مقالاتمقالات مختارة

صاحب الرسالة بين خطورة القعود وأهمية العمل

صاحب الرسالة بين خطورة القعود وأهمية العمل

بقلم يسري المصري

إن الدعوة إلى الله فخر وشرف، والاصطفاء الرباني لكل داع إليه سبحانه وتعالى عزٌّ وفضل من الله، ويقيناً تبعةٌ ثقيلة تحتاج لزاد عظيم من إخلاص وتجرد وصدق مع الله وحسن سريرة وفهم وعمل.

ولما كانت الدعوة هي رسالة ربانية، فالطبع لها صاحب، وصاحب الرسالة الأول محمد صلى الله عليه وسلم أُوحي إليه قرآن يتلى عن شرف الدعوة إلى الله، وعظمة الرسالة الإلهية في تعبيد الناس لربِّ العالمين، {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}. [فصلت، الآية:33].

إن صاحب الرسالة إنسان يفرض عليه العامل البشري أوامره ونواهيه، وأحياناً ينساق وراء هواه، “فلا عصمة إلا لصاحب هذا المقام -النبي محمد صلوات ربى وسلامه عليه-” كما قال الإمام مالك بن أنس.

وعليه فقد يصاب صاحب الرسالة بشيء من التيه دون شعور منه بل دون تفكير في الأمر، وأول مظاهر هذا التيه هو تحول حياته الدعوية لروتين بلا تغيير أو تطوير أو حتى مجرد النية في واقع أفضل.

إذ إن الأصل في المرء -فضلاً عن صاحب الفكرة ومتبني الرسالة والعامل لها- هو السعي لكل جديد من معالي الأمور، والأخذ بكافة أسباب ذلك التطور دون النظر لمدح أو قدح، فهناك من المدح ما يعطل، ومن القدح ما يستنفر به المرء قدراته.

إن الأصل في المرء -فضلاً عن صاحب الفكرة ومتبني الرسالة والعامل لها- هو السعي لكل جديد من معالي الأمور، والأخذ بكافة أسباب ذلك التطور دون النظر لمدح أو قدح، فهناك من المدح ما يعطل، ومن القدح ما يستنفر به المرء قدراته

إن القعود والرضا بالواقع الذاتي والوضع المحيط، والرضا بالحياة الروتينية بلا حراك جديد -يعزز الثقة في النفس، ويضيف المرء لحياته، ويسعى في رفع راية الحق والعدل والحرية -لمن مقومات ومعجلات الاستبدال لصاحب الرسالة، بل ربما يكون قد جرت عليه سنة الاستبدال وهو فى زحمة الحياة، فيجري عليه التيه فلا يسعى لتغيير حياته، ثم يقبل بواقعه ويألفه ويحيا حياة عادية يمكث في بيته، ثم يذهب للمسجد مع كل صلاة وهو يظن أنه ثابت في المحنة، وظني أنه في خطر شديد، وإن الاستبدال قاب قوسين أو أدنى إن لم يكن تم فعلاً، وهو مشغول بحياته العادية ومستقبل ذريته وسعيه لمزيد من الحصول على النعم وتأمين وظيفته؛ حتى لا تصاب بمكروه أيضاً!

إن صاحب الرسالة اليوم في خطر شديد، وصراع أشد بين نفسه التي بين جنبيه ووساوس العقل من جهة وبين نقاء فكرته التي يعشقها، وكم ضحى في الماضي من أجلها، وتحمل في سبيل رفعتها الجرح والطعن والبلاء وتجبر الظالمين!

