شهادة محمد حسين يعقوب ومنهجية قراءة الوقائع المتشابكة
بقلم معتز الخطيب
انشغل الإعلام والناس عامةً، خلال الأسبوع الماضي، بشهادة الشيخ محمد حسين يعقوب أمام محكمة جنايات أمن الدولة (طوارئ) في محاكمة 12 متهمًا في القضية المعروفة إعلاميًّا بـ”خلية داعش إمبابة”. وبما أن ردود الفعل قد ذهبت مذاهب شتى في تناول هذه الواقعة، فإنني معنيٌّ هنا بسؤال منهجي يتصل بمنهجية قراءة مثل هذه الوقائع، خصوصًا أننا أمام واقعة نموذجية؛ فمن جهة يختلط فيها الديني والسياسي والقضائي معًا، ومن جهة أخرى تلتبس فيها الانحيازات الشخصية (كما تبدو لدى محبي الشيخ أو مريديه) بالتحيزات الأيديولوجية (كما تبدو لدى خصوم الشيخ من إسلاميين وعلمانيين). ونظرًا لهذه التعقيدات يغدو السؤال حول منهج فهم وتحليل هذه الواقعة سؤالًا جديرًا بالنقاش.
وفي ظني أن ردود الفعل على هذه الواقعة، تعكس جوهر الإشكال في طريقة فهمنا لبعض الوقائع أولًا، وفي كيفية إدارة خلافاتنا الفكرية والسياسية والدينية ثانيًا. أي أننا أمام مسألة ذات شقين: شق يتعلق بمنهج فهم وتحليل الوقائع، وآخر يتعلق بأخلاقيات الخصومة وتدبير الاختلاف داخل مجتمعاتنا؛ فقد وجدنا تشابهًا بين نظام السيسي وحواشيه من جهة، وبعض خصومه ومعارضيه من جهة أخرى في رد الفعل على واقعة الشهادة؛ رغم أننا لسنا هنا أمام قضية دينية أو فكرية محضة، بل مختلطة بالسياسي!
يمكن التمييز هنا بين مسلكين في قراءة الواقعة:
المسلك الأول: القراءة الاجتزائية التي تَغرق في “بعض” تفاصيل المشهد من دون الإمساك بالمشهد نفسه، ومن دون مساءلة صانعيه والبحث عن الرسالة المراد إيصالها. وقد انطوى المشهد على تفاصيل كثيرة شُغل الناس بها، وركز عليها إعلام السيسي، بل إن بعض الإعلام غير المصري توقف عند جزئية محددة في المشهد؛ كسؤال القاضي ليعقوب عن سبب صلاته المتكررة على النبي صلى الله عليه وسلم. والوقوف عند هذا السؤال تحديدًا يلبي -من الناحية الصحفية- المعايير (الغرابة والطرافة)، ويعكس -من الناحية السياسية- مستوى تعامل نظام السيسي مع أبجديات الإسلام.
وإذا شئنا الخوض في تفاصيل هذه القراءة الاجتزائية، يمكن أن نميز بين نوعين:
النوع الأول: التفاصيل التي تتصل بحال يعقوب وهيئته: كحذائه الذي يعكس -حسب بعضهم- حالة الرفاهية التي يرفل بها مما يخل بصورة الزهد والتدين التي يدعو الناس إليها؛ خصوصًا أنه صنف نفسه بأنه متخصص في “العبّاد” (في مقابل العلماء)، وحالة الارتباك التي ظهر عليها، وهي تعكس -حسب بعضهم- حالة القهر والاستكانة التي وُضع فيها بعد أن تم استدعاؤه بسلطة المحكمة التي ضاق صدر رئيسها عن الاستماع إلى تعليلاته التي يسوّغ فيها عدم حضوره اختيارًا. ومن التفاصيل الدالة كذلك تصويره أثناء أدائه شهادته؛ رغمًا عنه.
