمنع سكاكين المطبخ إذن التي قد تستخدم للقتل.. بل لنمنع السيارات والطائرات والقطارات، فقد قتلت هي الأخرى مئات الألوف من البشر.. سوء الاستخدام وارد وليس هو الأصل.. ويمكن ضبطه بقواعد تنظيمية مثل أي شيء له جوانب سلبية يضبط بقواعد تنظيمية لتقليل سلبياته.
إنها ثقافة السلاح.. الذي هو الضامن الحقيقي الوحيد لمنع طغيان الحكام.. لذلك تمنعنا الحكومات العميلة في بلادنا من حيازته.. بينما نجده حقا دستوريا في بلاد أخرى.. إنها بلاد علمت أن الطغيان قد يكون أكثر كارثية من الغزو الأجنبي فصار السلاح ثقافة مجتمعية عندهم.
التسلح ضمان حقيقي آخر لمواجهة الغزو الأجنبي.. هل كانت أفغانستان لتصمد في وجه أمريكا ومن قبلها روسيا لو لم يكن شعبها مسلحا.. وهل كان لليهود أن يفروا مولين الأدبار لو لم يكن أهل غزة مسلحين.. وهل كان لأهل بورما أن يُحرقوا وهم أحياء لو كانوا مسلحين؟
هل أمرك دينك أن تعيش مهانا تحت رحمة “بلطجي” الشارع أو عصابة المنطقة؟ هل مطلوب من المسلم أن يعيش في رعب دائم على زوجته وابنته وأخته، والتي إن اعتدى عليها أحدهم فلن يملك لها سوى تقديم شكوى لقسم الشرطة، الذي سيضع بدوره شكواك على الرف فتعيش مطأطئ الرأس بقية عمرك؟
والتي أيضا إن لم يصبها مكروه فذلك راجع لكرم أخلاق البلطجي فحسب وليس لأي سبب آخر.. وكفى بهذا إذلالا لمن تَفكر..
ثم إن انتشار السلاح في الغرب صار قاطرة لتطوير علوم كثيرة.. وتقدم صناعات كثيرة.. وازدهار اقتصاد واسع.. وانا أرصد ذلك بنفسي متحسرا على شعوبنا المدجنة الذين يعيشون في منطقة تموج بالحروب وتعج بالصراعات وتزدحم بالطغاة وتستبيحها الجيوش الأجنبية، ولا يقدرون على حمل مطواة جيب ويمضون حياتهم مدجنين دون أن تمس سبابتهم زناد بندقية..
هذا الطفل مثلا.. يتعلم الرماية برشاش أنت لا تعرف اسمه أصلا.. فضلا عن مواصفاته أو كيفية الرماية به، وهو ليس حالة فريدة لأب صهيوني متطرف.. فأكثر من 71 ألف طفل في أمريكا يتلقون التدريب العسكري إلى جانب التعليم العادي منذ نعومة أظافرهم.. ناهيك عن النوادي والمجموعات والتدريب المنزلي.. ويبدو أن الثرثرة حول حقوق الطفل موجهة لنا وحدنا فحسب..
يعلمونهم وهم دون الثامنة الرماية ببندقية M16 واستخدام القنبلة اليدوية MK2، ودروسا نظرية في قيادة الدبابة إبرامز.. بالإضافة إلى دروس عملية ونظرية في فن التخفي والاستراتيجيات وأساليب حرب العصابات، إنهم لا يربون دجاجا ينتظر دوره في الذبح.. بل يربون أولادهم تربية واقعية في عالم لا يعرف سوى لغة القوة..
وبعد سنين قليلة وفي غفلة منك، وبينما ٲنت وابنك تركضان لتحصيل لقمة العيش وتحسين ظروف المعيشة في واقع طاغوتي لا يمكن تحسينه.. سيكبر هذا الطفل ويأتي لبلادك ليحتلها ويقتل أطفالك ويهدم بيتك.. ووقتها أخبر طفلك أن يواجهه بالورود.
(المصدر: مجلة كلمة حق)