إن صاحب الرسالة اليوم في خطر شديد، وصراع أشد بين نفسه التي بين جنبيه ووساوس العقل من جهة وبين نقاء فكرته التي يعشقها، وكم ضحى في الماضي من أجلها، وتحمل في سبيل رفعتها الجرح والطعن والبلاء وتجبر الظالمين

فاليوم -مع الأسف- مالت نفسه للراحة، ودعمها في ذلك وساوس العقل، ولا مشكلة في أن يطعم تلك الرغبة في القعود بشيء من نقد الواقع ثم يصل به الحال ليعلن لسانه ما استقر عليه عقله وقلبه فيقول “إنها فتنة” القاعد فيها خير من القائم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولا أدري أية فتنة هذه بعد كل ما جرى! فإن كان ينظر للأمر من الناحية الشرعية فهي حرب على الدين واضحة المعالم، فكم من مسجد تمّ حرقه، وأرواح أُزهقت، ومحارم تنتهك، على مدار الساعة! كل هذه -في قناعتي- لا تدفع أبداً للقعود والركون بل للعمل وفق المتاح والمستطاع.

وإن كانت النظرة من الجانب السياسي فهو انقلاب على ولاية منتخبة وإرادة شعبية، والوقوف في جانبها من عوامل حسن الفهم والحياة والعمل لهذا الدين، فيكفي المرء أن يكون ثابتاً على أفكاره، فبرغم كل الإخفاقات والسلبيات لن نتشكك أبداً في صحة الطريق ونقاء الفكرة، مهما كان سوء تصرف البعض من رجالها.

فالبيعة مع الله في المقام الأول والأخير، والمردّ إليه حتماً في يوم يقف الظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، والمنصف والمتجني، والصالح والطالح بين يديه؛ لترد الحقوق إلى أصحابها.

إن قيام صاحب الرسالة وكل من شرب من الفكرة النقية للعمل لها والسعي لنشر فضائلها اليوم -هو واجب الوقت فى زمن يجتاح التنصيرُ والإلحادُ الجامعاتِ والطرقات، برعاية رسمية أو إن شئت فقل بدعم دولي.

إن قيام صاحب الرسالة وكل من شرب من الفكرة النقية للعمل لها والسعي لنشر فضائلها اليوم -هو واجب الوقت فى زمن يجتاح التنصيرُ والإلحادُ الجامعاتِ والطرقات، برعاية رسمية أو إن شئت فقل بدعم دولي

ولو كان الركون والاعتزال ونشر مصطلحات الفتنة حتى تسوغ النفس الكسل والعطل فيه الخير -لقعد الجميع، لكن القعود هنا قد يكون له مكاسب في نظر أصحابها، فيأمن ويرتاح قليلاً، لكن دوام الحال من المحال، ومن أمن مكر المجرمين فقد جهل حقيقة النفوس المجرمة التي لا تترك شعاع نور يصل لصاحب الرسالة إلا وسعوا في إغلاقه! والأخطر أن المعتزل والقاعد سيفقد احترامه مع نفسه أمام صمته على الجرم الذي يجري على مدار اللحظة، والتنكيل القائم لكل صاحب رسالة متمسك بفكرته، عامل لدعوته، محبّ لطريقه، مصمم على بيعته.

إنني أنادي من واقع الحب والرابطة التي تجمعنا؛ حتى نستظل بعرش ربنا يوم القيامة بإذن الله إخواناً على سرر متقابلين، أنادي كل صاحب فكرة ورسالة ومن استظل بشجرة الإخاء أن ينشط ولا يستعذب القعود ولا يُطَمْئِن قلبه -بقعوده- بأن الفكرة محل تصارع على المناصب، كما يحلو له ذلك، فالأمر جدّ خطير، والدعوة تستنفر كل طاقة وملكة وإمكانية أن تُسَخَّرَ من أجل فكرته فالحرب شعواء.

وفي نفس اللحظة أهمس في أذن كل هؤلاء بأن الدعوة لا تتسول الرجال، والعمل لها شرف، والتخلي عنها في المحن عار لن يمحوه الزمن.

ختاماً، أخي يا من جمعتنا شجرة المحبة والإخاء والتجرد الصادق، إن العمل للدين بالفهم السليم هو النجاة الحقيقة في الدنيا والآخرة، فلا تتكاسل أو تتأخر، فلا يزال الرجل يتأخر حتى يكتب عند الله من المتأخرين، وذلك هو الخسران المبين!

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى