مقالاتمقالات مختارة

صورة من واقع الصراع العلماني الإسلامي (الأحزاب الإسلامية) 3

صورة من واقع الصراع العلماني الإسلامي (الأحزاب الإسلامية) 3

بقلم صهيب مقداد

ولا أبالغ إن قلت: أنني مُحتار في أيهم أشد قمعًا من الآخر، فصحيح أن النظام الأسدي قد كشّر عن أنيابه وأظهر حقده الدفين في الآونة الأخيرة، إلا أن نظما اخرى قد أبدت مثل ما أبداه نظام الأسد قبل عدة عقود، والمفارقة بين النظامين أن الله قد هيئة لتركيا رجال دولة وسياسة من الطراز الرفيع، فهموا اللعبة وعلموا جيدًا من أين تورد الإبل، وأحد هذه الشخصيات البارزة السياسي والمهندس ورئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان.

 

ولد نجم الدين أربكان في ٢٩ أكتوبر ١٩٢٦ م، حاصل على الدكتوراه من جامعة آخن الألمانية في تخصص هندسة المحركات عام ١٩٥٦ م، وأثناء عمله في ألمانيا توصل إلى أبتكارات جديدة في مجال صناعة محركات الدبابات التي تعمل على الوقود، وبعد عودته من ألمانيا إلى تركيا أسس مصنع “المحرك الفضي” المتخصص في تصنيع محركات الديزل.

 

حزب النظام الوطني: ١٩٧٠ م أنشأ أربكان أول أحزابه، وكان

أول حزب ذو هوية إسلامية تشهده تركيا منذ سقوط الخلافة الإسلامية؛ ولأن الحزب ذو توجه إسلامي ومعادي للأسس العلمانية، لم يصمد أكثر من ٩ أشهر ليصدر القضاء التركي قرارا بحل الحزب، والتهمة:  إنتهاك الدستور العلماني.

 

عند حل الحزب كان أتباع أربكان في حيرة من أمرهم وكأن الطريق قد سُد في وجوهمم، وكان لأربكان رأي آخر، فقال لأحدهم: أخبرني ماذا تفعل حين يفسد وضوئك، قال: أجدد وضوئي مرة أخرى، بالضبط لقد أفسدوا وضوءنا وأغلقوا حزبنا لذلك سنبدأ من جديد ونؤسس حزبًا جديدًا.(١)

 

حزب السلامة الوطني:  ١٩٧٢ م، عاد أربكان مع حزبه الجديد بحضور أقوى وفاعلية أكبر، تبع تأسيس الحزب حركتين داعمتين له:

 

-تأسيس صحيفة تابعة للحزب (المللي غازيتة)

-تأسيس القناة التلفازية الخامسة والقناة السابعة

 

نجم الدين أربكان وفي عام ١٩٧٤ م، قام بتلك الحركة التي أبهرت العالم وأفرحت الأتراك، في ١٩٧٤ م، كان نائب رئيس الوزراء التركي هو نجم الدين أربكان، فقام بإقناع قائد الجيش التركي والحكومة التركيا بضرورة التحرك العسكري في قبرص ونُصرة الأتراك المسلمين الذين يتعرضون للإضطهاد، ليستطيع أربكان ولأول مرة  منذ تأسيس الجمهورية التركيا التدخل في قبرص بعد أن سقطت الخلافة ووقعت معاهدة لوزان ١٩٢٣ م

 

وفي توطئة تاريخية: فتح العثمانيون قبرص ١٥٧١ إلى أن ضعفت الدولة العثمانية وفي عام ١٩١٥ م أعلنت بريطانيا سيطرتها على جزيرة قبرص وإجراء توقيع معاهدة لوزان المُذلة، التي إعترف العثمانيون وتنازلوا فيها عن جزيرة قبرص للقوات البريطانيا لتصبح الجزيرة فيما بعد مستعمرة للبريطان ويُرفع العلم البريطاني في أراضي الجزيرة، وفي عام ١٩٦٠ م أقيمت جمهورية قبرص ونتيجة لإنسحاب الدولة العثمانية أضحت قبرص والمسلمين فيها أقلية ومضطهدين، ففي عام ١٩٦٣ م قام القبارصة اليوانيين بإعتدائات على القبارصة الأتراك المسلمين داعين لضم الجزيرة لليونان وبقي الوضع في جزيرة قبرص مُستعصي ولا حل له إلى عام ١٩٧٤ م حيث قام القبارصة اليونان بمجازر بحق القبارصة الأتراك ليقوم نجم الدين أربكان بإطلاق “عملية السلام” فسيطرت فيها تركيا على ٦٣٪ من الجزيرة وفرضت وقفًا لإطلاق النار (٢)

 

نجم الدين أربكان مؤسس الحزب الإسلامي في تركيا وبعد عقود أعاد جزء من هيبة المسلمين الأتراك ومع تقديمنا في ما سبق محاولات المنظومة العسكرية والعلمانية إبعاد تركيا عن العالم الإسلامي وإرثها التاريخي، فقد أثبت أربكان ومن جديد أن هذه الأمة(المسلمة) تمرض ولا تموت، وأن روح العثمانيين لا تزال حاضرة في قلوب الأتراك وأن أمور المسلمين هي من أولويات الإسلاميين في تركيا، وقد أشار إلى هذه النقطة رئيس وزراء تركيا السابق أحمد أوغلو، في كتابه العمق الاستراتيجي-الذي أصدر في عام ٢٠١٠ م-في حديثه عن دور تركيا في قبرص وأهميتها في الساحة الدولية، فقال:  “تعتمد أهمية المسألة القبرصية بالنسبة لتركيا على محورين الأول: المحور البشري الذي يتعلق بتحقيق أمن المجموعات التركيا المسلمة، والذي يرتبط بالمسؤولية التاريخية التي تحملها تركيا على عاتقها، ومن المسائل التي لا زالت تتابعها تركيا بشكل جدي وتعتبرها إحدى المقاييس الأساسية للسياسة الخارجية، قضية أمن واستمرارية بقاء العناصر المسلمة التي بقيت في الأراضي التي خرجت منها الدولة العثمانية” (٣)

 

……….يتبع

 

المصادر:

 

١- الجزيرة الوثائقية، ربيع تركيا- نجم الدين أربكان

٢- عربي TRT،  قبرص لكي نفهم.. المسألة القبرصية وتدخلات التاريخ والسياسة

٣-  العمق الاستراتيجي- موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية،  أحمد داود أوغلو،  صفحة ٢٠٤.

(المصدر: موقع البوصلة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى