مقالاتمقالات مختارة

صراع الأدمغة.. معركة الأمة الرابحة

صراع الأدمغة.. معركة الأمة الرابحة

بقلم أحمد سمير قنيطة

شهدت جولة التصعيد الأخيرة بين العدو الصهيوني والمقاومة الفلسطينية مطلع شهر مايو المنصرم نقلة نوعية في العمليات العسكرية لفصائل المقاومة رداً على الجرائم الصهيونية بحق المدنيين في غزة، تمثلت بإطلاق ما يزيد عن 650 صاروخاً وقذيفة على الأراضي المحتلة، واستهداف آلية صهيونية وجيب عسكري بصواريخ الكورنيت، وذلك بتنسيق عالي المستوى عبر غرفة العمليات المشتركة للفصائل، أدت إلى مقتل 3 صهاينة حسب اعتراف العدو الذي عوّدنا أن يخفي خسائره الحقيقية، وسقوط عشرات الجرحى وتدمير عدد من المنازل للمغتصبين الصهاينة بفعل القصف المركزّ على بلدات عسقلان وأسدود وبئر السبع بصواريخ دقيقة ذات قدرة تدميرية عالية طورتها المقاومة الفلسطينية محلياً كما أعلنت كتاب القسام وسرايا القدس.

وصلت المواجهة الأخيرة مع العدو ذروتها والتي أكدت فيها المقاومة الفلسطينية بأنها ندٌ لا يمكن الاستهانة به، بعد إدخال نوعيات جديدة ومؤثرة من الصواريخ محلية الصنع للخدمة، كان أبرزها صاروخ S40، وهو أحد الصواريخ من عائلة “سجيل” الذي دكت به كتائب القسام مدن أسدود وبئر السبع المحتلتين وسبب دماراً هائلاً، لكن الجديد في تلك المواجهة هو ما أخفاه قادة العدو من استهداف كتائب القسام وسرايا القدس لقوات العدو الرابضة على تخوم قطاع غزة بطائرات مسيّرة هاجمت جنود الاحتلال بالقنابل والقذائف، ما أدى إلى وقوع عدد من الجنود بين قتيل وجريح وهو ما تكتّم عليه قادة العدو وكشفه تسجيل مصّور لسرايا القدس أظهر استهداف مجموعة من الجنود قرب آلية صهيونية، ليتحدث الإعلام الصهيوني بعدها عن التقنيات الجديدة التي أدخلتها المقاومة على خط المواجهة مع الكيان الصهيوني.

فصائل الثورة وحركات التحرر في محيطنا العربي والإقليمي استخدمت الطائرات المسيّرة بكثرة لمهاجمة أهداف معادية وحققت إصابات دقيقة ومباشرة في صفوف العدو، كما فعلت فصائل الثورة السورية في إدلب بمهاجمة قاعدة حميميم العسكرية بعشرات الطلعات الجوية التي سببت أضراراً كبيرة في الطائرات الرابضة في القاعدة الروسية، ما شكّل تهديداً مباشراً لسلاح الجو الروسي خلال عملياته في مهاجمة المناطق المحررة، وعلى صعيدٍ آخر فإن جماعة الحوثي الموالية لإيران تُهاجم بشكل شبه يومي المطارات السعودية في جازان وأبها وتحقق إصابات مباشرة ودقيقة دون تَمكّن أنظمة الدفاع الجوي من ضبطها أو اسقاطها، ما يجعل هذه الوسيلة العسكرية البسيطة موضع اهتمام وعناية الفصائل المجاهدة التي تعاني من ضعف الدعم والتسليح بسبب الحظر والحصار.

دأبت كتائب القسام ومن خلال مهندسيها وخبرائها التقنيين على الاستفادة من العلوم العسكرية والتكنولوجيا المدنية وتطويعها لخدمة الأغراض العسكرية، في محاولة لتضييق الهوة بين قوة العدو الغاشمة وقوة المقاومة المتواضعة، كي تحقق شيئاً من التوازن والندية في القتال، وبدى ذلك واضحاً خلال جولات التصعيد الماضية التي كانت أشبه بمناورات بالذخيرة الحية للوحدات المختلفة العاملة في صفوف المقاومة كنوع من التقييم المستمر للأداء استعداداً للمعركة الكبرى القادمة، لكن جهود مهندسي القسام لم تقتصر على تصنيع الطائرات المسيرة “التقليدية” فحسب، بل إن العدو تفاجأ في جولة التصعيد الأخيرة بأن كتائب القسام استطاعت استهداف آلية صهيونية من نوع “ميركافاه” بصاروخ لم يعلن العدو عن ماهيته حينها، لكنه أخطأ هدفه كما زعمت وسائل الإعلام العبرية.

بعد أيامٍ قليلة فقط من إعلان العدو عن تمكّن القسام من استهداف آلية صهيونية بهجوم من طائرة مسيّرة، نشرت مواقع فلسطينية مقرّبة من كتائب القسام – في رسالة تؤكد ما ذهب إليه إعلام العدو- كاريكاتيراً يُظهر استهداف حوّامة مسيّرة لآلية صهيونية بقذيفة “ترادفية” مضادة للدروع تحمل رأسين متفجرين بحيث يهاجم الرأس المتفجر الأول الدروع المثبتة على الآليات ويهاجم الرأس الثاني جسم الدبابة بشكل مباشر فيعمل على إعطابها أو تدميرها، وأطلقت عليها اسم “حوّامات الموت”، ما من شأنه أن يشكل تهديداً كبيراً لعمل سلاح المدرعات الصهيوني ورعباً للجنود الصهاينة خلال أي معركة قادمة فيما لو استطاعت كتائب القسام وفصائل المقاومة العمل على رفع مستوى دقة الإصابة في المرات القادمة، والجدير ذكره أن العديد من تلك الحوامات اغتنمتها المقاومة بعد اسقاطها بينما كان العدو يهاجم بها المتظاهرين السلميين بقنابل الغاز خلال مسيرات العودة وكسر الحصار.

