صمود المرابطين إفشال للمشروع الصهيوني
بقلم ظاهر صالح
إن احتلال أرض فلسطين تم بارتكاب المجازر واغتصاب الأرض من أصحابها الأصليين وطردهم منها وكانت السيطرة على الأرض العربية داخل التجمعات السكانية وخارجها، لأن الهدف الاساس هو الاستيلاء على جميع الأراضي والمقدسات في فلسطين.
من يدرس فكر ومعتقدات الصهيونية وتاريخ الاستيطان الصهيوني في فلسطين ومراحل الصراع العربي الصهيوني حتى يومنا يمكنه أن يدرك حجم وخطورة الفبركات والادعاءات الكاذبة والمزورة التي تدخل في إطار البنية العامة للعقيدة الصهيونية شأنها في ذلك شأن سائر الأكاذيب التي يتعامل معها الفكر الصهيوني مثل أكذوبة “الحق التاريخي في فلسطين والشعب المختار وأكذوبة شعب بلا أرض لأرض بلا شعب” وذلك من خلال تنفيذ استراتيجية الحركة الصهيونية في التطهير العرقي والتطهير المكاني.
لهذا كان التهويد لمدينة القدس هدفاً دائماً للكيان الصهيوني حيث احتلت (اسرائيل) منذ قيامها عام 1948، على ما يقرب 85بالمئة من مساحة القدس التاريخية ودمرت وهجرت أكثر من 38 قرية في ضواحي وقضاء مدينة القدس الغربي حتى عام 1967 وأقامت على أنقاضه مستوطنات يهودية أعطيت أسماء عبرية جديدة لإخفاء وطمس هويتها وأصولها الكنعانية والعربية وكباقي أجزاء فلسطين تعرض سكان القدس منذ عام 1948 إلى التهجير والطرد من القرى والتجمعات السكانية التي يعيشون فيها فُهجر وطُرد حوالي 98 ألف مواطن كبداية للتحول الديمغرافي القسري للإخلال بالواقع الديمغرافي لصالح الصهاينة .
في شهر حزيران من عام 1967 سيطر الاحتلال على القدس الشرقية وأحكموا قبضتهم على المدينة المقدسة كلها بتنفيذ الخطة العسكرية التي عرفت باسم (السوط) التي تقوم على مهاجمة القدس عبر توجيه ضربة مًركزة إلى شمال المدينة للسيطرة على التلال التي تسهل عملية تطويقها مع المناطق الواقعة على الأطراف وعلى طرق المواصلات التي تربطها بالأردن وواصلت قوات الاحتلال التقدم حتى وصلت إلى أسوار المدينة المقدسة حيث بدأت قواتها باقتحامها من باب الأسباط في الجهة الشرقية.
انقسمت القوات إلى ثلاثة أقسام، قسم اتجه إلى باب العمود وقسم اتجه إلى المسجد الأقصى والقسم الثالث اتجه إلى حارة النصارى كما دخلت قوات اخرى من باب الساهرة في الشمال ووقف موشيه ديان حينها عند حائط البراق والمعركة ما تزال مستمرة وقال : “يا أور شليم لن نتركك بعد الآن أبداً” وفي اليوم التالي كان حاخام جيش الاحتلال الصهيوني شلومو غورين يقف أمام الجيش الصهيوني بالقرب من حائط البراق ليقيم الشعائر الدينية اليهودية معلناً بعد نهاية هذه الشعائر بأن “حلم الأجيال اليهودية قد تحقق، فالقدس لليهود ولن يتراجعوا عنها وهي عاصمتهم الأبدية”
بتاريخ 27 حزيران عام 1967 أقرت الكنيست الصهيوني ثلاثة قوانين أثرت على مكانة القدس والأماكن المقدسة فيها والتي اعتبرت تجاوزاً وتعدياً على القوانين والأعراف الدولية وبموجبها تم إلغاء الوضع القائم من طرف واحد وفي الوقت ذاته أطلقت يدها في القدس العربية لتخلق واقعاً جديداً بالرغم من عدم شرعيته وهذه القوانين هي: أولاً- تطبيق القانون الصهيوني على القدس بكاملها
ثانياً- توسيع حدود بلدية القدس من 65 كم2 إلى 72 كم2 ، على حساب الأراضي الفلسطينية ودمج منطقة القدس الموحدة من شمال قلنديا على الحدود الجنوبية لمدية البيرة وحتى صور باهر جنوباً الحدود الشمالية والشمالية الشرقية لمدينتي بيت لحم وبيت ساحور، ضمن بلدية القدس وحل المجلس العربي للبلدية وإخضاع القدس الموحدة والموسعة للبلدية والقوانين اليهودية. ففي 30 تموز عام 1980 أصدرت الحكومة الصهيونية ما سمي بالقانون الأساسي للقدس الموحدة الذي نص على اعتبار أن مدينة القدس بشطريها عاصمة موحدة (لإسرائيل).
ثالثاً- إصدار قانون حماية الأماكن المقدسة الذي يسمح بحرية العبادة وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة لكل أصحاب الديانات وأُوكل إلى وزير الأديان (الإسرائيلي) تنفيذ هذا القانون ولكنه لم يطبق فعليا. هذه القوانين جعلت من (إسرائيل) هي صاحبة السيادة على المدينة بالرغم من عدم إشارة هذه القوانين لمسألة السيادة وبالفعل جاءت الإجراءات الصهيونية في مدينة القدس لتؤكد على هذه الأقوال.
ففي 11 حزيران عام 1967، قامت (إسرائيل) بإخلاء وتدمير حي المغاربة وتهجير سكانه إلى قرى شعفاط وحنينا وسلوان وغيرها من قرى القدس وكان من جملة المباني التي دُمرت خمسة مساجد وأربع مدارس، مع ما كان يلحق بهم من زوايا ومبان وسوق إسلامي تاريخي هو سوق الباشورة وشارع تجاري هو جزء من باب السلة.
وفي العام نفسه شرع الاحتلال بالمرحلة الثانية لتهويد المدينة القديمة ببناء الحي اليهودي داخل أسوار المدينة القديمة على الأراضي المصادرة الممتدة من السور الغربي شرقاً إلى تخوم دير الأرمن غرباً ومن طريق باب السلة شمالاً إلى سور المدينة جنوباً لتشمل المنطقة المصادرة بذلك حي المغاربة وجزءاً من حي الشرف وحي السريان وقاموا بطرد نحو ستة آلاف فلسطيني من المنطقة المصادرة وبذلك أصبحت مساحة الحي اليهودي تشكل حوالي 30بالمئة من مساحة القدس القديمة.
وفي الثمانينيات بدأ العمل بشكل تدريجي لتهويد القدس القديمة حيث شهدت هذه الفترة ظهور عدد من الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة والمنبثقة عن حركة “غوش أومنيم” التي تدعو إلى تكثيف الاستيطان في الأحياء الإسلامية من المدينة القديمة وتحويلها من مركز سياسي وثقافي عربي إسلامي إلى بلدة فلسطينية صغيرة داخل مدينة يهودية إضافة إلى زرع البؤر الاستيطانية وأطواق وكتل من المستوطنات والدعوة إلى الربط بين بين القرى الزراعية وتحويلها إلى كتلة متصلة وهذه الفكرة ما تزال في صلب المنهج الاستيطاني منذ ذلك الوقت وحتى اليوم .
لقد بلور الصهاينة صيغة ممنهجة ومتكاملة حول مدينة القدس والهيكل المزعوم تضمنت إجراء مطابقة مصطنعة بين نصوص العهد القديم وجغرافية القدس وتم تكوبن مجموعة من الفبركات والأكاذيب اليهودية حول الارتباط التاريخي بين اليهود والقدس وتحويل هذه الفبركات إلى رواية تاريخية مع إضفاء صفة الصدقية على النصوص والأفكار المروية بالنقل الشفهي وتضخيم الهالة الذهنية حول الهيكل المزعوم في فكر الصهاينة، كما عبر عنه بن غورين بالقول : “لا معنى لإسرائيل دون القدس ولا معنى للقدس دون الهيكل”. وبهذا الكلام الذي لا يدعو مجالاً للشك أن هناك إجماعاً صهيونياً لاستهداف المسجد الأقصى ومن ضمنه طرح مخطط التقسيم الزماني والمكاني للأقصى والسماح للمستوطنين بالصلوات فيه، بل وللاقتحامات بحماية قوات وشرطة الاحتلال.
هكذا يتضح من ممارسات الاحتلال واستهدافه المتكرر للأقصى والاعتداءات المتواصلة على رواده من المرابطين والمرابطات والمصلين وإبعادهم وفرض قيود يمنع بموجبها من تقل أعمارهم عن 45 عاماً من دخول المسجد الأقصى وتشديد القيود أغلب الأحيان ليمنع من هم أقل من 35 عاماً من الصلاة في المسجد الأقصى وتدفع ثمن هذه الإجراءات (الإسرائيلية) الجائرة المصلين والمرابطين المبعدين والممنوعين من دخول المسجد إلى الرباط وأداء الصلوات عند أبواب الأقصى لاسيما باب السلسلة في السور الغربي للمسجد الأقصى.
تتسبب إجراءات الاحتلال واقتحامات المسجد الأقصى بمواجهات بين جنود الاحتلال ورواد المسجد والمصلين فيه الذين يتصدون لهذه الاقتحامات والاعتداءات، ويلجأ الاحتلال إلى أساليب وحشية وقمعية قاسية والتنكيل بالمصلين والمرابطين والمرابطات وحراس المسجد، بل وتدنيس حرمته وصولاً إلى إغلاق مساحات كبيرة من باحاته لتكون مخصصة للمستوطنين ليقوموا فيها طقوسهم الدينية إضافة إلى حملات التحريض من قبل نواب في “الكنيست ” ووزراء حكومة الاحتلال ومسؤولين في أحزاب ومنظمات متطرفة وجهات قضائية وأمنية ودينية.
أمام هذه الجرائم الصهيونية لزوم من الشعوب العربية والإسلامية في العالم أن تقدم مزيداً من الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني وللمرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى والدفاع عن المقدسات وافشال المشروع الصهيوني في سعيه الحثيث لتهويد الأرض والمقدسات وكذلك وجوب توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء حالة الانقسام وتحقيق المصالحة والسعي إليها بجدية وتغليب المصالح العامة على المصالح الفئوية والحزبية.
(المصدر: مدونات الجزيرة)