النوع الثاني: التفاصيل المتصلة بإجابات يعقوب التي أدلى بها أمام القاضي، كالحديث عن مؤهلاته العلمية التي لا تُظهر أي صلة بين عمله الدعوي وتأهيله النظامي (فهو خريج دبلوم معلمين)، وكتحديده لدوره ووظيفته حين نفى عن نفسه صفة العلماء وأهلية الفتوى، وكموقفه من جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها التي اختزلها في السعي إلى السلطة، وكتعليقه على سيد قطب حين وصفه بأنه أديب لم يتحصل على العلم الشرعي، وأنه قضى معظم حياته في السجن! وكقوله: لا أدري حين سئل عن الفكر السلفي التكفيري، والطائفة الممتنعة عند ابن تيمية، وحكم هدم المساجد والكنائس، وغير ذلك.
لست هنا في صدد مناقشة هذه الجزئيات ومدى دقة إجاباته، فما يعنيني هو بيان كثرة تفاصيل المشهد التي انشغل بها كثير من الناس عن المشهد نفسه، ومن ثم فقد خضعوا لأجندة صانع المشهد، بل واشتركوا معه في صياغة الرسالة التي توخاها، فليس غريبًا أن تُختزل شهادة يعقوب في كونه تكفيريًّا ضلل جيلًا كاملًا من الشباب، وأن يرد ذلك على لسان إبراهيم عيسى وأحمد موسى من إعلاميي السيسي، وعلى لسان معارضين للسيسي!
وسبق أن أشرتُ -في مقال سابق حول “التفكير النقدي وبناء الحجج”- إلى حجم المغالطة في الوقوف عند جزئية قد تكون صحيحة، ولكنها لا تعبر عن المشهد برمته، ومن ثم فإن انتقاء هذه الجزئية يعبر عن تحيزات الكاتب ويعطي صورة مغلوطة عن المشهد، ويجعل القارئ -في هذه الحالة- منخرطًا في عملية الأدلجة من منظوره الخاص (سواءٌ في حالة الإعجاب أو الخصومة). فعلى سبيل المثال، أي اقتطاع لجزئية محددة من كلام يعقوب هو إخراج للكلام عن سياقه؛ لأنه لا يمكن تجاهل أننا هنا أمام “حوار” ينطوي على أسئلة من القاضي وإجابات من يعقوب المتوجس -على طول الخط- وفي استجواب قضائي ضُبط فيه مكرهًا، وأن هذه الشهادة تتم في محكمة جنايات وفي قضية “أمن دولة”، وفي نظام السيسي الذي أصدر الحكم بالإعدام على 12 شخصًا قبل أيام من واقعة الشهادة، وكل جريمة هؤلاء المحكومين بالإعدام أنهم من المعارضين السياسيين، وممن انخرطوا في ثورة يناير وفي الاعتصامات المعارضة للانقلاب العسكري.
إن الوقوف عند جزئيات الاستجواب وفي حدود قاعة المحكمة فقط مضلّلٌ؛ لأن الأسئلة التي وجهها رئيس المحكمة للشاهد ذات حمولة سياسية منحازة وليست قانونية، وقد كان يعقوب مدركًا للبعد السياسي في الاستجواب الأمني الذي جاء على صورة “شهادة” قضائية؛ فالسؤال الخاص بحكم هدم المساجد والكنائس -مثلًا- لا يمكن فصله عن قرار نظام السيسي هدم المساجد التي قيل إنها تنطوي على مخالفات قانونية ولم تحصل على الترخيص المناسب (وكم في نظام السيسي نفسه من مخالفات!). وقد ظهر السيسي نفسه في بث تلفزيوني في أغسطس/آب 2019 متحدثًا عن ضرورة هدم مسجد في محور المحمودية في محافظة الإسكندرية، بحجة أنه يعوق حركة المرور في المحور، ويحول دون بناء كوبري (جسر) يراد له أن يخدم تلك المنطقة، وقال إن بقاء المسجد “غلط من منظور ديني”، ويخل بالمصلحة العامة، و”والله والله النبي محمد لا يرضى بكده”.
والسؤال الخاص بسبب صلاة يعقوب على النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحاديثه، بدا غير مفهوم، ولكنه يحيل إلى مشكلة ظهرت في يونيو/حزيران 2014 حين أثار نظام السيسي مشكلة حول الملصقات التي حملت عبارة “هل صليت على النبي اليوم؟” التي انتشرت في شوارع القاهرة على السيارات والمحلات ومداخل العقارات. واتخذت وزارة الداخلية برئاسة اللواء محمد إبراهيم آنذاك إجراءات فورية لتعقب ناشري الملصق وإزالته تماما؛ بزعم أنه “يزكي الطائفية، ويكرس تصنيف المواطنين وفق عقائدهم”. وقال وزير الداخلية لصحيفة المصري اليوم حينها “إن ملصقات الصلاة على النبي لا تتسق مع القيم والأخلاق، وتحمل تجاوزات”.
نحن أمام مشهد يتحول فيه القضاء إلى صيغة محاكم التفتيش في الأفكار والمعتقدات، كما أن الرسالة التي أراد نظام السيسي إرسالها من الشهادة هي على النقيض من اعتبار يعقوب من حلفاء نظام السيسي؛ خصوصًا أن يعقوب كان في صف الاعتصامات المعارضة للانقلاب العسكري، وممن كان له موقف صريح ضد قتل المعتصمين والمذابح التي وقعت بعد الانقلاب
وقد نُقل عن يعقوب حينها أنه قال لأبناء التيار الإسلامي عامة إن عليهم “العودة إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، لأن الدعوة إلى الله أمر مكلف به كل مسلم، لكنه ضاع في غمار الجري وراء السياسة وأمور الحكم”. ولكن نظام السيسي فهم حينها أن هذه الملصقات تعبر عن شكل من أشكال الاحتجاج السياسي من قبل أنصار الرئيس محمد مرسي بعد مرور عام على عزله. وإذا كان نظام السيسي يصنف أي تحرك معارض أو احتجاجي على أنه عمل إرهابي أو تطرف، فمن الطبيعي أن يؤكد السيسي نفسه في أكتوبر/تشرين الأول 2020 “أن مكانة سيد الخلق النبي العظيم في قلوب ووجدان المسلمين في كل أنحاء العالم لا يمكن أن يمسها قول أو فعل، كما أؤكد الرفض القاطع لأي أعمال عنف أو إرهاب تصدر من أي طرف تحت شعار الدفاع عن الدين أو الرموز الدينية المقدسة”. في محاولة لنفي وجود أي مضمون ديني خلف ممارسات نظامه التي اشتملت على إزالة ملصقات الصلاة على النبي، وهدم المساجد، والمطالبة بتجديد الخطاب الديني بما يتلاءم مع توجهات النظام السياسي.
فمثل هذه الأسئلة التي طرحها القاضي، هي أسئلة دينية ذات مضمون سياسي، ويعقوب يدرك ذلك تمامًا، ولذلك تهرب منها أو ورّى فيها؛ مخافة إغضاب نظام السيسي، ونجاةً بنفسه مما يُكاد له به.
المسلك الثاني في القراءة: هو القراءة التركيبية التي لا تقف عند حدود بعض الجزئيات والتفاصيل، وتنحي جانبًا المواقف الشخصية والأيديولوجية من الشاهد؛ لأن إقحامها في التحليل سيخل بعملية القراءة من جهتين: جهة الفهم وتحليل المضمون، وجهة أخلاق الخصومة وتدبير الاختلاف؛ مهما اتسعت شُقته، ذلك أننا أمام مواقف مبدئية لا يجوز فيها الاستقواء بالسلطة على الخصم ولو عددناه جاهلاً، ولا الشماتة به كذلك؛ حتى لو سلمنا جدلًا بأنه صنيعة النظام نفسه. فمن جهة، أي تبرير لمشهد المحاكمة وطبيعة الأسئلة التي وجهها القاضي للشاهد يُضر بأساس العدالة ووظيفة القضاء، والسماح بهذا النوع من التفتيش يمكن أن يشمل أي شخص آخر وليس تيار الخصوم المفترضين أو حلفاء النظام المُدَّعَين.
فنحن أمام مشهد يتحول فيه القضاء إلى صيغة محاكم التفتيش في الأفكار والمعتقدات، كما أن الرسالة التي أراد نظام السيسي إرسالها من الشهادة هي على النقيض من اعتبار يعقوب من حلفاء نظام السيسي؛ خصوصًا أن يعقوب كان في صف الاعتصامات المعارضة للانقلاب العسكري، وكان له موقف صريح ضد قتل المعتصمين والمذابح التي وقعت بعد الانقلاب. ولا يمكن تجاهل أن السياسة الدينية لنظام السياسي تختلف عن السياسة الدينية لنظام مبارك، الذي تشكلت في عهده نجومية يعقوب ومحمد حسان والآخرين؛ فقد سعى نظام مبارك إلى الحفاظ على حالة من الحِراب الداخلي بين التيارات الدينية، بحيث يهدد بعضَها ببعض، وينشغل بعضُها ببعض، حتى يستتب له التحكم فيها وإبقاؤها تحت السيطرة.
سبق لي أن أوضحت السياسة الدينية للسيسي في أكثر من مقال ومناسبة، وقد أوضح السيسي رؤيته الدينية في خطاب “تنصيب الرئاسة” الأولى حين أفرد فيه محورًا لما أسماه “تجديد الخطاب الديني”، وخاض أكثر من مرة سجالًا مع مؤسسة الأزهر بهذا الشأن، فنظام السيسي يرى أنه هو الذي يعرّف “صحيح الدين”، و”يصون منظومتنا القيمية والأخلاقية”، و”يحافظ على الصورة الحقيقية لديننا الإسلامي ويشكل عقول ووجدان المسلمين”. وحين سأل صحفي ألماني السيسي عن موقفه من حقوق الإنسان في فبراير/شباط 2019، أجاب السيسي بصراحة وانفعال: أن الأولوية عندنا للحفاظ على البلاد والأمن، وطالب الأوروبيين بألا يفرضوا عليه إلغاء عقوبة الإعدام، قائلًا “لدينا إنسانيتنا وقيمنا، ولديكم إنسانيتكم وأخلاقياتكم”.
وفي ضوء هذه الرؤية العامة، أراد نظام السيسي وإعلامه وقضاؤه أن يصنع مشهدًا ينال به من السلفية في مصر (في شخص رمز من رموزها)، بعد أن قضى على الإخوان ومارس ضغوطًا كبيرة على الأزهر وشيخه لتغيير بعض القناعات الدينية، وصنع رموزه الدينية الخادمة له (أسامة الأزهري، وسعد الدين الهلالي، وخالد الجندي وآخرين)، فالسيسي ممن يرون وحدانية السلطة، سواءٌ كانت هذه السلطة سياسية أو دينية أو إعلامية أو غير ذلك.
والآن، إذا عدنا إلى تفاصيل المشهد نجدها خادمة لهذه القراءة، بدءًا من السماح بالتصوير داخل المحكمة؛ رغم وجود قانون سابق بمنعه، وكلنا يذكر كيف كُتم صوت مرسي وحُبس في قفص زجاجي حتى يتم بث سردية واحدة فقط هي سردية النظام، مما يعني أن الكتم والإعلان شرط ضروري في تحديد المسموح به وغير المسموح به سياسيًّا، مرورًا بطبيعة الأسئلة التي تحيل -ضمنيًّا- إلى الموقف من أفعال السيسي ونظامه (كما سبق بخصوص ملصقات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهدم المساجد وغيرها)، وصولًا إلى النيل من رموز التيار السلفي عبر إجبارهم على شرعنة أفعال النظام ومجاراته في التبرؤ من فكر الإمام ابن تيمية الذي تم تصويره في إعلام السيسي على أنه مصدر العنف والتطرف، بالإضافة إلى فكر سيد قطب والإخوان وغيرهم.
