مقالاتمقالات مختارة

ضوابط حرية التعبير في الإسلام

ضوابط حرية التعبير في الإسلام

بقلم د. ياسر عبد التواب

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أوسع الناس صدرا وأعظمهم حلما ورفقا يسمع لامرأة تشكوا إلى الله ولإعرابي يجذبه من ردائه، ويجيب سؤال الجاهل ويصبر عليه ويعلم طالب العلم ولا يضجر منه، وكان يستشير الناس ويسمح لهم بإبداء الرأي حتى في الحروب وهي أكبر أزمات الدول، والصحابة في عهد الخلافة من بعده كانوا يستمعون إلى آراء غيرهم، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشير ويجمع الناس للشورى في كثير من أمور الدولة وأمور الدين، وكان أيضاً لا يقصر مشورته على الشيوخ بل يلجأ إلى الشباب ويستشيرهم.

وكانت خطبة الجمعة لها عظيم الأثر ومجالس العلم والنقاشات الدعوية مع المسلمين وغيرهم لها شأن كبير وكانت هناك أيضا التجمعات الثقافية  كسوق عكاظ والأندية والمجالس العامة شائعة حتى قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها..)  كل هذا يعطينا مثالا عن الحرية الإعلامية في صدر الإسلام.

كل ذلك وفق إطار عام  يحترم الشريعة ويحترم حقوق الآخرين حيث جاء في الإسلام ضوابط لحرية التعبير، ويمكن تصنيف هذه الضوابط إلى نوعين من القيود هما: القيود الأخلاقية والقيود القانونية ؛ يجب على من يتكلم في حق غيره أن يراعيها وإلا صار عمله ممنوعا شرعا ويترتب على ذلك آثارا قانونية أو مجتمعية أو أخروية.

القيود الأخلاقية

  1. عدم الغيبة، وهي الحديث عن شخص آخر والمس بسمعته وتجريحه ولو كان بحق
  2. عدم السخرية من الآخرين وإسقاط هيبتهم والكذب عليهم.
  3. عدم كشف عيوب الآخرين أمام الناس.

القيود القانونية

  1. عدم إيذاء الآخرين وقذفهم بأمور يعاقب عليها الدين كالسرقة وشرب الخمر والرذيلة وغيرها.
  2. عدم تكفير المسلم.
  3. عدم الافتراء على المسلم.
  4. عدم سب الله ورسله.
  5. عدم الدعوة للبدع أو إضافة أمر إلى الدين ليس منه

وهذه الضوابط كلها -أخلاقية أو قانونية- إن ثبتت فيثبت معها عقاب يناسبها في الشرع بحسب حجم الجريمة.

كذلك هناك محددات لحرية التعبير في الإسلام فمثلاً إذا أراد إنسان أن ينهي إنسان آخر عن عمل حرام فلا يحق له أن يدخل بيته مثلاً دون استئذانه ليقوم بذلك ولا ينظر داخل البيت أو يسترق السمع عليه فيعرف أنه يشرب خمرا مثلاً، فيأمره وينهاه.

وبالنسبة للعمل الإعلامي تعتبر الرسالة الإعلامية المخلة بالآداب أو المحرضة على فساد الأعراض أو الكاشفة عن أسرار الناس أو الدولة رسالة معتدية ظالمة ويجب معاقبة القائم بالاتصال وصدها والتحذير منها ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

فالقرآن الكريم يمنح الأفراد حرياتهم الخاصة كاملة ويحميها من الإعتداء ما لم يعتد الفرد في ممارسته لحقوقه على الحق أو الخير أو المصلحة العامة، فإذا اعتدى فإن الحرية تصبح في مفهوم القرآن اعتداء يتعين وقفه وتقييده. ولذلك تعتبر الحرية المتجاوزة لهذه الحقوق تعدياً يجب وقفه ومحاسبة فاعله والمحرض عليه بشكل قانوني يتناسب مع جرمه فما كان متعلقا بغيبة شخص يجب الاعتذار إليه على الملأ، وما كان أكبر من ذلك فعلى ما يحكم به ذوي الاختصاص؛ وما كان من جرم يعاقب عليه الشرع كحد القذف فيجب الامتثال له وهكذا.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى