مقالاتمقالات المنتدى

صفات جيل القائد صلاح الدين وفتح بيت المقدس

صفات جيل القائد صلاح الدين وفتح بيت المقدس

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

لم يظهر جيل صلاح الدِّين من فراغ ، وإنما سبقته جهودٌ علميَّة ، وتربويةٌ على أصول منهج أهل السُّنَّة ، والجماعة ، وأصبح ذلك الجيل؛ الذي أكرمه الله بالنَّصر في حطِّين تنطبق فيه كثيراً من صفات الطائفة المنصورة ، والتي من أهمها:

أ ـ أنَّها على الحقِّ: وللطائفة المنصورة من ملازمة الحق ، واتِّباعه ما ليس لسائر المسلمين ، وهي إنما استحقَّت الذكر ، والنَّصر؛ لتمسُّكها بالحقِّ الكامل حين أعرض عنه الأكثرون.

ومن الجوانب البارزة في الحقِّ الذي استمسكت به؛ حتى صارت طائفةً منصورةً ما يلي:

ـ الاستقامة في الاعتقاد ، وملازمة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ومجانبة البدع ، وأهلها، فهم أصحاب السُّنَّة ، وصلاح الدين ، والمسلمون الذين معه هم الذين قضوا على الدَّولة الفاطمية الشِّيعيَّة الإسماعيلية.

ـ الاستقامة في الهدى ، والسلوك الظاهر على المنهج النبوي الموروث عن الصَّحابة ، رضي الله عنهم ، والسلامة من أسباب الفسق ، والريبة ، والشَّهوة المحرَّمة.

ـ الاستقامة على الجهاد بالنفس ، والمال ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإقامة الحقِّ على العاملين.

ـ الاستقامة في الحرص على توفير أسباب النصر المادِّية ، والمعنوية ، واستجماع المقوِّمات التي يستنزل المؤمنون بها نصر الله ، ولا شكَّ أنَّهم إنما ينتصرون لملازمتهم للجادة المستقيمة من جهة ، ولبذلهم الجهد الواجب في تحصيل أسباب النصر من جهة ثانية. وهـذا ما قام به صلاح الدين ، والقادة الذين معه ، وبذل الجهد في تحصيل تلك الأسباب هو في الحقيقة جزءٌ من الاستقامة على الشريعة؛ إذ الشريعة تأمر بفعل الأسباب ، واتخاذ الوسائل المادية الممكنة: من الصناعة ، والسِّلاح ، والتخطيط ، الإدارة ، وغيرها ، ولا يتوهَّم أحدٌ: أنَّ النصر يجيء بدونها؛ لأن تحقيق ذلك هو مقتضيات الاستقامة على أمر الله. (تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين ص 473)

ب ـ أنها قائمة بأمر الله: وهـذه الخصيصة بارزةٌ جداً في الوصف النبوي لهـذه الطَّائفة ، فهم أمَّةٌ قائمة بأمر الله، واسمهم: «الطائفة المنصورة» ، فقد تميَّز صلاح الدين بحمل راية الدَّعوة إلى الله ، وإلى دينه ، وشرعه ، وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم والقيام على نشر السنة بين الناس بكل وسيلةٍ ممكنةٍ مشروعةٍ ، ووظف إمكانات الدولة لذلك ، ولدفع الشبهات عن منهج أهل السنة ، والردِّ على مخالفيه.

ـ كما كانت دولة صلاح الدين قائمةً بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر باليد ، واللسان ، والقلب ، معارضةً لكل انحراف يقع بين المسلمين؛ أيَّا كان نوعه: سياسياً ، أو اجتماعياً ، أو اقتصادياً ، أو علمياً ، أو اعتقادياً.

ج ـ أنَّها تقوم بواجب الجهاد في سبيل الله:

والطائفة المنصورة جاءت الأحاديث النبوية في وصفهم بأنهم «يقاتلون على الحق» أو «يقاتلون على أمر الله». وكان صلاح الدين وجيشه قاموا بالجهاد الشرعي في سبي الله ، وقتال أعداء الله من الكفار ، وغيرهم.

د ـ أنَّها صابرة: فقد خصَّ الله الطائفة المنصورة بالصَّبر ، وقد رأيت ، وسوف ترى ـ بإذن الله ـ كيف تسلَّح صلاح الدين ، وجنوده بالصَّبر الجميل في جهادهم ، ولم تستطع القوَّة الظالمة أن تخرجهم عن منهجهم ، وهدفهم الذي يسعون إليه ، ولهـذا وصف الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم بأنهم: «لا يضرهم مَنْ كذَّبهم ، ولا مَنْ خالفهم ، ولا يبالون بمن خالفهم». وهـذه التعبيرات النبوية الكريمة تشير إلى هؤلاء العاملين الذي عرفوا أهدافهم ، وسلكوا طريقهم ، فلم ينظروا إلى خلاف المخالفين ، وعوائق المخذِّلين ، ولا تكذيب الأعداء الحاقدين. وكانوا يواجهون كلَّ المتاعب بصبرٍ، وثباتٍ ، ويقين. فهـذه الصفات التي جاءت في الأحاديث النبوية لوصف الطائفة المنصورة قد انطبقت على جيل صلاح الدين الأيوبي.

وكان صلاح الدين يوصي جنوده بالوصايا النافعة ، فقد قال ـ رحمه الله ـ ذات يوم: اعلموا أنكم جند الإسلام اليوم ، ومنعته ، وأنتم تعلمون: أنَّ دماء المسلمين ، وأموالهم ، وذراريهم في ذممكم معلَّقة والله ـ عز وجل ـ سائلكم يوم القيامة عنهم ، وأنَّ هـذا العدو ليس له من المسلمين من يصدُّه عن البلاد ، والعباد غيركم ، فإن توليتم ـ والعياذ بالله ـ طوى البلاد ، وأهلك العباد ، وأخذ الأموال ، والأطفال ، والنساء ، وعُبِد الصليبُ في المساجد ، وعُزل القران منها ، والصلاة، وكان ذلك كلُّه في ذممكم ، فإنَّكم أنتم الذين تصدَّيتم لهـذا كلِّه ، وأكلتم أموال المسلمين؛ لتدفعوا عنهم عدوَّهم ، وتنصروا ضعيفهم ، فالمسلمون في سائر البلاد متعلِّقون بكم. والسلام.

ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: ” القائد صلاح الدين الأيوبي”، للدكتور علي الصلابي.

 

 

___________________________________

المراجع:

  • تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين، علي محمد الصَّلاَّبي، دار الصحابة ، الشارقة، طبعة أولى.
  • القائد صلاح الدين الأيوبي، د. علي محمد الصلابي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى