شملت 6 آلاف كتاب منها المخطوطات الأم.. إطلاق الفهرسة الرقمية لأقدم مكتبة عائلية بالقدس
إعداد أسيل الجندي
بالتعاون مع متحف ومكتبة المخطوطات التابعة لجامعة سانت جون في الولايات المتحدة الأميركية أعلنت المكتبة الخالدية في البلدة القديمة بالقدس إنجاز الفهرسة الرقمية لمخطوطاتها ومطبوعاتها لتصبح متاحة للجمهور لتصفحها عبر الإنترنت.
تضم المكتبة الخالدية نحو ألفي عنوان لمخطوطات تاريخية مختلفة تتعلق بالفقه الإسلامي والطب والتاريخ والجغرافيا والفلك وتفسير القرآن والبلاغة والمنطق والشعر.
وتعود أقدم مخطوطة في المكتبة للقرن العاشر الميلادي وعنوانها “إشارات الأسرار في الفقه الحنفي” لمؤلفها عبد الرحمن بن محمد بن أمير ويه الكرماني، ونُسخت عام 1137 بخط الناسخ محمد بن أبي سعيد بن محمد بن موسى وعدد أوراق المخطوط 342 ورقة.
وشملت الفهرسة الرقمية أيضا 6 آلاف كتاب من الكتب المطبوعة في القرن 19 وأوائل 20، وتتوزع على لغات عدة أبرزها العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية والتركية العثمانية والعبرية.
أمهات المخطوطات
ومن أهم المخطوطات في المكتبة ما يطلق عليه اسم “المخطوطات الأم”، وهي التي كتبت بخط يد المؤلف دون نقل أو نسخ، ومن أمهات المخطوطات في الخالدية عدد من التحف الفنية النادرة التي تعرف بالمخطوطة المكرمة.
ومن المكرمات التي تحويها المكتبة الخالدية هدية قدمت لأبناء صلاح الدين الأيوبي عام 1201، عنوانها “كتاب منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر في خصائص الملك الناصر رحمه الله”، وتضم سجلا لبطولات الأيوبي وتاريخه المجيد.
وفي المكتبة مكرمة أخرى هي نسخة عن مخطوطة قدمت كهدية إلى حاكم الموصل الزنكي نور الدين أرسلان شاه (1193-1211) عنوانها “كتاب شاناق في السموم والترياق”، ألف المخطوطة الطبيب الهندي شاناق، وتُرجمت من اللغتين الفارسية القديمة والسريانية إلى العربية، هادفا تحذير الأمير من السموم لحمايته من الاغتيال.
وتقع المكتبة الخالدية -التي تأسست عام 1900- في طريق باب السلسلة في البلدة القديمة بالقدس بين المسجد الأقصى وساحة البراق، ويعود بناؤها للعصر المملوكي، وهي أول مكتبة مقدسية عمومية حُفظت مقتنياتها في وقف عائلي ذرّي.
مدير المكتبة خضر سلامة -وقبل التطرق لأهمية الأرشيف الرقمي الذي أطلقته المكتبة مؤخرا- أوضح للجزيرة نت أن المبنى الذي حُفظت فيه كتب الخالدية ومخطوطاتها هو مبنى تربة الأمير الخوارزمي حسام الدين بركة خان وولديه الأميرين بدر الدين وحسام الدين كره، الذين كانت تجمعهم بالسلطان المملوكي الفذّ الظاهر بيبرس روابط متينة.
وفي مدخل المكتبة تقع القبور 3 على يمين الزائر وأعلى كل منها نقش قديم يدلل على اسم المدفون وتاريخ وفاته، وعلى الواجهة المقابلة للقبور حكاية المكتبة منذ تأسيسها حتى يومنا هذا تزينها صور أثرية جميلة.
خضر سلامة -الذي بدا ملما بتفاصيل تاريخ المكتبة الخالدية ومحتوياتها- قال للجزيرة نت إن الفهرسة الرقمية خطوة مهمة لا بد للمكتبات اتخاذها في عصرنا الحديث، الذي يعتمد فيه الجميع على المعلومات المتاحة رقميا.
وتطرق سلامة إلى أهمية وصول الباحثين للمعلومات التاريخية القيمة التي تضمها المخطوطات من خلال إتاحتها رقميا، خاصة أن هذه المخطوطات ولقدمها قد تتعرض للتلف في ظل عدم قدرة المكتبة على ترميمها كافة.
“بتمويل شخصي من وليد الخالدي أحد أفراد العائلة رُممت مئة مخطوطة، ولدينا بعض المعدات التي يحتاجها الترميم لكن تكلفته عالية جدا، ورغم ذلك لم نفرط بأي مخطوطة، فهي مصنفة في صناديق خاصة، ونقوم بتبخيرها بين فترة وأخرى للحفاظ عليها من التلف ومن الرطوبة العالية، التي تعاني منها مباني البلدة القديمة بالقدس”، كما يقول للجزيرة نت.
سبق هذه الفهرسة الرقمية قيام سلامة بتصوير كافة المخطوطات بتقنية “ميكروفيلم”، وتوفير نسختين لكل مخطوطة في كل من العاصمة الأردنية ومقر المكتبة الخالدية في القدس حفاظا عليها من الاندثار، وكان ذلك في تسعينيات القرن الماضي.
تسهيل مهمة الباحثين
الآن وبعد إطلاق الأرشيف والفهرسة الرقمية لمحتويات المكتبة يمكن للباحثين حول العالم مباشرة أبحاثهم حول التراث العربي والإسلامي بكل سلاسة، ومن هؤلاء الباحث في التاريخ الفلسطيني أحمد الحروب.
وفي تعليقه على هذه الخطوة قال إنه من المشرف إطلاق أرشيف رقمي لمكتبة مقدسية تعد من أوائل المكتبات الفلسطينية، التي تملك موقعا مستقلا، وتتيح الخدمات للباحث والقارئ في عالم المخطوطات للاطلاع عليها، وبذلك تنضم لمنظومة “العلوم الإنسانية الرقمية”.
وتكمن أهمية المكتبة الخالدية -حسب الحروب- في أنه خلال مسيرته البحثية اطّلع على مخطوطات حُققت في دول من العالم العربي تبين أن مصدرها هذه المكتبة العائلية المقدسية، وهذا يدل على أن المخطوطات التي تملكها هذه المكتبة تعد من أندر المخطوطات في العالم.
“هذا التطور الرقمي سينتزع الحكر على توفير المحتوى الرقمي في المكتبات الغربية فقط، ويجعلنا جزءا من إنتاج المعرفة في هذه المنطقة المهمة والاستراتيجية في العالم العربي”، بحسب الباحث في التاريخ الفلسطيني.
وتطرّق الحروب أيضا إلى أهمية إتاحة محتوى المكتبات رقميا في ظل جائحة كورونا، التي صعّبت الوصول للمعلومات المتاحة في رفوف المكتبات فقط، “نقل المحتوى من المكتبة نفسها إلى بيوت الباحثين والقراء رقميا إنجاز عظيم”.
وعند سؤاله فيما إذا احتاج لأرشيف المكتبة الخالدية خلال إعداده بحثا عن تاريخ الطب في المشرق العربي بين عامي 1830 و1960، قال إنه نظم جولات لمستشفيات القدس التي عملت في تلك الفترة، ووجد أن 3 من الأطباء في تلك المستشفيات كانوا ينحدرون من عائلة الخالدي، وقاده ذلك للمكتبة للاطلاع على تاريخ الطب في مدينة القدس من خلال هؤلاء الأطباء، والتعدد الثقافي والديني الذي شهدته المدينة آنذاك.
(المصدر: الجزيرة)