صناعة العقائد الفاسدة .. سهلة ومدمّرة!
بقلم عبدالله عيسى السلامة
قال الشاعر :
ويَنشأ ناشِئُ الفِتيانِ فينا=على ما كان عوّدَه أبوهُ !
إنّ أخطرَ ما يعوّد الأب ابنَه عليه ، وأخطر ما يعلّمه إياه ، وما يورّثه إياه، هو العقيدة ، صالحةً كانت أم فاسدة ، ربّانية كانت ، أم شيطانية بشَرية !
وإنّ أسهلَ ما يمكن ، أن يبتكره الإنسان ويصنعه ، هو العقيدة كذلك ..! إلاّ أن العقيدة المبتكَرة ، أو المصنوعة ، هنا ، لا تكون إلاّ فاسدة ، لأن العقيدة الصالحة لا تكون إلاّ ربانية ، منزلة من السماء ! وما يبتكره الناس ، من أفكار وقيَم صالحة ، لا يَدخل في باب العقائد ، إنّما هو عادات وتقاليد وأعراف . فالعقيدة الربّانية لا تقبل الزيادة أو النقص ، وكلّ ما يزاد عليها ، أو ينقَص منها ، يفسدها !
وإن العقائد الصالحة واضحة ، كلّها ، قابلة للحوار والمناقشة ، يلتزم بها الناس ، بناء على اقتناع عقلي! وقد حاجّ الأنبياء أقوامهم ، بالرسالات التي بُعِثوا بها ، وأقاموا عليهم الحجّة ، فآمَن مَن آمَن عن بيّنة ، وهلَك مَن هلَك عن بيّنة !
أمّا العقائد الفاسدة ، فلا تقبل الحوار ولا المناقشة ، لأنّها ملفّقة هَشّة ، تسقط عند أبسط تأمّل عقلي سليم ! لذا ؛ يلتزم بها أصحابُها ، التكتّمَ والغموض! ولذا ؛ سَمّى علماء المسلمين ، كثيراً منها بـ: (الحركات الباطنية) !
مثال : لو أنّ رجلاً ذا عقيدة ربانية ، خطرت له فكرة عابرة أعجبته ، فأحبّ أن يضيفها إلى عقيدته ، فأفسَدها ، ثمّ لقّن هذه العقيدة الجديدة ، لأبنائه وهم صغار، فإنّ هؤلاء الأبناء ، سيلقّنونها لأبنائهم كذلك ، ثم يلقّنها أبناؤهم لأبنائهم ، وهكذا..! لو جرى هذا ، فإنّ هذه العقيدة ، ستصبح ، بعد ثلاثة أجيال ، أو أربعة ، ديناً لمئات من البشر..!هذا ؛ إذا ظلّت العقيدة ، في إطار هذه الأسرة ! فإذا ثقِفَها رجال آخرون – ثلاثة رجال ، أو أربعة – ولقّنوها لأبنائهم ، ثمّ لقّنتْ لأحفادهم ، مِن بَعدهم ، فإن المؤمنين بها ، بَعد عشرات السنين ، سيكونون شعباً كاملاً ! سواء أكان أصل هذه العقيدة إسلامياً ، أم يهودياً ، أم نصرانياً !
ولو كانت العقيدة المبتكرة ، صناعة بشرية خالصة ، ليس لها أصل ربّاني ، فإنّ النتيجة ستكون واحدة ، من حيث كثرة أتباعها ، أو معتنقيها ، مع الزمن !
نماذج :
لقد حرّف بعض أحبار اليهود ، بعضَ النصوص الواردة في التوراة ، ثمّ لقّنوها لأتباع ديانتهم ، وطفِق هؤلاء الأتباع ، يلقّنونها مَن بَعدهم ، إلى يوم الناس هذا ! ولا يجرؤ أحد منهم ، على الشكّ بحرف واحد ، من هذه العقيدة الفاسدة المحرّفة ، مخافةَ الطرد من الملّة ، أو مخافةَ العذاب ، الذي يحلّ بالمنحرفين والمجدّفين والضالّين .. في الدنيا ، أو في الآخرة !
