في السنوات الأخيرة لوحظ توجه الكثير من جنود الجيش الصهيوني نحو اعتمار قبعات المتدينين، والالتحاق بدورات التعاليم الدينية التي ينظمها الحاخامات داخل الجيش.
ففي يوليو 2014م وخلال الحرب الصهيونية على قطاع غزة وزعت رسالة مطبوعة على لواء جيفعاتي وهو اللواء الأبرز في الجيش، كتب فيها الكولونيل عوفر وينتر قائد اللواء: «لقد اختارنا التاريخ لنقود الحرب على العدو الغزاوي الإرهابي الذي يلعن ويذم ويكره رب إسرائيل»، وأنهى الرسالة بنص توراتي يبشر «محاربي إسرائيل» في ساحات القتال بالحماية الإلهية.
وبعد مرور ثلاثة أعوام لا تزال الرسالة تحمل رمزاً لتحول شديد داخل المجتمع الصهيوني: «تزايد قوة وسلطان المتدينين القوميين. وفتح هذا التحول الباب أمام معركة على الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه إسرائيل.. معركة بين الليبراليين ومعسكر المتدينين القوميين».
في سنوات إسرائيل الأولى كان هناك مركزان رئيسان للسلطة هما الجيش والحكومة، وكان يهيمن عليهما النخبة من العلمانيين واليساريين في الأغلب الأعم ممن أسسوا الدولة في 1948م، لكن في السنوات العشر الأخيرة أو ما يقرب ظهر جيل جديد من الزعماء يجمع بين الدين والقومية.
ففي يناير 2016م أعلن جادي أيزنكوت رئيس أركان الجيش الصهيوني أنه سيبعد وحدة عمرها 15 عاماً مكلفة بمهمة نشر «الوعي اليهودي» من حاخامية الجيش وهي الجهة المعنية بتقديم الخدمات الدينية داخل صفوفه. وبات قسم «الوعي اليهودي» يثير من آن لآخر انتقادات من داخل الجيش وخارجه لدفعه بأجندة أيدلوجية دينية يمينية. ويخشى بعض العلمانيين في الجيش من أن تدفع المبالغة في الترويج للأفكار الدينية داخل الجيش الجنود للتساؤل عن من ينبغي عليهم أن يطيعوه: قائدهم أم الرب؟
هذا الأمر وفقاً لتقرير نشره معهد «بيغن – السادات» يؤدي إلى تغييب الطابع المهني في الجيش وغياب الهوية الوطنية له، وفقاً لآراء الليبراليين الذين يرون في ذلك غياباً لتعدد الثقافات وينتهك قواعد التعدد في المجتمع الصهيوني. يقول التقرير إن إحضار الرموز الدينية إلى قواعد الجيش يعطي انطباعاً بالتمييز بين المتدينين والعلمانيين من الجنود، وهذا الأمر ينعكس على طريقة تعامل الجنود مع بعضهم البعض. إن رئيس الوزراء الصهيوني السابق ديفيد بن غوريون وهو أحد مؤسسي المشروع الصهيوني في فلسطين هو أحد القادة الذين لم يرتدوا «الكيباه» اليهودية خلال عملهم الحكومي، لكن في أبريل عام 1948م عقب إلقائه خطاب إنشاء «إسرائيل» ركز على أن يربط بين الجانب الديني والوطني والعسكري والسياسي دون استثناء لأي مكون من مكونات المجتمع الصهيوني.
يقول التقرير، بعيداً عن النظام الليبرالي الذي يحاول أن يركز على وجود أداء سياسي سليم، فإن معظم العلمانيين في المجتمع الإسرائيلي يريدون مساحة عامة ذات طابع علماني، لكن بالنظر إلى مشاركة جنود الجيش في الصلاة قبل خوض أي حرب فإنهم ينظرون إلى الصلاة على أنها حيلة دينية تستغل خوف الجنود. لكن ذلك لا يعني أنه لا أحد يستطيع إنكار وجود حاجة حقيقية للصلاة حتى بين الجنود غير المتدينين.
يؤكد المعهد أن اليهود العلمانيين هم أغلبية في المجتمع الصهيوني، ويتم تصنيفهم على أنهم تقليديون وهم المجموعة الأكبر في المجتمع، وإذا جزمنا أن كل من لا يتعبد يوم السبت فهو علماني فإننا سنجد أن اليهودية التقليدية هي الأغلبية في المجتمع وأن العلمانية أقلية صغيرة.
يؤكد معهد «بيغن – السادات» أن عدداً كبيراً من الصراعات المكثفة تدور داخل المجتمع الصهيوني في إطار وصفه بالمجتمع اليهودي، فالخلاف ليس فقط حول الأغلبية وما يميز هويتها، بل أيضاً على نوع المساحة العامة التي تريدها هذه الأغلبية، فعلى سبيل المثال هناك صراع على المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، ومع ذلك فإن تلك المدارس هي يهودية بالدرجة الأولى وليست علمانية، وحقيقة أن الأهالي يرسلون أطفالهم إلى مدرسة حكومية هذا لا يعني أنهم يريدون للطفل أن يحصل على تعليم علماني.
ويخدم المتدينين في الجيش منذ فترة طويلة لكنهم كانوا يتعاملون عادة مع المسائل اللوجستية كتلك المتعلقة بقواعد الصيام اليهودي. لكن هذا بدأ يتغير في أوائل القرن الحالي. فقد تمكنت الحاخامية بالجيش من انتزاع دور جديد يتمثل في ربط الجنود بجذورهم اليهودية وغرس الروح القتالية فيهم على أساس العقيدة والتقاليد المتبعة منذ قرون.
وأسست الحاخامية قسم «الوعي اليهودي» الذي يقدم للجنود جولات ومحاضرات عن اليهودية ودروساً تمزج بين التعاليم الدينية والقيم العسكرية مثل روح القيادة والمودة والتضحية.
لا يوجد إحصاءات محددة تبين عدد المتدينين في الجيش لكن مجلة «معاراشوت» التي تصدرها وزارة الدفاع تظهر أنه بحلول سنة 2008م زادت نسبة المتدينين القوميين بين طلبة سلاح المشاة لعشرة أمثالها لتصل إلى 26 في المئة بعدما كانت 2.5 في المئة عام 1990م.
ويظهر بحث أحدث أجراه متخصصون من أمثال «روفين جال» رئيس الاتحاد الصهيوني للدراسات المدنية – العسكرية أن ذلك الاتجاه في تزايد، إذ يمثل الصهاينة المتدينون الآن ما بين ثلث ونصف الطلبة العسكريين.
(المصدر: مجلة البيان)