مقالاتمقالات المنتدى

صناعة العالم الرباني‬⁩ (1)

صناعة العالم الرباني‬⁩ (1)

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

العالم الرباني في ديننا بمكان عظيم، فهو ممن يحفظ الله به دينه، وينصر شريعته، ويخلف نبيه ﷺ في أمته، يحيي الله به ما مات من السنن، ويقمع به ما انتشر من البدع، ويطرد الله به عن أهل دينه وملته ما ظهر من الفتن، فهو حجة الله على الخلق وحاديهم إلى طريق الحق.
و‏الحاجة اليوم ماسة إلى وجود العالم الرباني في كل أوان ومكان، ولقد كان هذا الصنف من العلماء موفورا في القرون الثلاثة المفضلة، إلا أنه في الأزمان الحاضرة عزّ وجوده وإِن لم ينقطع من الأرض حضوره.
‏ومن رحمة الله بالأمة أنه لا يخلو الزمان عن عالم رباني قائم لله بالحجة!
و‏الربانيون مذكورون في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع،
‏وفي أحدها الأمر بالربانية؛
‏قال تعالى:”كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون”
‏ والرباني من العلماء له وصفان أساسيان؛العلمية والربانية، ومن لم يتحقق بالوصفين معا لم يستحق ذلك اللقب الشريف.
و‏لا يكون العالم ربانيا حتى يبلغ في الإحاطة بعلوم الشريعة مبلغًا عظيمًا فهو عالم بأصولها وفروعها وشروحها، وله إدراك لعلوم الوسائل والآلات والمقاصد والغايات، لا يقتصر على باب دون غيره؛ بل له تحصيل وسعة اطلاع على أسس صحيحة مستمدة من منهج أهل السنة والجماعة.
‏ولا يكون العالم المتبحر في علوم الشريعة ربانيا حتى يكون له انشغال بنشر العلم وتعليم طلبته، مبتدئًا بصغار العلم قبل كباره، ومعتنيا ببيان الأحكام الشرعية بلسانه وبنانه في العقائد والعبادات والمعاملات والنوازل والمستجدات وسائر ما يحتاج الخلق لبيان أحكامه.
‏كما يبذل العالم الرباني من علمه للخاصة من طلبته،فإنه لا يخلي العامة من نصحه ودعوته؛
‏فهو صاحب دعوة ربانية في موضوعها ومنهجها وغايتها ووسائلها وآثارها، ونتائجها مرضية مباركة عليه وعلى أمته،
‏”ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين”
ف‏الرباني من العلماء يحرص على واجب الاتباع فيحرر العقيدة من البدع والخرافة والأوهام، ويصحح العبادة من الأخطاء والمخالفات، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويناصح الولاة سرًا، ويجهر بكلمة الحق عند سلطان جائر، ويحرص على الاجتماع ووحدة الأمة وحصول أسباب الألفة.
‏كما عرف العالم الرباني بدعوته وجهاده فقد عرف بانضباط اجتهاده، فهو يقدم مصلحة الأمة على مصلحة جماعة الدعوة، ولا يخل بواجبي البلاغ المبين والسعي لتمكين الدين،
‏ولا يفرط بإنكار منكرات القبور والقصور، ولا يختل ميزانه في فهم واقعه ومراعاته والإعراض عنه وإهماله!
‏أسُّ الربانية تأله الله وعبادة رب البرية، والتقرب إليه بالفرائض والنوافل مسارعة إليها ومسابقة فيها، بجد واجتهاد في أدائها، ودوام واستمرار مع اقتصاد، وحذر من تهاون أو انقطاع، ورجاء للقبول وخوف من رد العمل!
‏وتحصيل لغاية التقوى، و”إنما يتقبل الله من المتقين ”
و‏العالم الرباني يوافق ظاهره الصالح باطنه الطاهر، ويطابق قوله عمله، إذ الربانية انسجام تام بين الفعل والكلام!
‏والرباني يعظ بحاله قبل مقاله،
‏والرباني القدوة يتحرز مما لا يتحرز منه غيره،
‏وبه ينتفع موافقه ومخالفه على حد سواء!
‏يعرف بالسمت الصالح والخلق الحسن.
للمقال بقية…
وصلى الله وسلم على نبينا محمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى