صفقة القرن بالقوة
بقلم أ. محمد الحسن أكيلال
“كوشنر” –صهر الرئيس “ترمب” – ومستشاره في شؤون الشرق الأوسط يعيد الكرة ويطلب من السلطة الفلسطينية القبول بمقترحاته، وكأنه واثق من نفسه هذه المرة من أن الظروف وعوامل النجاح كلها تجتمع وتتظافر لتحقيق الهدف الذي رسمه له منذ عقد من الزمن ” بن يمين نتانياهو” زعيم اليمين المتطرف في دولة الكيان الصهيوني.
لا شك أن أهم العوامل التي اعتمدها في طرحه الجديد هو الانتصار النسبي الذي حققه صهره في الداخل الأمريكي بعدما انتهى تحقيق “مولر” من تقريره الذي لم يثبت فيه اختراق الاتحاد الروسي في الحملة الانتخابية و دعمه لفوز الصهر العزيز “ترمب” في الانتخابات الرئاسية الماضية إضافة إلى تجرؤه على رفع الفيتو في وجه الكونغرس ضد قراره بإيقاف الدعم الأمريكي للثنائي العربي الإماراتي-السعودي للحرب في اليمن، رغم الرد العنيف من الكونغرس القاضي بالامتناع على المصادفة على ميزانيتي الدفاع والخارجية، بصفة خاصة ما يتعلق فيهما بالمخصصات المالية لهذا الدعم.
قد يكون العامل المشجع له توخي النجاح في تصعيد الضغط على إيران بتصفير صادراتها النفطية المتبقية إلى مجموعة من الدول التي سمح لها سابقا باستيراده من إيران، بحيث قرر “ترمب” أن تعاقب هذه الدول ماليا في حال ما إذا واصلت استيرادها لنفط إيران وهذا ابتداء من شهر نوفمبر القادم؛ مقابل هذا تم تمرير إيعاز إلى الأمم المتحدة نقلته بدورها إلى حزب اللـه اللبناني تطلب منه بمقتضى هذا التخلي عن أسلحته والبقاء حزبا سياسيا مثل بقية الأحزاب، وهذا يعني التخلص من المقاومة، ويعني أيضا بالمحصلة التخلص من محور المقاومة نهائيا ليخلو الجو لدولة الكيان الصهيوني لتتصرف بكل طمأنينة وراحة في استكمال ما تريد تحقيقه من احتلال ما تريد من الأراضي الفلسطينية الباقية.
الخطة هذه المرة أعدت بالتشاور مع حكام الدول العربية الخليجية باستثناء الكويت ومصر السباقة إلى التعاون مع دولة الكيان الصهيوني بحجة النظام القائم على أنه مرغم على احترام اتفاقية “كامب ديفيد”، والأردن الذي وجد ملكه نفسه بين السندان والمطرقة، بين احتياجاته للإعانة المالية مع ما يتبعها من ابتزاز صهيوني أمريكي نتائجه وخيمة في حال تمكين دولة إسرائيل مما تريد، تهجير أعداد من الشعب الفلسطيني إلى الضفة الشرقية، وبين الرفض الشعبي للصفقة كليا.
هذه الخطة يبدو أن معديها حسبوا فيها للزارع دون البيدر، لأن إيران التي يعتقدون أنها تذعن وتستسلم ليست دولة كرطونية كجاراتها العربيات التي تعتمد على المال فقط لاقتناء ما تريد غذاء ودواء وسلاح، إنها دولة عمرها أكثر من 2500 سنة وإسلامها مثل جاراتها في عمر اعتناقه وأشد تأثيرًا في حياة المواطنين اليومية؛ دولة كإيران بإمكانها إذا شعرت بالخطر أن تقلب الطاولة على الجميع و تصبح كل المنطقة جحيما حقيقيا يدمر فيها كل شيء، وقد يطال الدمار مناطق كبيرة من أوروبا وآسيا.
دولة الكيان الصهيوني التي يقودها “نتانياهو” يبدو أن العقل فيها قد غاب هذه المرة، وخاصة وأن “نتانياهو” وهو يأمر بقصف قطاع غزة لاختبار إمكانيات رد المقاومة، لم يجل بخاطره وهو في حالة الاندفاع بفعل قوة النشوة من جبروت قوة السلاح أن هذه المقاومة يمكن لها أن تجعل من هذه العملية التكتيكية الاختبارية حربا ضروسا تشترك فيها كل قوى المقاومة من غزة جنوبا مرورًا بكل فلسطين إلى لبنان وسوريا شمالا وإيران شرقا بالصواريخ الباليستية البعيدة المدى.
أمريكا أيضا لم تفكر بأن إيران التي هددت بإغلاق مضيق “هرمز” في حال فرض عليها إيقاف التصدير لنفطها، وهذا لأن إمكانية تدمير قطع الأمريكية التابعة للأسطول الخامس في الخليج واردة، إنها حرب عالمية ثالثة قد يكون الرئيس “ترمب” توجس منها حين اتصل بالرئيس “بوتين” وطلب منه مواصلة الحوار و التشاور في القضايا الاستراتيجية.
الفرصة الأخيرة لقبائل الخليج ومصر لتقف مليا وتعيد النظر في تصرفاتها العدوانية ضد محور المقاومة، ليس المطلوب منها المشاركة في المقاومة بالسلاح أو القتال، المطلوب منها فقط أن تدعو لقمة عربية عاجلة واستثنائية لإصدار بيان جديد يختلف كل الاختلاف مع البيانات السابقة
- يتضمن البيان إعادة الجمهورية العربية السورية إلى الجامعة العربية
- رفض وصف أمريكا لحزب اللـه منظمة إرهابية
- التخلي النهائي عن مبادرة السلام كخيار استراتيجي
- إعادة العلاقات الطبيعية مع جمهورية إيران الإسلامية إلى ما كانت عليه قبل الحرب العراقية الإيرانية
إن رد مثل هذا وحده يكفي لإيقاف خطر حرب مدمرة في المنطقة ويفرض على دولة الكيان الصهيوني الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة و الاعتراف بدولة فلسطين الكاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لمصر مسؤولية عظمى وتاريخية في القيام بدور أكثر قومية وإنصافا للشعب الفلسطيني الذي كان أول ظلم من ذوي القربى الذي لحق به منها، من مصر التي كانت أول من حارب العدو الصهيوني عام 1948 وآخر من حاربهم عام 1973 وأتت الحرب باستسلام لم يكن مفروضا عليها مثل اليوم.
فمصر التي تقوم بدور الوسيط بين الأشقاء الفلسطينيين المختلفين يمكن أن تضغط بشكل أقوى لإنهاء الاختلاف، لكن بشرط أن تظهر لهم استعدادها الفعلي لمساعدتهم على تخطي المرحلة الصعبة ولو بفتح معبر “رفح” لمدد أطول وبالتوالي المنتظم.
كما يمكن لها وهي التي تريد أن تتوسط بين العدو وفلسطينيي قطاع غزة أن تُسمع العدو ما يجب من دولة عربية كبرى التزمت باتفاقية معه دون أن يلتزم هو بها.
وللفلسطينيين أن يعوا لأول مرة أنهم في مرحلة معضلية/مفصلية تطلب منهم ترك كل الخلافات والاجتماع تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية التي يجب إعادة الترتيب فيها وتحيين كل النصوص القانونية والتنظيمية وعلى رأسها الميثاق الوطني الفلسطيني.
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)