وحينما نتحدث عن مشهد، فنحن نتحدث عن عناصر متكاملة: المكان، والزمان، وعالم الرموز، وأسئلة القاضي الممثّلة لخطاب السلطة وسرديتها، ووسائل بث الرسالة المتمثلة في تصوير الشهادة، ثم التغطية الإعلامية المكثفة لها في إعلام يُدار بتوجيه مباشر من أمن الدولة، ومحاولة إثبات ما فشل القاضي في انتزاعه من يعقوب (تهمة الإرهاب وتضليل الشباب)، وتداعيات المشهد كالتحرك ببلاغات ضد يعقوب لا صلة لها بالقضية المنظورة في المحكمة ولا بموضوع الشهادة، كتقديم بلاغ ضده لـ”مزاولته الخطابة والدعوة على المنابر وشاشات التلفزيون وغيرها من الوسائل”؛ رغم كونه حاصلاً على “دبلوم المعلمين”، وأنه قام بتقسيم المجتمع إلى فئات، أو كالزواج من 20 أو 30 فتاة عذراء!
في القراءة التركيبية من المهم عقد المقارنات أيضًا بين شهادة يعقوب -مثلًا- وشهادة الشيخين صلاح أبو إسماعيل ومحمد الغزالي في قضية مقتل فرج فودة مثلاً؛ خصوصًا أن القضيتين تتعلقان بعمل الجماعات الإسلامية المسلحة (الجماعة الإسلامية، وداعش)، وذلك لنقف على سمات زمنين سياسيين مختلفين، وعلى التداخلات بين الدياني والقضائي (الحكم بردة شخص والافتئات على السلطة في حالة فودة، والخروج على النظام السياسي وجهاده في حالة خلية إمبابة)، وصلة ذلك بالنظام السياسي الحاكم، وبحالة الفكر الديني ورجاله (صلابةً وضعفًا، عمقًا وسطحيةً).
الملفت أن الشهادة التي بُثت لم تنطو على أي سؤال مباشر بخصوص القضية المنظورة، التي أسندت فيها المحكمة إلى المتهمين تهمة “تولي قيادة جماعة إرهابية، الغرض منها الدعوة إلى الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع ومصالحه وأمنه للخطر، وتعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والحريات والحقوق العامة، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والأمن القومي”، وهي تهم تصدق -أو كثير منها- في حق الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي نفسه، وقد اضطربت الصحافة المصرية بخصوص اعترافات المتهمين في خلية إمبابة، ففي بعضها يرد أنهم نفوا تهمة الانضمام إلى داعش (كما في تصريحات محامي المتهمين لموقع مصراوي)، وفي بعضها الآخر أنهم اعترفوا بالانضمام لداعش والترتيب للذهاب إلى ليبيا وسوريا (كما في بوابة الأهرام).
حاولت هنا أن أبين أهمية منهجية قراءة الوقائع المتشابكة التي تحمل أكثر من وجه؛ بما يصون مبدأين: الأول معرفي يفي بتحليل المضمون، والثاني أخلاقي ينتصر للمبادئ ولو على أنفسنا، بحيث لا يجرمنا شنآن قوم على ألا نعدل؛ فالعدل أقرب للتقوى، والاستسلام للنوازع والميول الشخصية والأيديولوجية من شأنه أن يضر الجميع حينما يتعلق الأمر بمسائل الشأن العام ووظيفة القضاء وصيانة حرية التفكير مهما اختلفنا مع الأفكار، وأن الكلمة والقلم والحوار هي أسس تدبير أي خلاف فكري بعيدًا عن استبداد السلطة وأجهزتها.
(المصدر: الجزيرة)