طالبان من الداخل 2
مذكرات الملا عبدالحي مطمئن المتحدث السابق باسم الملا عمر
معنى جذور وكلمات “طالب” و”طالبان“
تم تقديم اسم جديد للعالم بحلول نهاية القرن العشرين هو “طالبان”. لكن لم تكن هذه الكلمة جديدة بالنسبة لمعظم الناس. فطالب هي كلمة عربية مأخوذة من كلمة “طالب علم”، والتي تعني المتعلم أو الطالب. صيغة الجمع في اللغة العربية هي “طلبة” و”طلاب”. في العالم العربي يُعرف طلبة المدارس والجامعات بـطلاب الجامعات وطلاب المدارس سواء كانوا يدرسون دراسات دينية أو حديثة.
في الهند وباكستان ، تستخدم الكلمتان “طلبة” و “طالبات” في التعليم الديني أو الحديث. يُعرف طلاب التعليم الحديث في أفغانستان باسم “محصلين” أو “متعلمين”، وهي كلمات عربية أيضًا، ويُعرف طلاب الدراسات الدينية باسم “طالب”، وتُستخدم صيغة الجمع “طالبان” بدلاً من صيغ الجمع العربية. على غرار “أفغانان”- أي أفغان- فإن طالبان هي صيغة الجمع الباشتونية.
من زاوية تاريخية، ففي بلاد فارس وخراسان مثل أجزاء أخرى من العالم الإسلامي خلال الخلافة العثمانية، كان معلمو الأدب والأخلاق يُعرفون باسم “المعلمين” أو “المؤدبين”. ولكن تغيرت هذه الكلمات ببطء، وأصبح الاستخدام الشائع هو لكلمات مثل “ملا، مولوي، مولانا”.
في المجتمع الأفغاني، يُعرف الملا الذي تلقى تعليمًا دينيًا باسم “مولوي”. وكلمة “مولوي” مأخوذة من كلمة “مولانا”، والتي تعني المالك للشيء أو الجليل أو الشخصً الحكيم. والمقصود هنا هو المعنى الثالث. ويُعرف الشخص الذي ينتسب إلى الدراسات الدينية عمومًا باسم “الملا.”
أما “خوند” فهي كلمة فارسية تستخدم للمعلم، وتُستخدم أحيانًا في لغة الباشتو جنبًا إلى جنب مع الملا، فعلى سبيل المثال يُقال “الملا برجان أخوند”. وتُستخدم كلمة “أخوند” أيضًا في أفغانستان من قبل المجتمع الشيعي لوصف الإمام أو الملا الشيعي، ويطلقون على ملاليهم اسم “أخوندان”. ولكن في لغة الباشتو، تُستخدم هذه الكلمة في سياق مختلف كإهانة، فعندما يُقدم شخص ما “الملا” على أنه نصف ملا فإنهم يقولون: “إنه ليس ملا بل “آخوند”.
في الجانب البشتوني من وادي خيبر، يُعرف ابن العالم الإسلامي باسم “أخوند زاده”. الكلمة الفعلية هي “أخوند زاده ” والتي تعني ابن الملا أو “أخوند”، ويستخدم هذا التكريم عادة لابن أحد كبار العلماء المسلمين. ولفظ “صاحب زادة” يستخدم أيضا لوصف أبناء علماء المسلمين والصوفية والصالحين. وفي لهجة الباشتو، تُلفظ هذه الكلمة عمومًا باسم “ساب زادة”. ويستخدم لقب “صاحب حق” أو “سابي حق” أيضًا لابن المدرس أو العالم الإسلامي.
أفغانستان وثقافة الطالب
يعود التاريخ الثقافي لأنظمة تعليم طلبة العلم “طالبان” إلى قرون مضت في أفغانستان. كانت هناك مدارس رسمية محدودة للغاية توفر التعليم الديني. وبشكل عام، كان لكل عالم إسلامي عدد محدود من الطلاب اعتمادًا على قدرته الاستيعابية. وإلى جانب المسجد، كان لكل عالم غرفة أو غرفتان لسكن الطلاب. وقد أطلق عليها طلبة العلم اسم “الحجرة” أو “الديرة”. وكان الطعام يقدمه أشخاص مرتبطون بالمسجد.