على صعيدٍ آخر نجد أن المقاومة الفلسطينية وضمن معركة العقول وصراع الأدمغة المستمرة، أبدعت في ميادين أخرى كالميدان البحري، حيُث استطاعت قوات الكوماندوز البحري القسامية خلال حرب 2014م أن تخوض عُباب البحر وتنفّذ عملية بطولية بعد اقتحام موقع “زيكيم” العسكري، وتهاجم دبابة صهيونية من نقطة صفر، فالبحر كان محرماً على المقاومة قبل ذلك لانعدام الإمكانيات والقدرات اللازمة لخوض المعركة البحرية مع العدو، وكذلك على صعيد الحرب الإلكترونية فقد استطاعت المقاومة اختراق منظومات الرصد والمراقبة الصهيونية، ونجحت في التواصل مع جنود صهاينة أغرتهم بتحميل تطبيقات على هواتفهم الذكية ووصلت إلى معلومات مهمة عن قواعد عسكرية صهيونية وبعض المعلومات السرية كما أعلنت وسائل إعلام عبرية، ناهيك عن السعي الحثيث لتطوير القدرات في مجال الدفاع الجوي والأسلحة المضادة للدروع وسلاحي القنص والاتصالات السلكية “الآمنة”، والأيام والأشهر القادمة قد تحمل الكثير من مفاجآت مما لا نعرفه.

وفي ظل البون الشاسع والهوة الكبيرة بين الامكانيات العسكرية والاقتصادية للفصائل المجاهدة وقوى التحرر في الأمة مقارنةً بإمكانيات العدو الهائلة، نجد أنه لا بد من العمل على تحقيق مبدأ “توازن الرعب” الذي تسطيع قوى المقاومة المُحاصرة تحقيقه للتغلب على مبدأ “توازن القوة” الذي يتفوق به عدونا بدعم من قوى الغرب الظالم، وذلك من خلال استحداث وحدات من المهندسين والتقنيين، وتكليفهم بمهام البحث والتطوير في العلوم التقنية المرتبطة بالاتصالات والتحكم والتكنولوجيا المدنية لتطويعها لخدمة الأهداف العسكرية، ومحاولة استقطاب خبرات الشباب المبدع في عالمنا العربي والإسلامي لخدمة قضايانا العادلة، والاستفادة من خبراتهم في العلوم المدنية لدعم معركة العقول وصراع الأدمغة التي لا شك أن القوى الثائرة لو أحسنت الاهتمام بها فسيكون لها عظيم الأثر والفائدة في الفترة المقبلة في قلب موازين القوة لصالح الأمة.

وفي هذا المقام لا بد من الاعتراف بالفضل لأهل الفضل على حسن صنيعهم وعظيم عطائهم ودعمهم اللامحدود لغزة ومقاومتها ومشروعها الجهادي المبارك، الذين فتحوا بلادهم ووضعوا ما استطاعوا انتزاعه من صلاحياتهم لخدمة القضية الفلسطينية وقضايا الأمة، إنه الرئيس الشهيد محمد مرسي – نحسبه – الذي اغتاله نظام الانقلاب الدموي في مصر بسِجنه يوم الاثنين الموافق 17-6-2019 م، هذا القائد المجاهد الذي عاشت المقاومة خلال عامٍ من حكمه فترةً ذهبيةً استطاعت فيه الاستفادة من التسهيلات الكبيرة التي قدمها الدكتور مرسي للقطاع المحاصر لتطوير قدراتها العسكرية على جميع الجبهات.

وكذلك نستحضر الدعم السياسي الكبير الذي قدّمه لفلسطين وغزة خلال الحرب التي شنها العدو على القطاع عام 2012 م، حين وقف الرئيس مرسي كالأسد الهصور مهدداً الولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال الصهيوني قائلاً: ” لن يكون لكم سلطانٌ أبداً على أهل غزة.. لن نترك غزة وحدها.. نفوسنا جميعاً تتوق لبيت المقدس.. وأقول للمعتدي خذ من التاريخ العبر والدروس.. غضبتنا لن تستطيعوا أبداً أن تقفوا أمامها.. غضبة شعبٍ وقيادة”. ولم يكتفِ الرئيس الشهيد بتأييد غزة بالأقوال فحسب، بل إنه أرسل رئيس وزرائه في حينها “هشام قنديل”، على رأس وفد رفيع المستوى يضم عدداً من الوزراء والقيادات المصرية الدبلوماسية إلى قطاع غزة، ونجح بالضغط لإيقاف الحرب بشروط المقاومة خلال 8 أيام فقط خوفاً من غضبة القيادة المصرية الجديدة وشعبها الثائر. رحم الله الدكتور مرسي وتقبله في عليين، وكتب النصر والتمكين لعباده المجاهدين.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى