صور منحرفة في شهر رمضان المبارك يجب تصحيحها
بقلم بسام الحمزاوي
أولاً. صورة الابن الذي يترك مائدة الطعام عند المغرب والأهل يجتمعون حولها لينزل لصلاة المغرب في المسجد معتبرًا أن هذا هو الدين، وبسب ذلك تنشأ يوميًا عند الإفطار خصومة وشحناء ويصير جو البيت متوترًا عند كل مغرب من رمضان مع أبويه، ثم يسأل: أليس هذا هو الدين؟ والجواب: لو أنَّ أبويك راضيان فلا حرج، ولكن المشكلة الخصومة المتكررة معهما مع أنّ البخاري أخرج [671] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَابْدَءُوا بِالعَشَاءِ»، وفي البخاري [5464] عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ تَعَشَّى مَرَّةً، وَهُوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ»، فكيف بهذا الشاب الطعام حاضر وغضب الوالدين حاضر إن ذهب، فما له يوتر جوَّ بيته وله رخصة في دين الله تعالى.
ثانيًا. صورة الأب الذي يحذر أهل بيته قبل حلول رمضان بأنه صائم ولا داعي أن يغضبه أحد حتى لا يبطش به، وكأنَّ الصوم مرحلة زمنية تفسد فيها الأخلاق؟!! مع أنَّ نبينا الكريم علمنا أنَّ رمضان شهر الحِلم، ومن صور الحلم كما في البخاري [1894] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الصِّيَامُ جُنَّةٌ..، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ” المقصود كن حليمًا فإن استفزك إنسان وشتمك قابله بالحلم، فكيف بمن يتوعد؟!!
ثالثًا. صورة الزوجة التي إذا جاء رمضان استقبلت القبلة في قيام الليل وقصَّرت بحق الفراش مع زوجها لأنَّ معلمتها علمتها أن رمضان شهر القيام والقرآن، وهذا صحيح، ولكن نسيت معلمتها أن تفهمها أن قيام رمضان سنة مهمة وطاعة الزوج واجب، والواجب مقدم على السنة، ونسيت أن تحدثها ما أخرجه البخاري [5194] عن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ» يعني إذا كان للزوج حاجة منها وهي معرضة ومشغولة عنه ولو بقيام وقرآن.
رابعًا. صورة الزوج الذي لا تتتغير طلباته في رمضان، فإذا هو يرهق زوجته بعزايم رمضان الكثيرة، أو بمائدة طعام يومية مرهقة، أو بضيوف يأتون وضيوف يذهبون…إلخ، وكأن المرأة مطلوب منها في شهر رمضان أن تكون حبيسة المطبخ، ومشغولة بأمر البيت فقط دون أن يترك لها مجالاً لركعات القيام، وقراءة القرآن، ومناجاة في السحر…إلخ مع أن البخاري أخرج [37] عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وهذا للذكور والإناث، وبالمقابل لا بأس بدعوة الأهل والمعارف بالمعقول فمن فطر صائمًا فله مثل أجره.
خامسًا. صورة الموظف الذي يتأخر عن عمله ويعطل المراجعين، وإذا جاء كان مقطبًا لجبهته ينهر الناس ويعاملهم معاملة سيئة كل ذلك تحت اسم أنه صائم، وتغافل هذا المسكين عما أخرجه البخاري [1904] عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ”، والرفث: الكلام الفاحش، وفي رواية للبخاري: “ولا يجهل” أي: لا يفعل شيئًا من أعمال الجهال، فالصوم في رمضان هو خلق فاضل، وسوء الأخلاق من أفعال الجهال والسفهاء.
سادسًا. صورة من يفهم أن شهر رمضان شهر بطالة نوم في النهار، وأكل وشرب بالليل، وهل كانت كبرى مواقع الإسلام كفتح مكة إلا في رمضان، وفي البخاري [6] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ»، واعتكافه عليه الصلاة والسلام في رمضان كما في البخاري [813]، فرمضان صيام وقيام وقرآن واعتكاف وعمرة فيه تعدل حجة…إلخ.
سابعًا. صورة من يظن أن الصوم يقتضي صرف الوقت في التسالي وتضييعه في الترهات: ولا أظن أني أحتاج لسرد أدلة تدل على خطأ هذا، مع أن الترفيه عن النفس والراحة والمزاح المعتدل كله لا حرج ولا إشكال فيه، ولكن الحذر من أن يكون هو الغالب.
اللهم أعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان وأدخلنا الجنة بسلام.
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)