مقالاتمقالات المنتدى

شهود يوم القيامة.. تجلي مشاهد العدل والإنصاف

شهود يوم القيامة.. تجلي مشاهد العدل والإنصاف

 

بقلم علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

الله سبحانه وتعالى لا يحتاجُ إلى مَنْ يخبرُهُ عن عبادِهِ، أو يشهدُ عليهم بما فعلوه، إلاّ أنّه سبحانه من كمال عَدْلِهِ وإعذاراً للعالمين أقامَ عليهمُ الشهودَ، ونوّعَ تلكَ الشهود وكثّرَها، حتّى تنقطعَ الحُججُ، وتخرسَ الأفواهُ، وتقرّ الجموعُ بعدل الله المطلق[(428)]، وهـؤلاء الشهود كثُرٌ كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ *﴾ [هود: 18] وقال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ *﴾ [غافر: 51] وقال تعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *﴾ [الزمر: 69].

ومما ذكر في القرآن الكريم من إقامة الشهود على الناس الاتي:

1 ـ شهود الملائكة:

 قال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ *﴾ [ق: 21] أي مَلَكٌ يسوقه إلى المحشر، ومَلَكٌ يشهد عليه بأعماله[(429)] وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ *كِرَامًا كَاتِبِينَ *يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ *﴾ [الانفطار: 10 ـ 12] فهـؤلاء الملائكةُ الكرام الكاتبون هم الذين يشهدون، ويدلُّ عليه الحديثُ التالي عن أنسِ بنِ مالك قال: كُنّا عند رسولِ اللهِ (ﷺ) فَضَحِكَ، فقال: «هَلْ تَدْرُوْنَ ممَّ أَضْحَكُ؟ »، قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: « مِنْ مخاطبةِ العبدِ ربَّه يقول: يا ربِّ ألم تُجِرْني من الظُّلْمِ، قال: يقولُ بَلَى، قال: فيقولُ: فإنِّي لا أجيزُ على نَفْسِي إلا شاهِداً مني، قال: فيقولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ اليومَ عليكَ شهِيْداً، وبالكِرامِ الكاتبينَ شهوداً، قال: فيُخْتَمُ على فيهِ، فيقالُ لأركانه انطقي، قال: فتنطِقُ بأعمالِهِ، قال: ثم يُخَلَّى بينهُ وبينَ الكلامِ، قال: فيقولُ: بُعْداً لكنَّ وسُحْقاً فعنكنَّ كنتُ أناضِلُ» (التذكرة للقرطبي ( 2 / 95 ).

2 ـ شهود الرسل عليهم:

 فيشهدُ كلُّ رسولٍ على أمته، وأنّه قد بلّغهم، وبيّن لهم، وأزالَ عنهم الشُّبَهَ، لئلا يكونَ للناسِ حجةٌ بعدَ الرسل. قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ*﴾ [يونس: 47] يعني إذا جاء الرسولُ يوم القيامة قُضِيَ بينهم، وسماه الله تعالى شهيداً، كما في قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ*﴾ [النحل: 84] وقال تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ *﴾ [القصص: 75].

3 ـ وتشهدُ أمةُ محمّدٍ(ﷺ) على الخلق:

بعد أن تشهدَ الرسلُ على أقوامهم، لا تجدُ هـذه الأمم مهرباً إلا بتكذيب رسُلِها، فيقومون وينكرون ما جاءت به الرسلُ، ويكذّبونهم. كما كانوا يكذبونهم في الدنيا، ويقولون: ما جاءنا مِنْ نبيٍّ، فتقومُ أمةُ محمَّدٍ. الأمةُ الوسطُ، فتشهد للرسل: قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ *﴾ [الحج: 78] وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143] وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسولُ اللهِ (ﷺ): « يجيءُ نوحٌ وأمتهُ، فيقولُ الله تعالى: هل بلّغت ؟ فيقول: نعم أَيْ ربِّ، فيقولُ لأمّتِهِ: هل بلَّغكم ؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيٍّ، فيقول لنوحٍ: مَنْ يشهدُ لَكَ ؟ فيقول: محمَّدٌ (ﷺ) وأمتهُ، فنشهدُ أنّه قد بلّغَ، وهو قوله جلّ ذكره ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ العدل. (لوامع الأنوار البهية ( 2 / 174 ).

4 ـ شهود نبينا محمد (ﷺ):

قال تعالى: ﴿وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ﴾ [الحج: 78] وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ*﴾ [النحل: 89].

5 ـ شهود جوارح الإنسان من الألسن والأيدي على نفسه:

قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*﴾ [النور: 24] وقال تعالى: ﴿نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *﴾ [يـس: 65] وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ *حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ *وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ *﴾ [فصلت: 19 ـ 22].

6 ـ وتشهد الأرض:

 قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا *بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا*﴾ [الزلزلة: 4 ـ 5] عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قرأ رسولُ الله (ﷺ) ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا *﴾: « أتدرونَ ما أخبارَها ؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: « فإنّ أخبارَها أن تشهدَ على كُلِّ عبدٍ أو أَمَةٍ بما عَمِلَ على ظَهْرِهَا، أنْ تقولَ: عَمِلَ كذا وكذا، يومَ كذا وكذا قال: فهـذه أخبارها». (اليوم الآخر يوم القيامة ص ( 202 ).

7 ـ أعظم شهيد وأجلّ شهيد:

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا *﴾ [الأحزاب: 55] وقال تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ *﴾ [يونس: 61] فبعد أن يشهدَ الأحياءُ والجماداتُ، وتنتهي هـذه الشهاداتُ، تأتي شهادةُ اللهِ العزيز الحميد جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه (اليوم الآخر يوم القيامة ص ( 202 ).

8 ـ شهودهم على أنفسهم:

 إذا رأى العبدُ الحقَّ، وتبيّنَ له أنَّ الله لا تخفى عليه خافيةٌ، ورأى كلَّ ما عمله مكتوباً في صحيفته، وقامت عليه الشهودُ، ورأى أنّه لا برهانَ له ولا حجة، أقرَّ واعترفَ بما جنى واقترف، قال تعالى: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ *﴾ [الأنعام: 130].

 

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: “الإيمان باليوم الآخر”، للدكتور علي الصلابي، واعتمد في كثير من مادته على كتاب: “التذكرة”، للقرطبي.

 

______________________________________________

المراجع:

  • التذكرة بأمور الموتى وأحوال الآخرة، محمد بن أحمد القرطبي.
  • لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي.
  • أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2014م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى