صفقة قرن الشيطان لـ”شعب الله المختار”
بقلم حبيب راشدين
بعد مرور أكثر من عام عن بداية التسويق لها بالتسريبات المحسوبة، كشف أمس الرئيس الأمريكي عن تفاصيل ما سُمِّي بـ”صفقة القرن” لقيام “دويلة فلسطينية” مشكَّلة من “محتشدات” بلا روابط تقام على أقل من 70 في المائة من أراضي الضفة الغربية، تكون منزوعة السلاح، بلا سيادة على الحدود والأجواء، يفترض الرئيس الأمريكي من الفلسطينيين القبول بها مقابل رشوة مالية بخمسين مليار دولار يدفعها “أشقاؤُهم” من عرب الخليج.
تفاصيل الصفقة جاءت ألعن مما كانت تسوّق له عبر التسريبات، أخطر ما فيها: التنازل الطوعي عن القدس بالكامل، ووضع أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تحت إدارة مشتركة مع الكيان الصهيوني، مع اعتراف الفلسطينيين المسبق بـ”يهودية إسرائيل” 48، صفقة لم يكن يحلم بها غلاة الصهاينة، وقد سارع كبيرُهم نتانياهيو إلى الترحيب بها، واعتبارها “فرصة القرن” فيما رفضتها السلطة الفلسطينية وعموم الفصائل، والتزمت العواصم العربية الصمت، مع أن الصفقة تنسف من الأساس إلى جانب أوسلو “مبادرة السلام العربية” وتضرب عرض الحائط بعشرات القرارات الأممية ومواثيق الشرعية الدولية.
بعيدا عن ردود الأفعال الغاضبة المتشنِّجة، يُفترض من الفلسطينيين ومن أشقائهم العرب والمسلمين النظر إلى هذا العرض الأمريكي كفرصة سانحة للتحرُّر من “مسار أوسلو” الذي أدخل القضية الفلسطينية في نفق مظلم، والتحلل من أصُر “مبادرة السلام العربية” التي تنازلت سنة 2002 بلا مقابل عن أراضي فلسطين التاريخية المغتصَبة منذ 75 سنة، وفرَّطت في حق العودة لمئات الألوف من الفلسطينيين.
وفي مكان ما، يُفترض أن نثمِّن هذا العرض الأمريكي من إدارة اجتهدت في ثلاث السنوات الماضية بجملة من الاستفزازات المفضوحة، لم تترك للمُرجفين من النخب الفلسطينية والعربية أيَّ فرصة للمناورة والتسويق الناجع لانخراط سلس مستقبلا في أي مسار تفاوضي، حين بادر ترمب إلى خرق جميع الخطوط الحُمر التي التزمت بها الإدارات السابقة، وسارع إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، قبل أن يضيف طبقة ثانية من الاستفزازات، سواءً بإضفاء الشرعية على المستوطنات الصهيونية بالضفة، أو بدعم مسار تهويد القدس، وتحويل إسرائيل إلى “دولة يهودية” صرفة تمهِّد لتهجير مبرمج لفلسطينيي 48.
الرئيس الأمريكي يعلم سلفا أنه ليس بوسع النخب الفلسطينية التي تورَّطت في مسار أوسلو أن تكون شريكا في تنفيذ الصفقة حتى لو أرادت، بعد أن أحرقت جميع أوراقها في متاهات مسار أوسلو، وليس له شريكٌ افتراضي في بقية فصائل المقاومة بما في ذلك منظمة فتح، وما بقي من ديناصورات منظمة التحرير الفلسطينية، ولا يعوِّل على قرار عربي مشترك داعم من أحضان جامعة عربية منهَكة مفككة غير قابلة للتوظيف، وأقصى ما يعوِّل عليه هو انخراط بعض دول الخليج، التي قد تجد في الصفقة فرصة للتنصُّل والتحلُّل من أي التزام اتجاه القضية الفلسطينية، ودخولها المتوقع في مسار تطبيعي كان يشتغل تحت الطاولة منذ إعلان مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002، ويُراد له اليوم أن يخرج إلى العلن، وربما يكون هذا هو الهدف المرجوّ لصفقةٍ تضيف إلى التطبيع السياسي المصري والأردني، تطبيعَ دول الخليج والمغرب.
وفي كل الأحوال لا يزال بيد الفلسطينيين سلاحُ قلب الطاولة على الجميع بقرار واحد لن يكلفهم الكثير، يبادرون فيه إلى حل “سلطة أوسلو” وترك الخيار للشعب الفلسطيني للعودة إلى مسار مقاومة الاحتلال الصهيوني من النهر إلى البحر بجميع الوسائل التي تتيحها الشرائعُ السماوية والوضعية.
قرار حلِّ سلطة أوسلو يحتاج بالضرورة إلى تعضيده بتوحيد الصفوف، والعمل على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كممثلٍ شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، يتفرَّد بقيادة مقاومة الاحتلال على كامل ربوع فلسطين التاريخية بجميع وسائل المقاومة المشروعة، مسترشدا بثورة التحرير الجزائرية التي لم تساوم قط على الأرض، وبتجربة جنوب إفريقيا التي منحت نموذجا للتعايش بين السكان الأصليين ومجتمع الأقلية البيضاء تحت سقف واحد، وما ضاع حق وراءه مُطالب.
(المصدر: موقع بصائر)