العلماء المسلمون الذين تمكنوا من توفير التعليم الديني هم أئمة المساجد الكبيرة، وكانت قرية أو اثنتين من القرى الكبيرة تقوم على خدمة المسجد حيث يقوم السكان طواعية في ظل محبتهم للدين بتزويد الإمام وطلبة العلم بالطعام. في حين يُسمى الأطفال الذين يُرسلون إلى المنازل لجمع الطعام باسم “تشريان” أو “تشاني” في الجزء البشتوني من وادي خيبر. كان هناك نوعان من الطلاب في هذه المراكز التعليمية الصغيرة: الأول هم من جاءوا من المناطق المجاورة للأماكن التعليم الديني حيث لم تكن لديهم مصاريف ترتبط بالعملية التعليمية. أما الآخرون فهم طلاب أتوا من مناطق بعيدة للدراسة على خلفية شهرة العالم الذي يتولى التدريس. وكانوا يعيشون هناك خلال الأسبوع، ويذهبون إلى منازلهم بعد ظهر كل خميس ثم يعودون يوم الجمعة. بقيت قلة منهم في أماكن الدراسة لأشهر وربما لسنوات حتى إتمام تعليمهم. وكانت مواجهة المشقة والجوع والشعور بالعوز أثناء القيام بالتربية الدينية تُعد من دواعي الفخر والحظ السعيد.
يخبر المعلمون الدينيون طلابهم دائما أن مواجهة صعوبات التعليم ليست شيئًا جديدًا في التاريخ الإسلامي. حيث واجه علماء المسلمين المشهورين المحن خلال رحلة التعليم الديني مثل الإمام البخاري الذي واجه تحديات في البحث عن الحديث النبوي.
يعطون أمثلة عن أصحاب الصفة- وهو مكان في آخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى لهم ولا أهل- ويقولون إن نموذج الطلاب المحتاجين المقيمين معًا بدأت في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث لم يكن لأصحاب الصُفة مكان للإقامة، لذلك كانوا يعيشون في غرفة فوق المسجد مبنية بسعف وأغصان النخيل التمر. يُعتبر هؤلاء في الإسلام مصدرًا رئيسيًا للصلاح وفهم الإسلام والسيرة والحديث. أبو هريرة رضي الله عنه – واسمه الحقيقي عبد الرحمن بن صخر – هو أشهر الطلاب الذين رووا أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد واجه العديد من التحديات في هذا الطريق. ذات يوم بسبب الجوع كان مستلقيًا على الطريق إلى المسجد النبوي، وغير قادر على الحركة، ولم يصرح عن حالته لأحد. ولكن قد مر الناس عليه حتى جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم فأخذه إلى بيته. وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: أهل الصُفة (طالبان) أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد.
خلال القرون القليلة الماضية في أفغانستان والمناطق المحيطة، قُدم التعليم الديني في الغالب من خلال المدارس الدينية. وتُعرف هذه أيضًا باسم الحجرة. في وقت لاحق، تم إنشاء عدد قليل من مراكز التعليم الديني الرسمية والمنظمة، وقد بُنى بعضها بجهود ذاتية والبعض الآخر بجهود رسمية. لكن تلك المدارس نظمت منهجية التعلم والفصول وقواعد الامتحان. ويشمل ذلك مدارس: دار العلوم العربية في كابول، ومدرسة أبو حنيفة، ونجم المدارس في ننجرهار، ونور المدارس في غزني، والأسدية في بلخ، والمدرسة المحمدية في قندهار، ومدرسة هرات الدينية، ودار العلوم في تخارستان بشمال أفغانستان، وعدد قليل من المدارس الصغيرة والكبيرة الأخرى. وفي السابق كان من الصعب جدًا على الطلاب الالتحاق بالمدارس التي يديرها علماء مسلمون مشهورون في أفغانستان حيث يُقبل فقط الطلاب الأذكياء بعد إجراء مقابلات، ولذا كان الحصول على قبول يمثل مصدر فخر للطلاب.
المصدر: موقع البوصلة