بقلم د.علي السباعي
تُعد المصطلحات الفكرية من أخطر الأشياء تأثيرا على العقول والعقائد والأفكار، لاسيما إذا كانت هذه المصطلحات تستند إلى عقيدة دينية، فغالب ما يجري اليوم من قتل وتعذيب وانتهاك دافعه هذه المصطلحات الدينية على وجه الخصوص، فالمصطلحات الدينية المتداولة في العالم اليوم كـ «يهودي» أو «نصراني» أو «بوذي» أو «مسلم» أو «مبتدع» أو «رافضي» أو «مرتد» أو «ولي أمر» ونحو ذلك قد افترق البشر بسببها افتراقا عظيما، وصل بهم الحال إلى القتل والإبادة والحرق والنفي والهجر وهلم جرّا. ولكي لا يقع الإنسان في الزيغ والضلال لابد له من أن يسلك المنهج العلمي والموضوعي في التعاطي مع مثل هذه المصطلحات كل بحسبه، فكما أننا نرجع في تعريف المصطلحات الطبّية والهندسية والإدارية إلى مراجعها، وجب علينا أن نرجع في تعريف المصطلحات الدينية إلى ذات المراجع الدينية.
مصطلح «ولي الأمر» من المصطلحات التي اختلف الناس حولها اختلافا كبيرا، بلغ ببعضهم أن أدخل فيه الكفار ومن يُحارب الشريعة ويسعى الليل ويتبعه بالنهار من أجل إقصائها، ولو سلك هؤلاء المنهج العلمي والموضوعي في تعريف هذا المصطلح «ولي الأمر» لما وصلوا إلى هذا الزيغ والضلال، وحيث أن هذا المصطلح مصطلح شرعي وجب علينا الرجوع إلى الكتاب والسنّة لتعريفه وضبطه.
سنلقي الضوء على ضابطين لولي الأمر يغفل عنهما أو يهملهما كثير من الناس:
الضابط الأول: الإسلام
تواترت الأدلة وتضافرت على أن الحاكم الذي يحكم المؤمنين لابد أن يكون مسلما قال الله تعالى {يا أبها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. فولي الأمر الذي يحكم المؤمنين لابد أن يكون منهم أي من المؤمنين بنص الآية، ولذلك قال القاضي عياض (أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل).
الضابط الثاني: يجب أن يحكم بالشريعة
قال النبي صلى الله عليه وسلم [ولو استُعمِل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا] رواه مسلم. والشاهد هو قوله [يقودكم بكتاب الله] وليس بقوانين وضعية ولا أنظمة من صنع البشر ولا معاهدات دولية ولا دساتير غربية. ولذلك قال القاضي عياض (فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب أمام عادل أن أمكنهم ذلك). كما نقل النووي في شرحه لصحيح مسلم. ومما يؤيد هذا المعنى ما ورد في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم [إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين]. والشاهد هو قوله [ما أقاموا الدين]. أي الشريعة وحكم الله.
فلو أن حاكما يقوم الليل ويصوم النهار ويتبرع لبناء المساجد، ثم بعد ذلك لا يحكم بشريعة الله فليس هذا الحاكم الذي يجب طاعته في المنشط والمكره، وليس هذا هو الحاكم الذي يُطلق عليه “ولي أمر” شرعي بنص الأحاديث السالفة.
فهذين الضابطين أهملهما بعض الناس، فانحرفوا انحرافا كبير في هذا المعنى، فجعلوا ولي الأمر بريمر الأمريكي الذي جاء على دبابة الاحتلال، وكذلك جعلوا ولي الأمر أئمة الكفر الذي يحاربون الدين والتدين ومظاهر الاستقامة وسعوا بكل ما أوتوا لإقصاء الشريعة وإبعادها عن الحياة.
فإذا حقق «ولي الأمر» هذين الشرطين فعند ذلك نسمع له ونطيع وإن جلد ظهورنا وأخذ أموالنا واستأثر ببعض الدنيا عنا، إما إذا انخرم أحد هذين الشرطين فلا سمع ولا طاعة. وبهذا يتبين غلو بعض الطوائف التي تنسب نفسها للسنّة والسلف في مسمّى «ولي الأمر» فجعلت من أئمة العلمانية الذين يحاربون الشرعية أولياء أمور تجب لهم الطاعة والانقياد!.
————————————–
ـ المقصود بـ «ولي الأمر» هنا الحاكم المسلم الذي يجب طاعته في المنشط والمكره مادام أنه يلتزم هذين الضابطين، أي مسلم ويحكم بشرع الله.
ـ وردت صفات وضوابط لولي الأمر كثيرة في الكتاب والسنة كالعلم وإقامة العدل والرجولة ونحو ذلك، ولكن هذه الصفات ليس مرادنا في هذا المقال، إنما أوردنا ضابطين يغفل عنهما كثير من الناس.
المصدر: موقع الأمة.