بعض القسّيسين حرّفوا بعضَ نصوص الإنجيل ، بالزيادة والنقص ، ولقّنوا العقيدة الجديدة المحرّفة ، لأتباع ديانتهم في زمنهم ، وصار كلّ جيل يورّث هذه العقيدة لِمن بَعده ، حتى هذه الساعة ! ومَن شَكّ في صحّة عقيدته هذه، أو صحّة شيء منها ، طُبّق عليه قانون (الحرمان) ، وطُرِد من الملّة، وحوصِر في عمله ورزقه، وقوطِع ، حتى مِن أقرب الناس إليه: زوجِه وأولاده!
بعض العقائد المنحرفة المحرّفة ، التي لها أصل إسلامي ، ابتكَرها بدايةً، بعض الماكرين اليهود ، من أمثال : عبدالله بن سَبأ ، الملقّب بابن السوداء، وغيرِه.. ثمّ ثَقِفها بعض الجهَلة والسذّج ، واعتنقوها ، ثم لقّنوها لأبنائهم، وثَقِفها أحفادهم ، مِن بَعدهم ، وهكذا ..! وأتباعها ، اليوم ، يُعَدون بالملايين ، في أنحاء العالم !
في العصر الحديث ، نشأت عقائد وديانات ، لم تكن معروفة ، من قبل، إنّما ابتكرها بعض شياطين الإنس ، ولقّنوها لمجموعات ممّن حولَهم ، من المغفّلين والسذّج ، فصارت مع الزمن ، ومع كثرة أتباعها ، دياناتٍ يطالِب أصحابُها ، بحقوق لهم ، في أوطانهم ومجتمعاتهم ، ومنها حقّ الاعتراف بالديانة ،على أنها إحدى الديانات المعتبَرة ! ويُبنى على هذا الاعتراف، الإقرار بقوانين الأحوال الشخصية ، لأتباع هذه الديانات ، وإعطاؤهم سائر الحقوق الاجتماعية والسياسية ، التي تتمتّع بها سائر الفئات في الوطن! بل يثيرون زوابع سياسية ، أحياناً ، داخل أوطانهم ، وفي الهيئات والمؤسّسات الدولية ، ومنظّمات حقوق الإنسان .. يَتّهمون فيها مجتمعاتهم وحكوماتهم، بأنها تضطهدهم بصفتهم أقلية ، وتحرمهم من حقوق المواطنة ! ويستعدي أصحاب الديانات (المبتكرة !) هؤلاء ، القوى الكبرى في المجتمع الدولي ، ضدّ أوطانهم ! ومِن هذه الديانات الحديثة المبتكرة : البهائية ، والقاديانية..! وهذا كله ، في مجتمعات ودول ، تنتمي إلى أمّة الإسلام !
ومن الديانات والعقائد المبتكرة ، ما هو ذو أصل وثَني ، كالصَرعات التي تظهر، بين الحين والآخر، في اليابان ، وغيرها !
ولا يغيب عن الذهن ، ما فعله الرجل الهندي ، المدعو: ( المَهاريشي ) ، في أوروبّا ، في أواسط القرن العشرين المنصرم ؛ إذ أسّس عقيدة غريبة، اعتنقها الآلاف ، من أتباع المِلل المختلفة ، في أوروبّا ، ولاسيّما ؛ من شباب النصارى الضائعين ، الذين لا يكترثون بديانتهم النصرانية ، ويشعرون بالحاجة ، إلى دين يؤمنون به ، لإرواء غريزة الإيمان ، في نفوسهم ، حتى لو كان هذا الدين مخترَعاً ، من أساسه ، ليس له أصل ربّاني ..!
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : “كلُّ مولود يولَد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانِه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه” !
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)